تعدد المبادرات السودانية لإنهاء الحرب في ظل انكفاء دولي
أحدثت المبادرات التي تقدمت بها قوى مدنية وأهلية بعض الزخم على المشهد الحالي في السودان في ظل انكفاء دولي، ويرى مراقبون أن المبادرات المطروحة تعكس حالة تعاف مجتمعي، وإن كانت تبقى دون تأثير فعلي على الطرفين المتحاربين.
برزت في الفترة الأخيرة عدد من المبادرات التي تقدمت بها قوى مدنية وأهلية سودانية، على أمل كسر الجمود السياسي الحاصل في الأزمة وإنهاء الحرب المندلعة منذ ستة أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع.
يأتي ذلك في ظل تراجع الاهتمام الدولي الذي انحصر مؤخرا في إصدار بعض المواقف الداعية لإنهاء النزاع في السودان، دون أن يكون لتلك المواقف أيّ أثر حقيقي على الطرفين المتحاربين.
ويرى متابعون سودانيون أنه رغم ضعف الرهانات على المبادرات المطروحة، إلا أنها تعكس تعافيا مجتمعيا ورفضا متصاعدا في صفوف السودانيين لاستمرار الحرب العبثية، لافتين إلى أن المبادرات من شأنها أن تشكل عنصر ضغط على الطرفين المتحاربين، اللذين استنزفا دون أن يحقق أحدهما أفضلية كبيرة تتيح له حسم الحرب ميدانيا.
ويعتزم مجلس الإدارات الأهلية طرح مبادرة على كل من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لإنهاء الصراع.
وقال عضو المجلس بشرى الصائم، إن المبادرة سيتم طرحها أيضا على المكونات السياسية وهي تتضمن الوقف الفوري لإطلاق النار والعودة إلى منبر جدة، والتفاوض حول العملية السياسية عبر حوار سوداني – سوداني من دون استثناء.
وتحت شعار “من أجل سودان آمن ومستقر ومزدهر”، أعلنت جامعة الجزيرة عن مبادرة جديدة لحل الأزمة. وقال مدير الجامعة صلاح الدين محمد العربي، في مؤتمر صحفي، إن المبادرة تهدف إلى تحليل أسباب الأزمة ومصادرها وتحديد تأثيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وأضاف أن المبادرة تسعى إلى تقديم مقترحات وحلول علمية وعملية ورسم خارطة طريق لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، وتكون هادية للنخب في وضع الإستراتيجيات والتخطيط السليم لإنفاذها.
وأشار العربي إلى أن المبادرة ستعمل على دراسة عدة محاور لحل الأزمة أبرزها السياسي والأمني والقانوني وأهمها محور السلام.
ومع تعدد المبادرات تبرز تحركات لقوى سياسية من أجل تشكيل جبهة مدنية موسعة، تعمل على إنهاء الصراع.
ومن المنتظر أن تنطلق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا السبت المقبل اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر العام للجبهة المدنية، وسط حديث عن فتح بعض القوى من تحالف الحرية والتغيير مفاوضات مع عدد من الحركات المسلحة بينها حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور للانضمام إلى الجبهة.
وكشف صالح عمار عضو اللجنة التحضيرية لراديو “دبنقا” المحلي أن الهدف من الاجتماعات التي ستنعقد في إثيوبيا التحضير للمؤتمر العام للجبهة المدنية الذي سيجرى بعد فترة قصيرة، وستتطرق الاجتماعات إلى القضية الأساسية المتمثلة في وضع إستراتيجية لوقف الحرب وإحلال السلام.
ومن المتوقع مشاركة ستين ممثلا وممثلة للقوى المدنية والسياسية في الاجتماعات من بينهم ممثلون عن قوى المجتمع المدني ولجان المقاومة وتحالف الحرية والتغيير وتنظيمات المهنيين وكيانات ولائية، إلى جانب مشاركة شخصيات لها وجود كبير في الساحة السودانية وممثلين للمجتمع الدولي والإقليمي.
وقال عمار إن اختيار يوم 21 أكتوبر لعقد الاجتماعات التحضيرية لم يكن اعتباطيا وإنما جاء لرمزيته المعروفة للسودانيين حيث يتزامن مع هزيمة نظام شمولي.
واعتبر أن الاجتماعات المنتظرة ستشكل نقطة انطلاق جديدة للقوى المدنية نحو إعادة تأسيس الدولة السودانية لما يحقق العدالة والشمول للسودانيين.
