صحف..

سقوط الإعلام الغربي في تغطية حرب غزة (الجزء الثاني)

"أرشيفية"

برلين

كشفت التغطية الغربية عن فشل الإعلام الإقليمي في تقديم صورة دقيقة للأحداث التي تجري في ساحات المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وذلك في الانحياز الواضح في تقارير الأخبار وفي الدعايات، حيث امتلكت ماكينة إعلامية ضخمة هدفت إلى تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام. كما من خلال دفع الأموال لشركات التكنولوجيا التي كانت تنشر صور مفبركة ومركبة عن الأحداث التي تدور، في محاولة إظهار الشعب الفلسطيني بأنه مجرم وقاتل وإرهابي، وهي التي تدافع عن النفس في استراتيجية مدروسة وهادفة للتلاعب على الحقائق وتزييفها.

بالطبع، استفادت السلطات الإسرائيلية من موارد معلوماتية ضخمة، مما أتاح لها القدرة على التأثير على وسائل الإعلام الفلسطينية التي لم تكن قادرة على مواكبة هذه الإمكانيات الكبيرة. وتمكنت السلطات الإسرائيلية من توجيه عملياتها بشكل مباشر من خلال الدفع لشركات التكنولوجيا مثل YouTube وFacebook وInstagram لبث مقاطع فيديو معدلة باستخدام الذكاء الاصطناعي لاستهداف الاطفال، في أوسع حرب معلوماتية ودعائية تقوم بتنفيذها إسرائيل بمساعدة الشركاء الغربيين.

وكذلك نشر الصور المزيفة والمفبركة وفتح الهواء للمحللين السياسيين الإسرائيليين والمتعاطفين معهم. وهو ما لوحظ عند استضافة د. زياد ماجد عبر القنوات الفرنسية، حيث يصبح مدان ومتهم، وكأن الصحافي أصبح قاضيا يحقق معه.

وكذلك كيف تقوم طواقم الصحافة الغربية بالاستماع إلى توجيهات قنواتها ومشرفيها في نقل صورة كاذبة ومشوهة للأحداث، في ما تُرجم بما حصل مع مراسلة (سي ان ان سارة سيدنار) التي كانت في بث مباشر فيما يوجهها المخرج بكيفية التصرّف، لتعود وتصرّح بعدها معتذرة لنشر أخبار كاذبة مؤكدة أنها نقلت على لسان نتنياهو وبايدن، وتتناسى تغريد مجموعة "بي بي سي" التي تغرد الشرطة الاسرائيلية تحاصرنا وتمنعنا من التغطية في مناطق غزة.

ولم تسلم حتى الممثلة الإباحية السابقة ميا خليفة من القمع، وقد مُنعت حساباتها من الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي وفُسخ عقدها في مجلة بلاي بوي الاستعراضية لأنها أيدت القضية الفلسطينية علنًا، إلا أنها لم تأسف بل قالت أن أسفها موجه نحو تعاملها السابق مع مزدوجي المعايير.

وامتد ذلك، إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية العريقة التي خرجت بمانشتها الرئيسي لصور تظهر مأساة الأطفال اليهود ، وهي صور واضحة لأطفال غزة الذين أصيبوا من الضربات الاسرائيلية .

إلى صحيفة " دي وولط  WEIT AS SONNTAG "الالمانية التي خصصت صفحتها الأول لنشر أسماء الإسرائيلين الذين قتلوا خلال عملية طوفان الأقصى، في حين تجاهلت بشكل تام الضحايا الفلسطنيين في قطاع غزة، الذي يشهد عمليات قصف مروعة ضد المدنيين.

ولم يقتصر التضامن الإعلامي على الفبركة والتزيف والكذب بل طال صحافيين من اصول عربية مؤيدين للقضية الفلسطينة بمنعهم من التحدث على المنابر أو فصلهم من القناة بسبب مواقفهم وتعاطفهم مع الشعب الفلسطيني.

لم يقتصر الامر على ذلك، بل وصل التعارض بالوسط الإعلامي الامريكي والغربي إلى التناقض في طروحاته مع الموضوع الفلسطيني لجهة التغطية على جرائم إسرائيل لإبعاد إيران عن الواجهة وايجاد تبرير لها .

