منتدى أصيلة يقارب مكانة الغرب وأفريقيا في عالم متغيّر

دعا خبراء مغاربة وأجانب الأنظمة في أفريقيا إلى العمل على بناء شراكة بديلة مع الغرب، من منظور الحقائق والمعطيات الموضوعية والمصالح المتبادلة، وذلك في ثاني ندوات منتدى أصيلة الـ44، حول موضوع “أفريقيا والغرب: الموروث والمأمول”، التي انطلقت مساء الاثنين.

منتدى أصيلة يستشرف المستقبل

الرباط

ناقش المشاركون في الندوة الثانية لمنتدى أصيلة الثقافي الدولي المنعقد في العاصمة المغربية الرباط الآفاق الجديدة أمام القارة الأفريقية والتحديات والرهانات التي تعترضها، في سياق دولي متغيّر يقول محللون إنه سينتج توازنات دولية جديدة.

ويعتقد الأمين العام لمؤسسة “منتدى أصيلة”، ووزير خارجية المغرب الأسبق محمد بن عيسى، في كلمة افتتاح الندوة (مساء الاثنين) أن مرجع أغلبية المخاضات التي تعيشها أغلبية دول القارة السمراء هو مسألة الماضي وتقييم المستقبل، انطلاقا من الهيمنة التي تمارسها دول غربية على أغلبية دول أفريقيا.

وأضاف بن عيسى “نحن نعيش اليوم على رؤى جديدة لأفريقيا والغرب، ونشاهد توجهات سياسية تمس باستقرار القارة وشعوبها، وتنذر بتصدعات كبيرة في الحكم والثروات، حيث تتعرض القارة الأفريقية لسباق بين قوى الشرق والغرب، في ظل حركات إرهابية تهدد سيادة الدول واستقلالها، وتشجع التوجهات الانفصالية، هنا وهناك”.

وفي المقابل، يرى المدير التنفيذي لمعهد المستقبل الأفريقي في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا أليون صال أنه لا بد من الإقرار بأن تركيبة العالم الغربي تغيرت نوعيا في مرحلة تشهد تعطل المشروع الاندماجي الأوروبي، وعودة الحرب إلى القارة، وانعكاس الأزمات الاقتصادية والمالية والمناخية والطاقية على البلدان الأوروبية.

ويضيف صال أن الولايات المتحدة تعرف تحولات مماثلة، تظهر بوضوح على طبيعة المسار السياسي والانتخابي، ومحددات الحراك الاجتماعي، في الوقت الذي شهدت فيه أفريقيا تحولات نوعية كبرى، إذ لم تعد طرفا هامشيا تابعا للغرب، بل أصبحت تتلمس حاليا طرق التنمية المستقلة والاستقرار السياسي والبناء الإقليمي، بما يقتضي منها الإحجام عن استنساخ النموذج الغريب في الحكم والتنمية، ومن ثم العمل على بناء شراكة بديلة مع الغرب.

وفي مداخلته أشار رئيس الجامعة المفتوحة بالداخلة ورئيس منتدى الجمعيات الأفريقية للذكاء الاقتصادي إدريس الكراوي إلى أن الإشكالية التي تعالجها هذه الندوة هي في الآن نفسه تتعلق بقضية راهنة وجيواستراتيجية مهمة، تتمثل في مكانة الغرب وأفريقيا في هذا العالم الجديد.

فالنموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقيمي الذي بنى عليه الغرب حضارته قد بلغ مداه، في تقدير الكراوي، وهذا ما جعله يفقد مكانته على كافة الأصعدة: ثقافيا واقتصاديا ومجتمعيا وديمغرافيا، لأن الانحسار الاقتصادي والمجتمعي والأزمة البنيوية التي حلت بالنموذج الغربي المتعلق بالديمقراطية كلها عناصر عجلت بسحب البساط من تحت أقدام الغرب، فلم يعد مرجعا اليوم، لا من الناحية الأيديولوجية ولا الثقافية ولا الحضارية.

ولا يمكن إغفال دور القارة الأفريقية، الذي يمكن أن تلعبه القارة، كما يرى رئيس منتدى الجمعيات الأفريقية للذكاء الاقتصادي، في المجالات الحيوية المرتبطة بالسيادة الغذائية والمائية والدوائية وتلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي، وبتثمين الرأسمال اللامادي الذي تزخر به القارة كما ونوعا، مؤكدا أن هذا يعني أن أفريقيا تتوفر، اليوم في ظل العالم الجديد، على ميزات مقارنة تنافسية وإستراتيجية تؤهلها لتلعب مستقبلا أدوارا طلائعية، في ظل التدهور المتنامي لقوة الغرب.

وتوافق المتدخلون والخبراء على أن تصبح أفريقيا للأفارقة، بوصفها قارة المستقبل، على اعتبار أن الإمساك بزمام الأمور من طرف أبناء القارة سيمكن من الاعتماد على العقول والسواعد الأفريقية، وسيفرز، ربما، “شكلا جديدا لقارة متحررة من كافة أشكال الوصاية، وتستطيع أن تخاطب الغرب بخطاب المصلحة”، بدل أن تبقى محط أطماع لهذا الغرب.

