معركة اللاجئين: العداء مقابل الإنسانية في ظل تصاعد التحريض على السوريين

"أرشيفية"

القاهرة

تتواصل حملة التحريض على الترحيل القسري التي بدأها بعض الأحزاب اللبنانية ومن بعض المسؤولين ضد اللاجئين السوريين إلى بلدهم في وقت يتزايد خطاب الكراهية والعنصرية وارتفاع منسوب العنف والتعدي على كرامة اللاجئين السوريين، رغم التحذيرات الحقوقية من الترحيل القسري للسوريين الى بلدهم.

كل ذلك في ظل تقاعس الحكومة اللبنانية وهروب بعض السياسيين والمسؤولين من واجباتهم وتوجيه أصابع الإتهام الى اللاجئين السوريين في كل مناسبة عبر الشعبوية وذلك بسبب عجز المسؤولين اللبنانيين من إنقاذ البلاد من الإنهيار الاقتصادي، وتقاعس القضاء اللبناني بملف التحقيقات بإنفجار مرفأ بيروت، واستمرار الخلافات السياسية التي تعرقل أنتخاب رئيس للجمهورية وجر البلاد لمشاكل أمنية واجتماعية .

اعتقالات وترحيل قسري

أكثر من منطقة في لبنان تشهد حملات دهم وتوقيفات تطال لاجئين سوريين منهم متورط بعمليات أمنية أو سرقات تمهيداً لترحيلهم ومنهم من تم استغلالهم ووقعوا ضحية عصابات إجرامية، حيث تكررت عمليات الخطف والتعدي والقتل ضد السوريين في لبنان بشكل كبير في الآونة الأخيرة في ظل تصاعد خطاب الكراهية ضدهم. وبحسب مصادر حقوقية يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان 1.5 مليون تقريباً، نحو 900 ألف منهم مسجّلون لدى مفوضية اللاجئين، ويعاني معظمهم أوضاعاً معيشية صعبة، خاصةً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية منذ سنوات .


لبنان أمام مسؤولية حقوقية وأخلاقية لحماية اللاجئين السوريين وعدم الاعتداء عليهم أو ترحيلهم، كونه أحد البلدان الموقّعة على اتفاقية مناهضة التعذيب وهو مُلزم بتنفيذ كل ما جاء فيها: وتنص المادة الثالثة من الاتفاقية على أنه لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلّمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب .
وبالتالي يقع على عاتق السلطات اللبنانية مسؤولية استباقية مضافة إلى منع طرد أو إعادة أو تسليم أي شخص قد يتعرض للتعذيب، تتمثل في استكشاف وتهيئة الأرضية اللازمة الآمنة لأي شخص لاجئ في لبنان حال أراد بنفسه العودة إلى سوريا.

موقف أميركي إنساني

ومن بين التحذيرات الأممية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان من خطاب الكراهية والعنصرية الموجّه ضد اللاجئين السوريين، وتعتبر أن ترحيل اللاجئين السوريين ، يعد جريمة أخلاقية وقانونية ترقى إلى درجة القتل العمد والجرائم الإنسانية، يبرز الموقف الأميركي السياسي والإنساني الذي لا يفرض عودة اللاجيئن السوريين لوجود مخاطر وصعوبات هائلة تمنع السوريين من العودة الآمنة إلى بلادهم بنحو يحفظ كرامتهم ، وهذا الموقف يتطابق والقيم الإنسانية بعدم فرض عودة اللاجئين عند وجود خطر وهناك معايير يجب تلبيتها قبل العودة .

وتحرص الولايات المتحدة الأميركية على الحفاظ على المؤسسات العسكرية اللبنانية والوقوف بجانب لبنان لمواجهة التحديات والمخاطر، والأزمات المتعدّدة وقد أطلقت سفارة الولايات المتحدة الاميركية في بيروت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج دعم مالياً مؤقتاً لعناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وسوف يساعد هذا البرنامج في التخفيف من بعض الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها عناصر القوى الأمنية اللبنانية الذين يبذلون الجهود الجبارة لخدمة وطنهم وأبنائه والمقيمين على أراضيه، ما يساهم في نهاية المطاف في أمن البلد واستقراره العام.

كما تنفذ الولايات المتحدة برامج عدة منها دعم المجتمع المحلّي عبر الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة والمساعدة للمجتمعات الأكثر حرمانًا في لبنان، من خلال تحسين تقديم الخدمات الأساسية وتعزيز الفرص الإقتصادية والتربوية والإجتماعية والبنية التحتية وغيرها، لتحسين نوعية الحياة والحد من التوترات.