مثلا ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال ان التخطيط للعملية طوفان الأقصى تم بإشراف الحرس الثوري في اجتماعات عقدت في بيروت، فيما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول استخبارات أمريكي، وتأكيد من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بأنه لا دليل أو إثبات عن أن الهجوم الذي شنته حماس كان مدعومًأ من إيران.

بعض وسائل الإعلام الأمريكية تراجعت عن مواقف سابقة دعمت حملة الإعلام الإسرائيلي للحملة العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين. بعد أن قدمت بعض هذه الوسائل تبريرًا للعمليات العسكرية من خلال نشر أخبار مضللة تشير إلى أن حماس ارتكبت جرائم ضد الأبرياء، بما في ذلك قتل الأطفال. ومن ثم، بعد التحقق والتحقيق، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه لم تظهر أدلة تثبت هذه الادعاءات.

لكن الإعلام الذي يتعرض للقتل والتصفية الجسدية لايزال مصر على العمل في الميدان والإشهار بالحقائق وإبرازها، لأن مهمة الإعلام هي اظهار الحقيقة للرأي العام والتفتيش على الحقيقة من مكان الحدث، مما جعل الصحافيين في غزة وفلسطين عرضة للموت والقتل والاعتقال، والمنع من نقل واقع الميدان لما ترتكب فيه من أبشع الجرائم. وهو ما حدث مع ضرب الجسم الإعلامي في لبنان واستشهاد مصور وكالة رويترز عصام عبدالله كخبر ابتعدت الوكالات العالمية فيه عن إدانة اسرائيل بل اكتفت بنقل الخبر على أنه حادثة أليمة راح ضحيتها صحافي يقوم بواجبه الإعلامي واصابة آخرين من وكالات اجنبية (مراسلة الجزيرة كارمن جوخدار، مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية كريستين عاصي مراسل رويترز ثائر كاظم ماهر نزيه عبد اللطيف، ايلي زخيا الجزيرة، مراسلة فرانس برس الأمريكي ديلين كولينز).

ولكن يبقى التضامن سيد الموقف وتبقى المهنة الإعلامية العين الساهرة على فضح اعمال اسرائيل البشعة ضد الحجر والبشر. كما يحدث في هجمة السيوف المسنونة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، الذي دفع بفنان الكاريكاتور البرتغالي (فاكسو عارعاكو) لنشر رسم فني في مجلة سابادو البرتغالية بعنوان المحرقة، حيث يتولى نتنياهو وضع تابوت الذي يمثل الشعب الفلسطيني في المحرقة، الأمر الذي أثار عاصفة غضب شعواء على الرسام والمجلة والصورة .

لكن لابد من القول بان الاقلام الحرة والمراسلين الشجعان العرب والاجانب استطاعوا الدخول من جديد الى قلب الرأي العام العالمي، وتصوير الحقائق المخالفة للدعاية الاسرائيلية والأمريكية من خلال أجسادهم وكلماتهم الحرة، مما دفع بالعدو لاستهداف الكاميرات الباحثة عن الحقيقة .

مفهوم الاستراتيجية

تُعرّف الاستراتيجية بأنّها خطّة طويلة الأمد للوصول إلى هدف ما. وتُعِد مهارةً لازمةً لتحقيق النجاح في الحرب، أو السياسة، أو الأعمال، أو الصناعة، أو الرياضة، وغيرها. وتُعرف أيضاً بأنّها الاستخدام الذكي للموارد عن طريق نظام مُعيّن للأعمال في سبيل تحقيق الهدف.

تُشتق كلمة استراتيجية من الكلمة اليونانية (Stratçgos) وهي كلمة مكونة من مقطعين. المقطع الأول منها هو (stratus) ويعني الجيش، والمقطع الثاني هو (ago) ويعني القيادة أو الحركة. كما تُعتبر الاستراتيجية خارطة طريق للمؤسسات حيث تُحدد رؤيتها، ومهمتها، وأهدافها. وعليه فإنّها تهدف إلى زيادة ودعم نقاط قوة المؤسسة وإضعاف نقاط قوة المنافسين، لذا يطلب من الدولة وضع الخطط الإعلامية كخطة مستقبلية بظل الحرب.

وعادة ما تمثل الاستراتيجية نقطة الانطلاق بالنسبة لمبدأ رسم الخطط العسكرية كتنفيذ سياسات معينة للسيطرة، حيث تعود فكرة مصطلح الإستراتيجية إلى زمن ما قبل الميلاد.