وفي مداخلته أكد نائب رئيس الجمعية الوطنية بالسنغال ووزير خارجيتها الأسبق الشيخ تيديان غاديو أن الغرب طالما نهج أحادية قطبية ذات ادعاء عالمي، من خلال اتخاذ قرارات يطبعها قوة الواقع، معتبرا أن الغرب، وخاصة أوروبا، فقد قوته، وأن أفريقيا عانت من الخضوع والقبول بالنماذج الغربية كما هي، داعيا إلى وضع نماذج جديدة داخلية تتوافق مع الواقع الأفريقي وتطلعاته.

ومشكلة علاقة أفريقيا والغرب تمثل عملا استباقيا لانشغالات البلدان المنتمية إلى القارة، خصوصا وأنه يعكس تاريخا معينا، بمكتسبات قليلة بالنسبة للأفارقة، فيما رأت وراكي تالا ديارا، نائبة رئيس المجلس الانتقالي بمالي وزيرة العمل والوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة والعلاقات مع المؤسسات سابقا، أن “الغرب هنا مجرد فكرة فقط، لكن أفريقيا قارة، بمعنى أن الغرب ليس سوى تصور تم توسيعه وتعميمه”.

وأضافت تالا ديارا أن “ما يقصد بالغرب في العادة هو أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشرقي صارت بلاد العم سام ذات حظوة عالمية، لاسيما في المجال التكنولوجي والعسكري والعلمي”، موضحة أن “الأفارقة منذ ذلك الحين لم تكن لهم يد في صناعة النظام العالمي الجديد”.

وبالعودة إلى الكراوي نجده يعلق على سياقات تطوير تحالفات إستراتيجية جديدة تقودها دول غير غربية صاعدة اقتصاديا وعسكريا كالهند والصين وروسيا وتركيا والمكسيك والبرازيل وكذلك المملكة العربية السعودية والمغرب بالنسبة لأفريقيا، لافتا إلى أن في ظل هذا الوضع العالمي الجديد، فأفريقيا القرن الحادي والعشرين مطالبة بإعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والثقافية والمجتمعية والأمنية والعسكرية.

وفي تدخله اعتبر خطار أبودياب، المستشار والمحلل السياسي ومدير مجلس الجيوبولتكنيك، أنه ليس هناك بعد أي نظام عالمي جديد معلن غير ذلك الذي أُعلن بعد انهيار جدار برلين، فهذه المسميات يتم تداولها وترديدها رغم أن الواقع يبين أن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال هي المسيطرة على الوضع العالمي اليوم، وباقي الأقطاب تخضع لهذه الهيمنة بمستويات مختلفة، واصفا ما يحدث اليوم في العالم بـ”اللا – نظام الإستراتيجي”.

وأكد أبودياب، الذي يشتغل أيضا أستاذا للعلوم السياسية بجامعة باريس ساكلي، أن الصراعات بين أطراف الدول الكبرى المتنافسة تتواجه الآن على الأراضي الأوكرانية، وبما أن أفريقيا هي قارة المستقبل الواعدة، فمن الوارد أن تغدو مسرحا للمواجهات بين القوى العالمية والإستراتيجية.

ويضيف أبودياب أن العالم يشهد مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وأفريقيا في وسط هذه المواجهة، لأنها محط أطماع الاثنين، إذن ينبغي علينا أن نتبنى إستراتيجيات جديدة وألا نستهلك ما يقدم لنا في طبق جاهز، ففي العالم ليس هناك أشرار وأخيار، العالم تحكمه المصالح، ومن ثمّ يجب أن نتحلى بحس موضوعي ونركز على المصالح التي تهمنا وبناء عليها ننسج علاقات مع الغرب.

وإذا كان الكل يؤكد أن للقارة الأفريقية دورا إستراتيجيا مهما جدا، يجب أن تنسلخ بشكل مبدئي وجذري عن التبعية الغربية، التي ما فتئت أن تنخلع عنها العباءة “المزيفة”.

ويوصي الكراوي بضرورة البدء في الانسلاخ عن التبعية الغربية والتخلص من “غربنة” كل مجالات ومناحي الحياة الأفريقية، مشددا على أنه “لبلوغ هذا الهدف فعلى أفريقيا أن تثق في أفريقيا، كما قال العاهل المغربي الملك محمد السادس في إحدى المرات، وعليها أن تعتمد على قواتها الداخلية، وأن تعي بأن هذا المشروع يمر عبر بناء أفريقيا موحدة متضامنة وقوية”.

ويدعو الكراوي الغرب وأفريقيا إلى بناء مصير مشترك، لأن هناك رهانات متقاسمة، لكن على أفريقيا أن تكون واعية تمام الوعي بأن الدخول في هذا التحالف يتطلب توفير ثلاثة شروط رئيسية: بناء جماعي لجيل جديد من التنمية المتبادلة، تحقيق السلم والأمن في الساحل وفي الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية) وفي المغرب من خلال شرعنة دولية لمغربية الصحراء وعلاج مشكلة ليبيا، ثم بناء منطقة كبرى تضم أفريقيا والعالم العربي والغرب.