الصفيحة التكتونية الأفريقية تحركت في المغرب ماذا عن شرق المتوسط؟

"أرشيفية"
يعيد زلزال المغرب الذي وقع قبل أيام وكذلك زلزال جنوب شرق تركيا الذي وقع في شباط الماضي، إلى الذاكرة سلسلة طويلة من الزلازل المدمرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة مما يجعل العالم يعيش فترة قلق متنقل.
وقبل أيام من وقوع الزلزال في المملكة المغربية، عاد باحث الزلازل الهولندي فرانك هوغربيتس، ليتصدّر مواقع التواصل الاجتماعي من جديد، عقب تدوينة "غامضة" توقّع خلالها وقوع هزة أرضية قوية، قبل أيام من وقوع زلزال المغرب والذي تسبب في وقوع آلاف القتلى والجرحى.
ويعد زلزال المغرب الأقوى منذ زلزال مدينة أغادير المغربية في عام 1960 الذي خلّف حوالي 15 ألف قتيل، وزلزال الحسيمة الذي تسبب بوقوع أكثر من 600 قتيل فب عام 2004.
فوق صفيح ساخن ـ الدول العربية الأكثر عرضة لمخاطر الزلازل
ووفق الدراسات والخبراء المعنيين، تنتشر أحزمة الزلازل في عدة مناطق مختلفة حول العالم، يمر بعض هذه الأحزمة في دول عربية وشرق أوسطية فيما تقترب أخرى منها.
ويعيش معظم سكان العالم ومنهم سكان الشرق الأوسط تداعيات زلزالي تركيا والمغرب.
يسلط التحقيق الضوء على ما أشيع قبل وقوع زلزلال المغرب، كما يتطرق الى كيفية تقليل الآثار الكارثية للهزات الأرضية مع ذكر بعض الدول العربية الأكثر احتمالاً للتعرض للزلازل.
منطقة المغرب العربي على خط الزلازل
في هذا السياق قال الأستاذ المحاضر والباحث في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركية ببيروت البروفيسور طوني نمر تعقيباً على الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة المغربية منذ أيام أن منطقة المغرب العربي تعد من المناطق الزلزالية، وقد حدثت فيها زلازل في أوقات متباعدة.
وأضاف في حديث لـ"جسور" أن "آخر نشاط زلزالي قوي حصل فيها عام 1960 وكان في الجزائر وبلغت قوته آنذاك 6 درجات على نفس السلسلة ."
وأضاف نمر "المنطقة التي حدث فيها الزلزال تقع على الصفيحة القارية التكتونية التي تغطي قارة أفريقيا، وهذا النشاط الزلزالي حدث نتيجة تحرك تلك الصفيحة نسبة الى الصفيحة القارية التكتونية التي تغطي قارة أوروبا ".
وشرح نمر "أن قوة الزلزال الجديد جاءت بسبب عدم تعرض هذا الصدع لهزات أرضية قوية منذ أكثر من 70 عاماً، وبالتالي فإن طاقة الزلزال تجمعت منذ ذلك الحين، وخرجت قوتها كاملة في الزلزال الحالي، لأن وقوع هزات متكررة على فترات مُتباعدة يزيد عادة من قوة الزلزال الكبير عند حدوثه ".
تجارب نووية!
ونفى الخبير نمر لـ "جسور" أن تكون بعض التجارب النووية وراء الزلزال بحسب ما روجت بعض المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي غداة وقوع الزلزالين المدمرين في تركيا والمغرب .
وقال نمر "من المؤسف اننا في بلاد المشرق نأخذ في غالب الأحيان بالأقاويل غير المنطقية وغيرالعلمية "
وأضاف "نعيش نظريات المؤامرة ونصدقها ومن الناحية العلمية ما حدث أمر طبيعي ويقع في إطاره الجيولوجي غير المفاجئ".
ماذا عن الوميض الأزرق؟
أظهر مقطع من كاميرا مراقبة في المغرب ومضات ضوء زرقاء في السماء لحظة وقوع الزلزال، ما أعاد للأذهان الصورة ذاتها عند وقوع زلزال سوريا وتركيا قبل أشهر. وقالت وسائل إعلام أن الضوء الأزرق هو ظاهرة مؤقتة، وهو وميض يحدث وقت الزلزال فقط، ويتكون نتيجة الكسر الذي يحدث في الصفائح أو الطبقات الصخرية.
