بايدن يطلق يد نتنياهو للانتقام من حماس

تحالف ضد غزة
على الرغم من القصف الإسرائيلي الذي يدفع قطاع غزة إلى شفا انهيار إنساني، لا يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطا تذكر في الداخل لكبح جماح الرد العسكري الإسرائيلي الانتقامي على هجوم غير مسبوق شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ويبدو أن بايدن أطلق يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الوقت الراهن للمضي قدما في حربه ضد حماس لكن التهديد بشن هجوم بري والذي يواكبه ارتفاع عدد القتلى بين المدنيين قد يجبر الرئيس على إعادة التفكير في هذا النهج.
ومع تعهد بايدن بتقديم دعم راسخ لا يتزحزح لإسرائيل، فإنه لا يواجه سوى اعتراضات متفرقة من الجناح اليساري للحزب الديمقراطي فيما يتعلق بقبوله لحملة الدك الإسرائيلية العنيفة للقطاع الساحلي المكتظ.
ويحظى بايدن بمساعدة كبار الديمقراطيين في السيطرة على أيّ معارضة داخل الحزب سعيا إلى توجيه رسالة وحدة صف في هذا الملف على الرغم من الدعوات التي أطلقها عدد قليل من التقدميين لحمل إسرائيل على التصرف بضبط النفس لتجنب وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين أثناء قتالها لحماس. وتصاعدت الاحتجاجات الدولية بعد التحذير الذي وجهته إسرائيل لأكثر من مليون مدني في مدينة غزة بالتوجه جنوبا خلال 24 ساعة قبل الهجوم الشامل المتوقع.
لكن في واشنطن، يريد حلفاء بايدن تجنب إعطاء الجمهوريين فرصة لاتهامه بتقويض الرد العسكري لإسرائيل حليفة الولايات المتحدة، والذي قد يجعل الأزمة عبئا سياسيا في وقت يسعى فيه لإعادة انتخابه رئيسا بعد أسابيع.
وأظهر الجمهوريون شبه إجماع في دعم أيّ عمل عسكري تقرر إسرائيل القيام به بعد تعرضها لهجوم مباغت وواسع هو الأكثر دموية منذ عشرات السنين. وتخطّى عدد القتلى من الإسرائيليين الألف بكثير وأصيب الآلاف واختطفت حماس العشرات وعادت بهم إلى القطاع ومن بينهم أميركيون.
وأسهمت صور وروايات عمّا قيل إنها فظائع ارتكبها مسلحو حماس في بلدات ومستوطنات إسرائيلية في الهجوم الذي نفذوه السبت الماضي في اقتصار الانتقادات الموجهة لإسرائيل ونهج بايدن على شريحة محدودة نسبيا من اليسار الأميركي.
لكن مع تجاوز عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة ألفي قتيل وإصابة الآلاف وفي ظل الاستعدادات الجارية لاجتياح بري وتعهد القادة الإسرائيليين بالقضاء على حماس، فإن هذه الأصوات قد ترتفع بسهولة في الأيام المقبلة. وبينما ينتقد زعماء ديمقراطيون حماس ويتعهدون بدعم إسرائيل، أطلق بعضهم بالفعل رسائل تذكيرية مصاغة بعناية بضرورة التزام إسرائيل بقوانين الحرب.
وقال جريجوري ميكس العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب “سنقف إلى جانب إسرائيل ونتأكد من أننا ندافع عنها ونمنحها ما تحتاج إليه للدفاع عن نفسها". لكنه أضاف أنه مع استخدام المسلحين للفلسطينيين العاديين كدروع بشرية "علينا أن نضع هؤلاء الفلسطينيين وسلامتهم وسبل عيشهم في الاعتبار بينما نسحق حماس".
وبالنسبة إلى قطاع كبير من الكونغرس والرأي العام الأميركي فإن تشبيه إسرائيل لهجوم حماس بهجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن كان له صدى واسع النطاق. وأصدرت النائبة رشيدة طليب، وهي الأميركية - الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس، قبل أيام بيانا أثار انتقادات لقولها إنها تحزن على فقدان أرواح الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي رسالة قوية إلى إسرائيل، قالت إن السبيل لإنهاء الأزمة "يجب أن يشمل رفع الحصار وإنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري الذي يخلق الظروف الخانقة والمهينة للإنسانية التي يمكن أن تؤدي إلى المقاومة".
وردا على سؤال حول انتقادات مبكرة لرد إسرائيل من نواب ليبراليين آخرين ساووا هجوم حماس مع تحركات اتخذتها إسرائيل في السابق، نددت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان - بيير بمثل هذه التصريحات ووصفتها بأنها "بغيضة". وقالت للصحافيين يوم الثلاثاء “إدانتنا هي للإرهابيين بشكل مباشر".