وكانت هيئة التنسيق والاتصال للجبهة المدنية لوقف الحرب عقدت اجتماعاً في العاصمة الإثيوبية في سبتمبر الماضي أعلنت من خلاله عن تشكيل لجنة تحضيرية تمهيداً لعقد مؤتمر موسع تنبثق عنه جبهة مدنية عريضة.
ويرى مراقبون أن الحراك الجاري في السودان من شأنه أن يفتح كوة في الأزمة السودانية، لكن فرص نجاحه تبقى ضئيلة، طالما أنه لا تتوفر إرادة لوقف القتال لدى الطرفين، فضلا عن استمرار تحريض فلول النظام السابق، التي لن تقبل بأن تستعيد القوى المدنية توازنها، وأن تعيد إليها زمام المبادرة.
وقال خالد عمر يوسف، القيادي في قوى الحرية والتغيير، إن “تكوين الجبهة المدنية لوقف الحرب هدف إستراتيجي وذو أولوية، ومن دونه لا نستطيع أن نصل إلى تحقيق أجندة ثورة ديسمبر وشعاراتها”.
وأوضح يوسف في مؤتمر صحفي عبر منصة زوم أن المطلب الأساسي منذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب يتمثل في وحدة القوة المدنية، لافتا إلى أن عناصر النظام البائد هدفها ليس العودة إلى السلطة فحسب بل تصفية أجندة الثورة كلياً.
وأشار إلى أن إعلام النظام البائد كان مرتبا جدا نحو تصفية قوى الثورة وأهدافها ومحو أجندة التحول الديمقراطي بغض النظر عن إفرازات الحرب، ولفت إلى أن القوى الديمقراطية منقسمة ولم تستطيع أن تعمل بصورة منسقة، للتصدي لهذه الحملة.
وقال إن هذه الحرب تشكل التحدي الحقيقي لوحدة السودان لأن الطرفين المتقاتلين يعتمدان بصورة أساسية على خطاب الجهوية والإثنية على أساس منح الغطاء والمشروعية لحربهما.
وشدّد على أنه دون جبهة مدنية عابرة للتباينات الجهوية والإثنية فإن السودان سوف يتفتت وليس أن يتقسم فحسب، وتابع يبقى عمل ونشاط الجبهة المدنية هو الحفاظ على وحدة السودان.
وقال إن هناك من يعتبرون أن لا حياد في أوقات المعارك، أما مع الجيش أو الدعم السريع، وكأن السودان (حاكورة) للطرفين، مبيناً أنه من الضروري أن تكون هناك رؤي مختلفة، وأن يكون للقوي المدنية موقف مستقل تماماً بعيداً عن موقف الطرفين المتقاتلين.
وأكد على ضرورة أن تميز القوى المدنية نفسها في جبهة قوية ضد الحرب وكل ما ينتج عنها، وأن تكون مع استمرارية أهداف وبرامج ثورة ديسمبر. ولفت إلى أنه دون وجود طرف قوي ومنظم ومستقل عن الطرفين المتقاتلين فإن أجندة القوى المدنية الديمقراطية ستذهب مع الحرب الدائرة.
وفي خضم تحركات القوى المدنية لا تزال أنحاء واسعة في السودان تشهد معارك عنيفة، لاسيما بالقرب من القيادة العامة والمدرعات في منطقة الشجرة بالعاصمة الخرطوم.
وأكد شهود عيان سماع أصوات انفجارات عنيفة جراء القصف المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع ناحية القيادة العامة. ولفت مواطنون من أم درمان إلى تبادل للقصف العنيف من قاعدة كرري العسكرية بين الجيش والدعم السريع.
ويشهد السودان منذ أبريل الماضي نزاعا مسلحا بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى مقتل أكثر من 9000 شخص وفقا لحصيلة لا تأخذ بالاعتبار مجمل أعداد القتلى، وشرد الملايين داخل البلاد وخارجها.
وقالت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) الأربعاء إن عدد الأسر التي تعاني من الجوع تضاعف تقريبا في السودان.
واستناداً إلى توقعات جامعة جونز هوبكنز، ذكر بيان للمنظمة أن “ما لا يقل عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة قد يموتون بحلول نهاية عام 2023 بسبب زيادة انعدام الأمن الغذائي وتعطيل الخدمات الأساسية” منذ بدء الحرب في السودان.