الجهات الفاعلة المحلية تؤمّن مصالح الصين في الشرق الأوسط

شبكة مصالح تدعم الدبلوماسية الصينية

بكين

قامت الصين خلال العقد الماضي بتطوير علاقاتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط مدعومة بصفقات استثمارية بالمليارات من الدولارات. وتكتسب العلاقات بين دول الخليج والصين قوة، خاصة الاستثمارات في صناعة النفط.

واعتبارا من عام 2021، تجاوز حجم التجارة بين الصين والخليج 200 مليار دولار لأول مرة. وبعد أن تبنت نهجا دبلوماسيا أكثر استباقية في المنطقة مقارنة بالسنوات السابقة، اضطلعت الصين أيضا بدور الوساطة وساعدت في إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، واستضافت المحادثات بينهما في بكين.

ويقول الخبير الاقتصادي سركان كاليسخان في تحليل على موقع مونيتور الشرق الأوسط إن التأثير التراكمي لهذه العلاقات والجوانب المالية المتوسعة لها جعلا الصين تعتمد بشكل متزايد على الأمن الإقليمي.

ويضيف كاليسخان أن الأزمات بين الدول والحروب الأهلية والإرهاب في الشرق الأوسط تجعل من الصعب على الصين الاستثمار هناك. والأهم من ذلك أن الأمن الذي يتعين توفيره للطاقة التي تستوردها الصين من الشرق الأوسط، والتي تعتمد على مثل هذه الواردات، يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي الصيني.

وتعد بكين أكبر مستورد للنفط في العالم بواردات تبلغ 439.2 مليون طن في 2022، أكثر من نصفها من الشرق الأوسط. وبالتالي، يتمتع الخليج بأهمية إستراتيجية هائلة بالنسبة للصين، لكن مدى قدرتها على حماية مصالحها في الشرق الأوسط بناء على الالتزامات المالية والعلاقات الدبلوماسية فقط يظل سؤالا مفتوحا.

وقد قامت الصين ببناء أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في عام 2017، مما يدل على أن أمن طرقها التجارية أمر حيوي.

وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية الصينية تتمتع بموطئ قدم قريب نسبيا من مضيق هرمز ذي الأهمية الإستراتيجية، والذي يمر من خلاله ما يقرب من ثلث النفط الخام المنقول عن طريق البحر كل عام.

ووصفت وزارة الدفاع الأميركية المضيق بأنه “منطقة تركيز” للمسؤولين العسكريين الصينيين. وكانت القاعدة في جيبوتي أول تحرك عسكري جدي للصين في المنطقة.

وأرسلت بكين رسالة مفادها أنها يمكن أن تزيد مجال نفوذها على طريق إمدادات الطاقة من خلال التدريبات العسكرية التي أجرتها في عام 2019 مع روسيا وإيران في خليج عمان. وقد وصفت الصين كلا الدولتين بأنهما حليفتان في سياساتها الإقليمية. وفي عامي 2022 و2023، تكررت نفس التدريبات من قبل القوات البحرية الصينية والروسية والإيرانية.

ويعتقد كاليسخان أنه سيكون من الخطأ رؤية سياسات الصين الأمنية تجاه الشرق الأوسط على مستوى التدريبات العسكرية فقط، إذ إن مصالح بكين المتنامية في المنطقة، وخاصة المالية، لا تمنحها أي خيار سوى إعطاء الأولوية للتطورات العسكرية.

وتهدد التوترات الدبلوماسية بين الدول، فضلا عن الصراعات المسلحة، طرق الطاقة في الصين، إذ إن للتوتر بين دول الخليج العربي وإيران تأثيرا مباشرا على أسعار النفط.

وأبرز مثال على ذلك الأزمات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، والتي أثرت أيضا على العراق. وبالتالي، كان من مصلحة الصين الاقتصادية تحقيق المصالحة بين الرياض وطهران.

ويبرز ضمان أمن الاستثمارات التي تتم ضمن مبادرة الحزام والطريق كقضية حيوية في السياسة الخارجية الصينية تجاه الشرق الأوسط.

وفي عام 2022، ارتفعت حصة مبادرة الحزام والطريق من التجارة مع الشرق الأوسط إلى 23 في المئة مقارنة بـ16 في المئة في العام السابق.

وأفادت التقارير بأن الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط زادت بنسبة 360 في المئة، وزادت التزامات البناء بنسبة 116 في المئة. وكان العراق مستفيدا حاسما من ذلك.

وفي عام 2021، قدمت بكين لبغداد أكثر من 10 مليارات دولار لتمويل محطات النفط والطاقة.

ومع ذلك، لا يزال يتعين تحديد مدى حماية هذه الاستثمارات من خلال العلاقات الدبلوماسية وحدها في الفضاء الجيوسياسي مثل الشرق الأوسط، حيث تشكل القضايا الأمنية مشكلة.

واكتسبت الصين في الواقع حلفاء محليين من خلال إنشاء شبكة أمان إقليمية.

وعلى سبيل المثال، هناك مزاعم بأنها كانت على اتصال وثيق مع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق من خلال فتح المجال في إيران، حليفتها الأكثر أهمية في المنطقة. وهذا يضمن أن استثماراتها في العراق محمية من قبل هذه المجموعات.

وهذا يأخذ بناء القواعد والتدريبات العسكرية إلى مستوى آخر، حيث تتعامل الصين بشكل مباشر مع الجهات الفاعلة المحلية لتأمين استثماراتها وروابطها التجارية.