واعتبر البعض أن الكسر الذي يحدث تسبب في احتكاك شديد بين الكتلتين في منطقة الكسر أو الفالق، خاصة إذا كان مساحة الاحتكاك كبيرة تصل إلى 3 أو 6 أمتار.
ورأى كثيرون أن هذا الضوء أو الوميض لا يكون في كل الزلازل، لكن يكون حسب المنطقة التي حدث فيها الزلزال، ففي المناطق التي يكون الانكسار في طبقات "طمي" لا ينتج هذا الضوء، لكنه يرتبط فقط بالصخور الصلبة والحركة على جانبي الفوالق.
وقال خبراء أن هذا الضوء هو عبارة عن شحنات كهربائية نتيجة الانكسار والاحتكاك، لكنه يرتبط فقط بوقت حدوث الزلازل.
وقد يُرى قبل سماع صوت الكسر أو الانفجار، وذلك يرجع إلى سرعة الضوء التي تتجاوز سرعة الصوت.
شحنات كهربائية
وأوضح الباحث طوني نمرل" جسور" أنه شاهد في الفيديوهات المنشورة الوميض الأزرق وقال عن ذلك " ان الوميض الأزرق الذي انتشر عبر الفيديوهات هو مشابه لما حدث في تركيا و نتيجة اهتزاز أعمدة الإنارة ونقل الطاقة الكهربائية ، ومن الممكن أن يحدث مثل هذا الوميض " مشيراً الى أنه ليس هناك من تفسير جيولوجي لذلك .
ورجح نمر أنه من الممكن أن يتكرر الزلزال في منطقة المغرب العربي في فترة قريبة أو بعيدة لأن القشرة الأرضية أخرجت الطاقة المتجمعة .
كما رجح أن يكون هناك تجمع للطاقة في مناطق أخرى عبر سلسلة جبال أطلس المغربية .
ماذا عن لبنان؟
تنتشر أحزمة الزلازل في عدة مناطق مختلفة حول العالم، يمر بعض هذه الأحزمة في دول عربية وشرق أوسطية فيما تقترب أخرى منها. وكيف يمكن تقليل الآثار الكارثية للهزات الأرضية؟
حول ذلك رجح نمر "حصول هزات ارتدادية كما حصل في تركيا"
وأوضح أن "لبنان ومنطقة الشرق الأوسط لا تتأثر بما حصل في المغرب ولا تأثير بين شرق المتوسط وبين جبال الأطلس الأفريقية ".
وتابع "شرق البحر المتوسط يقع على فالق البحر الميت ، والتركيبة الجيولوجية مختلفة عن بلاد المغرب العربي ومنفصلة تماما "
وقال نمر لـ"جسور" أن الخليج العربي هو أبعد من منطقة شرق المتوسط أيضا ولا يتأثر بالصفيحة التكتونية الأفريقية.
التوعية والوقاية
وعن الاحتياطات التي يجب على الدول التي تقع على فوالق زلزالية اتخاذها قال الخبير نمر "أن دول شرقي البحر المتوسط وتركيا ولبنان عليها دائما أخذ الحيطة والحذر ، وذلك من خلال التوعية في الجامعات والمدارس والتثقيف الجيولوجي، واتخاذ التدابير الفعالة التي يجب اتباعها في حال حصول الزلازل".
ودعا نمر "الدول كافة ولبنان لإقامة أيام خاصة للتوعية ، وهذه تعرف بالمحاكاة أي إقفال البلاد لساعات خلال عطلة نهاية الاسبوع مرة في السنة وإجراء احتراز تمثيلي بإشراك المستشفيات والجيوش وفرق الإسعاف وكل مرافق الدولة."
من هي الدول المعرضة للزلازل؟
نصح نمر "الدول المعرضة للزلازل ومنها الصين واليابان ومنغوليا والهند والنيبال وأفغانستان وباكستان والعراق ايران وتركيا واليونان وايطاليا وسوريا ولبنان والاردن وفلسطين وتونس والجزائر ودول جنوب أميركا والمكسيك والشاطئ الغربي للولايات المتحدة ، ونيوزيلندا ، وتمر هذه الدول في معظمها أحزمة زلزالية ، نصحها أن "تتبع الإجراءات التي تشبه حالة الطوارئ لمواجهة أي نشاط زلزالي محتمل في سبيل التقليل من الأضرار البشرية والمادية في حال حصوله".
