ألمانيا والسعودية: الحصن الاستراتيجي والشريك المهم في الشرق الأوسط

"أرشيفية"

فرنسا

بالنسبة لدولة تدعي أنها القوة الأكثر تفوّقًا في الشؤون الأوروبية بين نظيراتها، فإن ألمانيا تجد نفسها في كلّ مرّة على الجانب الخطأ من التاريخ.

ويقول الكاتب كون كوغلين في مقال له بصحيفة "التيليغراف" إن برلين اتخذت مواقف متناقضة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وربما كان إحجامها في البداية عن تقديم الدعم الكامل لكييف بعد أن شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزوه غير المبرر، يعود بخاصة إلى اعتمادها الكبير على موسكو للحصول على إمداداتها من الطاقة.

ومع أن المستشار الألماني أولاف شولتز وصل في النهاية إلى الموقف الأكثر حزماً الذي اتخذته دول مثل المملكة المتحدة وبولندا، فإن مراوغته أخرت توفير المعدات الحيوية، كدبابات القتال الرئيسية.

وترى الصحيفة البريطانية، أن برلين تبدو وكأنها لم تستفد من الخبرة التاريخية، حيث تجسد موقفًا يشير إلى عدم تعلمها للدروس السابقة. ما يظهر جليًا في العلاقة التي تجمع بين ألمانيا وحليف غربي بارز آخر، وتحديدًا المملكة العربية السعودية. فقد أُجمع على أن العلاقات مع السعوديين لم تكن دائمًا سهلة وبسيطة، ولكن على الرغم من ذلك، فإن المملكة العربية السعودية قدمت دعمًا ملموسًا للغرب في الأوقات الحرجة.

منذ دورها البارز في حرب الخليج الأولى وحتى تقديم المعلومات الاستخباراتية الحيوية التي ساهمت في تدمير البنية التحتية الإرهابية لتنظيم القاعدة، أثبتت المملكة العربية السعودية مرارًا وتكرارًا أهميتها كحليف استراتيجي للغرب. يُشير التقرير إلى أن هذا الدور المهم للمملكة العربية السعودية يبرر جهود الحكومة البريطانية لتعزيز دفاعات المملكة من خلال تزويدها بمقاتلات تايفون يوروفايتر الحديثة. هذه الخطوة تظهر وضوحًا كخطوة استراتيجية منطقية تهدف إلى حماية المصالح الوطنية البريطانية.

وعلى الأقل، يُعَد الجيش السعودي القوي حصنًا مهمًا ضد التهديدات الإقليمية، وبخاصة التهديدات الناشئة من إيران. كما أن اهتمام المملكة العربية السعودية بشراء الأسلحة المنتجة في المملكة المتحدة، مثل تلك المنتجة بواسطة شركة BAE Systems، يساهم أيضًا في تعزيز القاعدة الصناعية العسكرية في المملكة المتحدة، وبالتالي يعزز التعاون الثنائي بين البلدين في ميدان الدفاع والأمان.

وبحسب الصحيفة، "يعود تاريخ تبادل المعلومات الاستخباراتية والعلاقات العسكرية القوية التي تتمتع بها لندن مع الرياض إلى عقود عديدة، ووصلت إلى ذروتها في الثمانينيات عندما تفاوضت حكومة مارغريت تاتشر على صفقة "اليمامة"، والتي أسفرت عن حصول القوات الجوية السعودية على أسطول من مقاتلات تورنادو. وشهدت الصفقات اللاحقة قيام السعوديين بتعزيز قدراتهم القتالية الجوية من خلال توقيع اتفاقيات للحصول على المزيد من مقاتلات تايفون وطائرات هوك التدريبية. ومع ذلك، فإن الصفقة الأخيرة لبيع 48 طائرة تايفون للسعوديين، والتي تم الإعلان عنها بعد وقت قصير من قيام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بزيارته الأخيرة إلى المملكة المتحدة في عام 2018، واجهت صعوبة بسبب معارضة برلين لهذه الخطوة".

وتابعت الصحيفة، "بما أن ألمانيا كانت جزءًا من الائتلاف الأصلي المشارك في تطوير طائرة يوروفايتر، فإن لبرلين الحق في حجب موافقتها على أي صفقة أسلحة تتعلق بالطائرة. ونتيجة لذلك، وبعد أن اجتذبت انتقادات واسعة النطاق بسبب عرقلة إمدادات الدبابات القتالية إلى أوكرانيا، تجد ألمانيا نفسها الآن معرضة لخطر ارتكاب خطأ مماثل في الحسابات من خلال إعاقة بيع الطائرات للسعوديين. ويقال إن إحجام ألمانيا عن فرض عقوبات على صفقة بريطانيا الأخيرة مع الرياض، والتي تقدر قيمتها بـ 5 مليارات جنيه إسترليني، جاء بعد مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي في السفارة السعودية في تركيا، على الرغم من إدانة ولي العهد شخصيًا لها".

وأضافت الصحيفة، "في حين لم يتردد في مواجهة الانتقادات التي طالت بلاده بسبب مقتل خاشقجي، فإن ولي العهد حرص على تسليط الضوء على التحول الذي حدث في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الخمس الماضية، سواء من حيث التنمية الاقتصادية أو مكانتها كقوة عالمية كبرى. فمن استضافة قمة دولية بشأن حل الصراع الأوكراني في آب إلى لعب دور بارز في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في نيودلهي، تتبنى المملكة دوراً أكثر حزماً في الشؤون العالمية، وهو دور من المؤكد أنه يصب في مصلحة الغرب. ويأتي ذلك في ظل الحديث عن تقارب دبلوماسي بين السعوديين وإسرائيل، حيث أصبح وزير السياحة الإسرائيلي هذا الأسبوع أول عضو في مجلس الوزراء يزور المملكة".

ورأت الصحيفة أنه "ومع ذلك، وبفضل سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن غير المتماسكة في الشرق الأوسط، يبدو أن الرياض مهتمة أكثر بتشكيل تحالفات جديدة مع بكين وموسكو. في الوقت الذي يشهد فيه المشهد العالمي تغيراً جذرياً، فمن الأهمية بمكان أن يتغلب القادة الغربيون على أي تحفظات لديهم بشأن التعامل مع السعوديين وأن يضمنوا أن الرياض تعتبر واشنطن ولندن، وليس موسكو وبكين، حليفتين رئيسيتين لها".

وختمت الصحيفة، "ستشكل القمة المقبلة في لندن بين بن سلمان ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي يضغط على ألمانيا للموافقة على بيع طائرات تايفون، توقيتاً مناسباً للبدء في إعادة تنشيط هذا التحالف الرئيسي".