عملية “طوفان الأقصى” تنهي دور السلطة الفلسطينية

في غمرة الأحداث الدامية التي يشهدها قطاع غزة، منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، بدت السلطة الفلسطينية مهمشة ومجردة من أدوات التأثير، ولا يملك رئيسها محمود عباس سوى ترديد عبارات التنديد والمناشدات.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس

غزة

أظهرت الحرب الجارية بين قطاع غزة وإسرائيل أن السلطة الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس لم تعد تملك أي تأثير وأنها سلطة شكلية تبحث فقط عن مساعدات، في المقابل نجحت حركة حماس من خلال هجومها المفاجئ وغير المسبوق في فرض نفسها الرقم الصعب في المعادلة القائمة.

ومنذ تفجر الأحداث في غزة عقب الهجوم الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل، كان تعاطي الرئيس عباس (أبومازن) وباقي مسؤولي السلطة أقل ما يقال عنه إنه باهت، ولا يرتقي إلى الحد الأدنى مما يفرضه التحدي الماثل.

وأعرب الرئيس الفلسطيني الخميس عن رفضه “قتل المدنيين” من الجانبين، في تصريحات من شأنها أن تزيد من تأجيج الشارع الفلسطيني ضده، حيث أن أبومازن ساوى بذلك بين “الاحتلال” و”المحتل”، متجاهلا أن ما حصل يبقى رد فعل على سنوات من الحصار حولت القطاع إلى “سجن مفتوح”.

وقال عباس خلال لقائه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمّان “نرفض الممارسات التي تتعلق بقتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين لأنها تخالف الأخلاق والدين والقانون الدولي”.

ودعا عباس، وفق بيان للرئاسة، إلى “إطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين”، و”الوقف الفوري للعدوان الشامل على أبناء شعبنا، وتقديم المساعدات الإنسانية الطبية والإغاثية، وتوفير المياه والكهرباء، وفتح ممرات إنسانية عاجلة في قطاع غزة”.

وأطلقت حركة حماس السبت عملية “طوفان الأقصى” التي توغّل خلالها المئات من مقاتليها في مناطق إسرائيلية من البحر والبر والجو، بالتزامن مع إطلاق الآلاف من الصواريخ في اتجاه إسرائيل.

وهاجم عناصر حماس مستوطنات إسرائيلية وقتلوا أشخاصا وأسروا آخرين. واشتبكوا خلال الأيام الماضية مع القوات الإسرائيلية في المناطق التي دخلوا إليها. وترد إسرائيل بقصف عنيف ومكثف على قطاع غزة، يرقى وفق متابعين ونشطاء حقوقيين إلى “حرب إبادة“.

ويرى الباحث المتخصص في الأراضي الفلسطينية كزافييه غينيار أن حماس بهجومها “رسخت مكانتها كالمرجع الرئيسي الفلسطيني القادر على إملاء الأجندة السياسية والعسكرية“.

واعتبر الباحث في معهد نوريا أن الوضع تغيّر “بشكل جذري” عقب الهجوم الذي أوقع 1200 قتيل في إسرائيل، وأكثر من 2700 جريح، بينما ارتفعت حصيلة القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة، ومعظمهم من المدنيين، إلى أكثر من 1200.

وأضاف غينيار “شنت حماس عملية غير مسبوقة، ونجحت لعدة أشهر في إخفاء استعداداتها بالكامل”، موضحا أن هذا الأسلوب لا يشبه “ما شهدناه على مدى عام ونصف العام في الضفة الغربية من اشتباكات محدودة وجماعات مسلحة صغيرة من الصعب فهم محيطها الأيديولوجي ومحيط عملها“.

ويجمع المحللون على أن ما قامت به حماس يتجاوز حتى من حيث تأثيره ما حصل في عام 1973، مشيرين إلى أن هذه الحرب قد تسطر نهاية الرئيس عباس السياسية.

وبدا عباس كمن يحاول أن يوازن في تصريحاته بين حماس وإسرائيل، فيما فضل معظم مسؤولي السلطة الصمت بانتظار مآلات الوضع.