لذلك تُعتبر الاستراتيجية الإعلامية بمثابة خطة موضوعية ووصفية يتم استعمالها. كما تمت في الحروب لتحقيق الانتصارات، من أجل الوصول إلى الأهداف الإعلامية المحددة. ويتم بناء هذه الاستراتيجية من خلال التعاون ما بين الوسائل الإعلامية الجماهيرية بكافة أشكالها، وكافة الوسائل الإعلامية والمنظمات الصحفية، التي تساهم في توفير الفرص من أجل تقديم الحريات التعبيرية. بالإضافة إلى قدرتها على نقل المعلومات الإعلامية الشاملة للجمهور المستهدف، بحيث تساعد هذه الاستراتيجية الإعلامية على صناعة واتخاذ القرارات العامة والمتعلقة بالشؤون والمجالات الإعلامية، سواء كانت مرتبطة بالقطاعات العامة أو الخاصة أو الحكومية.

فتكون الاستراتيجية الإعلامية (Media Strategy)هي الخطّة التي تطبقها الشركة من أجل الوصول إلى أهداف تجارية معينة. وتتكون الخطّة الإعلامية من رسالة، وجداول زمنية، ووسائط إعلامية، وأهداف، وفئة ديموغرافية محددة، وميزانية التسويق.

وفي ظل غياب استراتيجية تنسيق فلسطينية لعمليات التغطية الإعلامية، يصبح من الصعب بالفعل على الدبلوماسيين التعامل مع الكم الهائل من المعلومات المزيفة والملفقة. ومع ذلك، تمكن مناصرو القضية الفلسطينية والملتزمون بها من الدفاع عنها بنجاح. وكان السفير حسام زملط في لندن واحدًا من أهم الأمثلة على ذلك، حيث نجح في الرد على صحافي من BBC وعدم اعطائه المجال لاخذ منه إدانة واضحة ضد حركة حماس على الهواء في قلب الاستديو في لندن. وكذلك السفير عبد الحفيظ نوفل في مقابلته مع وسائل الإعلام الروسية، الذي حمل سياسة إسرائيل المتسببة في معاناة الشعب الفلسطيني نتيجة عدم التزامها بالاتفاقيات الدولية، إلى السفيرة السابقة المخضرمة في فرنسا ليلى شهيد التي تمكنت من اجتياز حقول الألغام الاسرائيلي وتفكيكه في الإعلام الفرنسي، والوقوف بوجه البروباغندا الاسرائيلية حتى تراجع مفعول الحملة الإسرائيلية امام نقاشات وطروحات الإعلاميين والمناصرين للقضية الفلسطينية.

الاستراتيجية الإعلامية
تُعد الاستراتيجية الإعلامية أمرًا بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بالعلامة التجارية. فهي تسعى إلى نقل رسالة واضحة للجمهور المستهدف من خلال دمج العوامل الضرورية بشكل صحيح. وعليه، تتضمن الاستراتيجية الإعلامية الصحيحة وضع ميزانية وجهود الشركة بشكل محكم وضبط الأنظمة الأساسية، وذلك للتواصل مع الجمهور المستهدف، وتكييفها بشكل خاص مع التقدم التكنولوجي الحديث.

كما تقوم الاستراتيجية الإعلامية أيضًا بتأطير جميع الموضوعات الإخبارية والمحتوى الصحفي بشكل عام، وتفتح الفرص أمام وسائل الإعلام لزيادة تغطية الأحداث والقضايا المهمة. وهناك العديد من الأساليب الفعالة والتأثيرية لتطوير الاستراتيجية الإعلامية، التي تسهم في تقديم التوجيهات الاستهلاكية للمؤسسات الإعلامية، بهدف تحقيق أثر إعلامي قوي ومنظم. لذلك، من الواضح  أن غياب استراتيجية التنسيق الفلسطينية لعمليات التغطية الإعلامية يمكن أن يساهم في تسهيل سيطرة العدو الإسرائيلي على الرأي العام. ونظرًا لأهمية الحرب المعلوماتية الحالية في توجيه وتشكيل الآراء العالمية وتوجيه مجرى الأحداث، يجب على الجانب الفلسطيني العمل على بناء استراتيجية إعلامية جديدة لمواجهة هذا التحدي والتواصل بنجاح مع الرأي العام العالمي من أجل دعم قضية الشعب الفلسطيني المشروعة ومطالبهم المحقة.