الحكومة الإسرائيلية تبحث عن شماعة إقليمية بعد فضيحة حماس
صحيفة: تطورات أبعدت مصر عن الاتهام بالتواطؤ ضد إسرائيل
لا شك أن هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل ستكون له تداعيات سياسية في إسرائيل بعد انتهاء الحرب، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى لتفادي ذلك بترويج فكرة أن الإخفاق الأمني الإسرائيلي كان بتواطؤ دول إقليمية لم تكن حماس قادرة على الهجوم من دون تعاونها. وكانت مصر في قلب التلميحات.

يقظة مصرية تحسبا لمغامرة غير محسوبة
لا تزال الكثير من حيثيات الحرب بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل غير واضحة، والغاطس منها سوف يفوق ما هو طاف على السطح، لأن تداعياتها قد لا تتوقف عند حدود قطاع غزة أو إسرائيل، فهناك أطراف إقليمية عدة يمكن أن تتورط فيها أو يتم جرها إليها بحكم ما يدور الحديث عنه من سيناريوهات.
وبدأت مصر تظهر في الواجهة، تارة باتهامها بدعم حماس ضد إسرائيل، وتارة العكس بعد نشر تقارير قالت إن القاهرة حذرت تل أبيب من قيام الحركة بالتجهيز لعملية عسكرية، وهو ما نفته إسرائيل أولا، ثم مصر ثانيا على لسان مصادر أمنية.
وتبحث الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو عن جهة إقليمية تضع على عاتقها الإخفاق الإستراتيجي والاستخباراتي الذي تعرضت له عقب العملية العسكرية المتقنة التي قامت بها المقاومة الفلسطينية ممثلة في حركتي حماس والجهاد، وأكدت هشاشة القدرات الأمنية بعد أن نسجت قيادات إسرائيل أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
ويريد نتنياهو العثور على جهة خارجية يحملها المسؤولية أملا في إنقاذ حكومته سياسيا من تهمتي الفشل في التوقع، وعدم القدرة على رد الفعل سريعا، وأخذت التلميحات تتجه نحو مصر عبر تردد سؤال محوري حول الطريقة التي دخلت بها الأسلحة والمعدات إلى قطاع غزة ووصلت إلى كل من حماس والجهاد، خاصة أن ميناء رفح الرابط بين سيناء وغزة هو الوحيد الذي لا تملك إسرائيل سيطرة مباشرة عليه.
وزاد هذا التوجه مع إشارات تكررت حول ما يعرف بسيناريو “الوطن البديل”، ويقوم على تهجير سكان غزة إلى سيناء، كحل للقضية الفلسطينية من وجهة نظر إسرائيل، وكنوع من تهدئة الرأي العام الغاضب من نتنياهو، في إشارة إلى أن مواطني إسرائيل على وشك الارتياح من الانزعاج الذي تمثله لهم المقاومة الفلسطينية في غزة.
وقوبل هذا الحديث برفض قاطع من جانب القيادة المصرية وتحذيرات متواصلة من مخاطر التمادي في ترويجه، ما اضطر الحكومة الإسرائيلية وجيشها وسفارتها في القاهرة إلى نفيه تماما، من دون أن تتم تنحيته من المشهد العام، بسبب التطورات المتسارعة في الحرب، وحجم الدمار الحاصل في غزة خاصة في صفوف النساء والأطفال، والذي يفضي إلى وضع إنساني سيء يمكن أن يضطر مصر إلى استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين، وهو ما دفع القاهرة إلى مخاطبة إسرائيل مباشرة.
وكشف اللواء السابق بالجيش المصري سمير فرج عن مكالمة هاتفية وصفت بـ"العاصفة" جرت بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ونتنياهو بعد رواج فكرة تهجير سكان غزة إلى سيناء، مفادها أن السيسي حذر من مغبة التوجه.
وقال المفكر الإستراتيجي المصري القريب من السلطة في تصريحات إعلامية الثلاثاء “أنا متأكد من أن الرئيس السيسي قال لنتنياهو في اتصال هاتفي بأن مصر لا تقبل لأحد عبور الحدود، وعليهم نسيان هذا الكلام ولو استمر فإنه سيبدأ فصل جديد من العداوة بين مصر وإسرائيل".
وجاءت هذه الرسالة على لسان أحد الجنرالات السابقين في الجيش لتأكيد رسائل متعددة بعثت بها القاهرة وتشدد على محورية حل القضية الفلسطينية بصورة عادلة وليس على حساب دول أخرى، وأن مصر لن تكون كبش فداء لحكومة نتنياهو التي تواجه تحديات مصيرية وتبحث عمن تحملهم مسؤولية إخفاقاتها عبر حلول مستقبلية.