وتراجعت على مر الزمن مكانة السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن اتفاقات أوسلو في عام 1993، والتي كان من المفترض أن تعمل على قيام دولة فلسطينية لا تزال معلّقة حتى اليوم، بسبب تصلب إسرائيلي في المفاوضات، وكذلك بسبب انقسامات فلسطينية وصراعات على النفوذ.

وفي غزة طردت حركة حماس السلطة بالقوة عام 2007.

ويترأس محمود عباس السلطة الفلسطينية منذ أكثر من 18 عاما، وانتهت ولايته في عام 2009 لكنه استمر في المنصب دون إجراء انتخابات تطالب بها الفصائل وشريحة واسعة من الفلسطينيين.

وفي الضفة الغربية حيث مقر السلطة، تراجعت شعبيتها إلى حدّ كبير في السنوات الأخيرة، وتزايد الغضب الشعبي تجاهها.

وقبل اندلاع الحرب ذكر استطلاع رأي، نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في سبتمبر الماضي، أن 62 في المئة من الفلسطينيين يرون أن “السلطة الفلسطينية أصبحت عبئا على الشعب الفلسطيني”، بينما أعرب 58 في المئة عن تأييدهم “العودة إلى المواجهات والانتفاضة المسلحة“.

ويرى غينيار أن السلطة “أصبحت مهمشة”، مشيرا إلى أن “بإمكانها الاستمرار كسلطة شكلية، دون أدنى دور. لكن المشروع السياسي الذي تجسده -التعاون الأمني مع إسرائيل والسيطرة على السكان الفلسطينيين لصالح إسرائيل- تعرّض لضربة قاسية“.

ويرى الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات أن هجوم حركة حماس “يمثّل احتضانا لاتجاه إستراتيجي جديد تماما لها في وقت تتطلع فيه إلى إعادة تأكيد نفسها في طليعة المقاومة الفلسطينية“.

ويضيف “يبدو أن حماس اليوم ألزمت نفسها إلزاما كاملا بالمواجهة المفتوحة. وتخلت عن دورها السابق في حكم غزة والتعايش مع إسرائيل“.

وخرجت مساء الثلاثاء تظاهرة داعمة لقطاع غزة في مدينة رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية، ورفع المشاركون رايات حركة حماس ولافتات مؤيدة لها. وردّدوا هتافات منها “رام الله كلها حماس”، وأخرى تشيد برئيس المكتب السياسي للحركة في غزة يحيى السنوار وقائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، محمد الضيف.

ويرى لوفات أنه منذ طردها من غزة في عام 2007 على يد حماس “ظلت السلطة الفلسطينية هامشية في الأحداث دون أي تأثير بطريقة أو بأخرى“.

ومنذ السبت شهدت الضفة الغربية مواجهات متكررة في مناطق عدة بين إسرائيليين وفلسطينيين، بينما أغلقت إسرائيل طرقا وحواجز رئيسية بين المدن.

وارتفعت حصيلة المواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي أو مستوطنين في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية منذ السبت، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، إلى ما لا يقل عن 27 قتيلًا سقطوا برصاص إسرائيليين، فيما أصيب 130 شخصًا بجروح.

ومنذ مدة تشهد الضفة الغربية، التي تحتلّها إسرائيل منذ عام 1967، تصاعداً في وتيرة أعمال العنف شمل عمليات عسكرية إسرائيلية متكرّرة ضدّ أهداف فلسطينية وتنفيذ فلسطينيين هجمات ضدّ إسرائيليين.

ومع بدء التصعيد الأخير أصدر الرئيس الفلسطيني من رام الله بيانا أكد فيه “حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال”، بينما قال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ الثلاثاء إن “القيادة الفلسطينية تجري اتصالات مكثفة مع كل زعماء العالم لوقف هذه الحرب المدمرة فورا”، وإنها “طالبت بإدخال المواد الغذائية والطبية العاجلة إلى قطاع غزة“.

ويقول المحلل جهاد حرب “لا سيطرة للسلطة الفلسطينية على غزة ولا على مقاتلي حماس ولا تأثير لها على إسرائيل. بالتالي ليس لها أي دور في هذه المرحلة سوى المطالبة بتقديم المساعدات إلى أهالي غزة“.