زلازل ضربت لبنان في الماضي
بالرغم من اعتبار لبنان من البلاد التي تعرف نشاطاً زلزاليّاً بسبب وجود فوالق ضمن أراضيه، أبرزها فالق الشرق أو اليمونة، غير أنّه ليس نقطة التقاء صفائح تكتونية.
إلا أنه لا يمكننا غضّ النظر عن أنّ العديد من المناطق لبنان الحالية تقع إلى جانب صدع البحر الميت الذي يشكل جزءاً من الحدود بين الصفيحة التكتونية العربية والصفيحة التكتونية الإفريقية، وقد أدى موقعه الجغرافي على مدار قرون إلى حدوث العديد من الانزلاقات الأرضية، الزلازل و"التسونامي" خاصة في مناطق جبل لبنان، إليكم أبرزها:
"تسونامي" عام 365:
في عام 365، بلغت سواحل بيروت موجات "تسونامي" عالية، بعد وقوع زلزال في جزيرة كريت في اليونان، الذي قدرت شدته بأكثر من 8 درجات على مقياس ريختر، بحسب المؤرخين المعاصرين. وبلغ ارتفاع موجات "تسونامي" عشرة أمتار، حيث نتجت أضرار واسعة في مناطق عديدة من العاصمة.
زلزال دمر مدينة بيروت عام 551:
خلال القرنين الخامس والسادس، شهدت بيروت فترة كوارث طبيعية، من هزات أرضية وصولاً إلى الفيضانات، وكانت كارثة عام 551 الأبرز في تدمير مناطق لبنانية عدّة، وذلك أثناء عهد الملك البيزنطي جوستنيان الأول، حيث عاشت المدينة على وقع أسوأ زلزال بلغت شدته 7.5 درجات.
وكانت قد انسحبت مياه البحر المُتوسط مئات الأمتار قبل أن تضرب الساحل اللبناني موجات المدّ البحري "تسونامي" حاصدةً الكثير من الضحايا، والتي طالت عدداً من المدن البيزنطية. وسبّب هذا الزلزال دماراً واسعاً ودمّر مدناً عدّة بين صور وطرابلس، وأبرزها مدينة بيروت.
ووُثقت هذه الحادثة في مذكرات رجل معروف بحاج بياتشنزا (Piacenza)، الذي تحدث عن "خراب بيروت وتحولها لكومة كبيرة من الحطام والحجارة، فضلآً عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص بهذه المدينة وحدها."
خمسون هزة في لبنان في غضون 60 يوماً عام 1202
وفي عام 1202 ضرب زلزال قوي الأراضي السورية وبلغت شدته الـ7.5 درجات، وأتت ارتداداته ساحقة على مناطق لبنانية عدّة عبر فالق اليمونة، ونتج عنه انخساف في السواحل وغرق العديد من الجزر الصغيرة التي كانت ممتدّة على طول الساحل اللبناني، ولم يبق منها سوى جزيرة الأرانب قبالة طرابلس، كما دمرّت مدينة طرابلس وبعلبك وسقط أكثر من نحو 30 عموداً من أعمدة قلعة بعلبك، وسقط أكثر من مليون ضحية في لبنان وسوريا ومصر وأرمينيا وتركيا وجزيرة صقلية في البحر المتوسط، كما لحقتها موجة من المجاعة وانتشار الأمراض في المناطق المنكوبة.
في 16 آذار عام 1956، تعرّض لبنان لثلاث هزات أرضية مركزها الروافد السفلية لنهر بسري حيث دمّر الزلزال بعض القرى بشكل كامل منها: روم، عازور، شحيم، جون، قيتولي وكفرحتى .
ويقع لبنان على مفترق ثلاث صفائح تكتونية: الصفيحة العربية والصفيحة التركية والصفيحة الافريقية، وهناك ثلاثة فوالق كبيرة هي اليمونة وروم وسرغايا.