لكن الجمعة هاجمت النائبة الأميركية الديمقراطية التقدمية ألكسندريا أوكاسيو – كورتيز إسرائيل بسبب أمر إخلاء غزة ووصفته بأنه "غير مقبول"، قائلة على منصة التواصل الاجتماعي إكس "لا بد أن نوقف هذا". وكانت أوكاسيو - كورتيز قد نددت بهجوم حماس بشدة.
وشهدت أوساط الديمقراطيين لسنوات توترا بين المعتدلين المؤيدين لإسرائيل ومجموعة من التقدميين الذين ينتقدون إسرائيل خاصة بسبب معاملتها للفلسطينيين وتوسيع المستوطنات اليهودية.
وهذا العام، أدت مساعي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة لتنفيذ تعديلات قضائية إلى فتح الباب أمام انتقادات جديدة لإسرائيل حيث اتفق البيت الأبيض والعديد من النواب مع ما ينادي به محتجون في إسرائيل وصفوا الخطوات المقترحة بأنها غير ديمقراطية.
ورغم أن استطلاعات رأي لا تزال تظهر تعاطفا ساحقا مع إسرائيل بين عامة الناس في الولايات المتحدة، فقد وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب في شهر مارس الماضي أن الديمقراطيين يميلون قليلا تجاه الفلسطينيين.
وتعهد بايدن، الذي أعلن أنه سيظل صديقا لإسرائيل مدى الحياة، بتزويدها بكل المساعدة التي تحتاجها. وامتنع حتى الآن عن توجيه أيّ دعوة صريحة لإسرائيل للحد من ردها، وهو نوع من التصريحات اعتاد البيت الأبيض على الإدلاء بها خلال الأزمات السابقة.
واقترب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من مثل هذه المناشدة خلال زيارة إلى إسرائيل الخميس عندما قال إنه يأمل أن تتخذ إسرائيل كدولة ديمقراطية "كل الاحتياطات الممكنة لتجنب إيذاء المدنيين".
ويصر المسؤولون الإسرائيليون على أن قواتهم تحاول تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن مستشاري بايدن ناقشوا مخاوفهم في محادثات خاصة مع نظرائهم الإسرائيليين. وقال المسؤول "ندرك أيضا أنهم عدوانيون وعليهم أن يكونوا عدوانيين في هذه الساعات المبكرة". ومنذ هجوم حماس فرضت إسرائيل حصارا مطبقا على قطاع غزة الذي يسكنه 2.3 مليون نسمة وشنت حملة قصف قوية محت أحياء بأكملها.
وبعد أن أبقى بايدن نفسه على منأى من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني طويل الأمد، وجد نفسه الآن في أتون حريق مستعر في الشرق الأوسط، فهو لا يستطيع أن يتحمّل استعداء الناخبين المؤيدين لإسرائيل قبل انتخابات العام المقبل.
ويعد اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل، بقيادة لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية، قوة رئيسية في السياسة الأميركية وكثيرا ما يدعم نتنياهو وهو ما اضطر بايدن إلى الدخول معه في تحالف ليس مريحا في وقت الحرب.
وفي حين نال دعمه القوي لإسرائيل، أقرب حليف لواشنطن في المنطقة، الثناء في العديد من الأوساط، فقد أثارت الأزمة أيضا انتقادات لعدم تكريسه اهتماما كافيا لمحنة الفلسطينيين الذين يرون آمالهم في إقامة دولة تتلاشى أكثر من أيّ وقت مضى في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
وقال خالد الجندي مستشار المفاوضات الفلسطينية السابق الذي يعمل الآن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن "كانت فلسفتهم التي يسترشدون بها بشأن هذه القضية على مدى السنوات الثلاث الماضية هي القيام بأقل القليل".
ويقول مسؤولون أميركيون إن الوقت غير مناسب لمحاولة استئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المتوقفة منذ فترة طويلة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تعنت الجانبين.
وقال جيريمي بن عامي مدير جماعة "جيه. ستريت" المدافعة عن الحريات إن إدارة بايدن بذلت بعض الجهود لتلبية احتياجات الفلسطينيين في محادثات التطبيع الأخيرة التي توسطت فيها بين إسرائيل والسعودية، لكنها لم تذهب بعيدا بما يكفي. وذكر "لم تكن ثمة رؤية أو خطة أشمل حول كيفية تناول الصراع الرئيسي الذي انفجر الآن بصورة مرعبة غير مسبوقة ولا يمكن التكهن بها".