وتشير معلومات كثيرة إلى أن مصر نبهت إلى خطورة ما يجري من قبل المتطرفين في إسرائيل، وقرأت مبكرا ما يمكن أن يحدث من انفجار في قطاع غزة، وقامت بمجموعة من الإجراءات التي تمكنها من حماية أمنها القومي، وهناك تطورات ومحددات مختلفة تبعد القاهرة عن شبهة التواطؤ ضد إسرائيل أو التنسيق مع حماس.
وتشدد مصر دائما على أهمية الحلول السياسية للقضية الفلسطينية، وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وعدم الاستخفاف بنتائج حصار غزة، لأنه يمكن أن يقود إلى انفجار أول ضحاياه إسرائيل نفسها، والتي أفرطت قواتها في ممارسة العنف في الأراضي المحتلة وفتحت الباب على مصراعيه لمتطرفين ومستوطنين للعبث بالمقدسات.
وهذه الرسالة وجهتها مصر أكثر من مرة وفي مناسبات عدة، ولا تغيب عن أجندة جامعة الدول العربية، وعدد كبير من دولها يتبنى المنهج نفسه للتهدئة، وهي رسالة متكررة يرددها مسؤولون مصريون على مسامع إسرائيليين وتم حرفها من قبل وسائل إعلام عبرية وبدا كأن القاهرة قدمت معلومات أمنية محددة حول عملية حماس.
ونفت القاهرة ما نشره إعلام إسرائيلي حول هذا الأمر، والذي تناقله إعلام عربي يريد التشكيك في دور القيادة المصرية في دعم القضية الفلسطينية حاليا، كما نفاه مكتب نتنياهو نفسه ليس لأنه لا ظل له من الحقيقة، فالغرض من نشره ثم التراجع هو الإيحاء بأن مصر تقف ضد إسرائيل وشحن شعبها ضد القاهرة، ومحاولة تبرئة رئيس الحكومة بزعم أنه يواجه مؤامرة، وبات ضحية حماس ودولة عربية كبرى.
وترفض القاهرة تحمل حماقات الحكومة الإسرائيلية التي أمعنت في ممارسة العنف فأعماها عن رؤية الحقائق على الأرض، ورفضت الاعتراف بأن سياساتها تفضي إلى هذه النتيجة القاسية، ولا تحتاج إلى تحذيرات أو نقل معلومات، فكل من راقب تصرفات نتنياهو وانتهاك أبسط حقوق الفلسطينيين على يقين من أن انفجارا قادما لا محالة.
وتحيل المعطيات السابقة إلى تطور أو محدد آخر يبعد عن مصر شبهة التواطؤ ضد إسرائيل، وهو سد جميع الأنفاق بين رفح الفلسطينية ونظيرتها المصرية خلال السنوات الماضية ووضع بنية تحتية متينة تمنع التهريب بأنواعه المختلفة على الجانبين.
ويثبت هذا العمل أن القاهرة توقعت ما يجري من أحداث في الوقت الراهن وليست بحاجة إلى مجهود كبير للخروج باستنتاجات أو الحصول على معلومات تشير إلى اقتراب انفجار بركان غزة الكامن فوق أراضيها في وجه الاحتلال الإسرائيلي والطريقة التي يمكن أن يتصرف بها الأخير على أمل تجاوز المأزق الذي وقع فيه.
هذا علاوة على ما قام به الجيش المصري من تصفية لجماعات متطرفة تمركزت في سيناء خلال السنوات الماضية، والإعلان عن القضاء على العناصر الإرهابية التي مارست أنواعا عديدة من العنف ضد ضباط وجنود وقضاة ومدنيين في مصر، وكان جزء من الروافد العسكرية التي تمد هذه العناصر يأتي دوما من غزة.
وإذا كانت مصر تريد أن تواجه إسرائيل خيارا أشد قسوة لما أغلقت الأنفاق بإحكام، أو أجهزت على بقايا المتطرفين في سيناء، وهي واحدة من النقاط التي تصب في الدفاع عن الأمن القومي المصري، وتعيد قدرا من الأمن والاستقرار إلى منطقة بها الكثير من التوترات والتماس بين صراعاتها.
ويتذكر مصريون ما قاله الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) في إحدى القمم العربية للرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح عندما طالب الأخير الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بمنحه قطعة أرض في سيناء يجلب لها جنودا من بلاده لخوض حرب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وقال أبوعمار وقتها لصالح ما يعني أن الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى جنود يدافعون عنهم أو أسلحة تعينهم، فقط أعطونا الأموال ونحن نشتري بها السلاح من الإسرائيليين أنفسهم. ويبدو أن مقولة أبوعمار يمكنها أن تفسر الكثير من ألغاز ما ظهر من عتاد بحوزة المقاومة الفلسطينية الأيام الماضية.