بالإضافة تقدم الولايات المتحدة الاميركية،من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تمويلا سخياً من المساعدات الغذائية الطارئة لأشخاص من الأكثر عرضة في لبنان، بما في ذلك اللاجئون من سوريا ودول أخرى. و يوفر هذا التمويل، من خلال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ، حصصاﹰ غذائية للعائلات اللبنانية، وقسائم إلكترونية للاجئين السوريين لاستخدامها في المتاجر المحلية، مما يدعم الاقتصاد اللبناني .

حملة مبرمجة ضد اللاجئين

في هذا الصدد، قالت الأمينة المساعدة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية في الإتحاد العام للمنتجين العرب التابع لجامعة الدول العربية، السيدة ليلى حجازي، لـ"جسور": يواجه عدد كبير من اللاجئين السوريين في لبنان حملة قمع مبرمجة وتحريضاً يضع الفئات الضعيفة من النازحين السوريين في أوضاع مباشرة تهدد حياتهم.


ويجب على السلطات اللبنانية التعاون مع المجتمع الدولي ومفوضية اللاجيئن التابعة للأمم المتحدة لتأمين حياة كريمة للاجئ السوري وفقأ للاتفاقيات الحقوقية الدولية والإمتناع عن الإعتقال القسري والاحتجاز وترحيل اللاجئين السوريين وذلك حفاظًا على حياة اللاجيئن السوريين، أما المتورط بأعمال غير قانونية في لبنان يجب أن يحاسب من قبل القضاء اللبناني.


وأضافت "حجازي": يجب أن يمنع التعامل مع اللاجئين السوريين من زاوية عنصرية على أساس إنتمائهم العِرقي أو الديني أو السياسي، بل يجب أن تطبق اتفاقية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تحدّد طريقة وقيود التعامل مع أي نازح أو لاجئ الى لبنان من أي جنسية كانت، وتعطي للمفوضيّة مهلة محددة لا تتجاوز كحد أقصى سنة لتوطينه في بلد آخر غير لبنان حسب الاتفاقية الموقعة بين لبنان والمفوضية التابعة للأمم المتحدة .

عداء وترحيل قسري

ويرى الأستاذ في القانون الدولي المحامي أمين بشير في حديث لـ "جسور" أن لبنان أمام تجدد مشاعر العداء تجاه اللاجئين السورييين، بلغت ذروتها بترحيل عدد منهم وقال: لطالما كان السوريون في لبنان كبش فداء في المنظومة الاجتماعية-الاقتصادية التي تعاني من اختلال وظيفي وتتغذى من العمل غير النظامي وعدم شرعية المؤسسات. يزعم الجيش اللبناني أنّ مَن يقوم بترحيلهم هم فقط السوريون "غير الشرعيين"، أي بعبارة أخرى، السوريون غير المسجّلين في عداد اللاجئين أو الذين لا يملكون إقامة قانونية وأذون عمل. ولكن الأسس التي تقوم عليها عمليات الترحيل هذه متناقضة أو حتى مخالفة للقانون نظرًا إلى أن لبنان لم يعترف، في المقام الأول، بوضعهم كلاجئين. ومن المهم الإشارة أيضًا إلى أن الحكومة منعت المفوضية العليا للاجئين، منذ عام 2015، من الإستمرار في تسجيل اللاجئين في حين أن من شبه المستحيل تجديد الإقامة.

تجاوز للقوانين الدولية

وأضاف بشير: تتحدّث تقارير صادرة عن منظمات دولية عن حالات من الإعتقال التعسفي للاجئين السوريين، تحت ذريعة الإرهاب كما تندد مجموعات حقوق الإنسان بالترحيل التعسّفي وغير الطوعي للسوريين، إذ تُفيد التقارير بتعرّض بعض السوريين العائدين قسرًا إلى بلادهم للإعتقال والتنكيل من القوى الأمنية السورية.


ويتابع المحامي أمين بشير: في نهاية المطاف، لا يمكن أن تكون هذه الحملة لترحيل اللاجئين فعالة أو مقنعة قانونيًا في ضوء التجاوزات التي تشوبها والاستنسابية في التعاطي من دون مراعاة واحترام الاتفاقيات الموقعة من قبل الدولة اللبنانية حول حقوق الإنسان ولا سيما الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والتناقضات التي طبعت طريقة التعاطي مع مسألة اللاجئين منذ نحو اثنَي عشر عامًا.
والأهم من ذلك، تتسبب هذه العودة القسرية بتهديدات عدة للإقتصاد المحلي الذي يتخبط أصلًا في الأزمات ويعتمد بشدّة على اليد العاملة السورية التي تحوّلت إلى حاجة وسلعة .