النفوذ الروسي في سوريا يحاصر أردوغان

موقف تركي ضعيف أمام الدب الروسي

أنقرة

 سدت روسيا الطريق على الشعارات التي بات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يطلقها للتعبير عن غضبه على القصف العنيف الذي تشنّه قوات النظام السوري مدعومة بغطاء جوي روسي ضد محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وباتت التصريحات النارية التي يطلقها بمثابة تبرئة ذمة ومجاراة للتحولات المتسارعة على الأرض.

وتسبب المعارك، التي يخوضها تحالف دمشق وموسكو وميليشيات إيرانية ضد مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة إحراجاً حقيقيا لأردوغان، كما تربك السياسة الخارجية التي تنتهجها أنقرة في سوريا وفي ملف النزاع في البحر المتوسط أو كذلك في ليبيا.

وباتت تركيا في موقف ضعيف أمام روسيا بسبب ما يربط البلدين من علاقات اقتصادية متقدّمة وحيوية بالنسبة إلى أنقرة، خاصة أن مرور أنبوب الغاز الروسي عبر الأراضي التركية كطريق لوصوله إلى أوروبا جعل من تركيا بلدا مرتهنا لهذا التحول الجيواستراتيجي.

ولم يستبعد مراقبون أن تكون انتقادات أردوغان لموسكو وحديثه عن موت عمليتي أستانة وسوتشي مجرد توزيع أدوار يتشارك في لعبها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأن لهجة الحزم في الإشارة إلى روسيا مباشرة بعد أن كانت الانتقادات توجه إلى دمشق والميليشيات التابعة لإيران، تهدف إلى تهدئة الفصائل السورية القريبة من أنقرة والتي يعمل بعضها على إرسال الآلاف من مقاتليها نحو ليبيا لدعم الجهد التركي العسكري في دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في طرابلس.

ويعتقد متخصصون في الشؤون التركية أن أردوغان، الذي سبق له أن قبل بالضغط على المعارضة للانسحاب من مناطق استراتيجية وتسليمها للقوات الروسية، لاسيما حلب، لن يتردد في تسليم مناطق جديدة مقابل صفقة ما قد تطال سيطرة تركيا على مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا.

ويضيف هؤلاء أن أردوغان لا يملك ترف فتح معركة مع موسكو حول الشأن السوري في وقت باتت فيه أولوية تركيا الأمنية تتركز على “الخطر الكردي”، خصوصا أن الاجتماع الأمني الذي ضم مؤخرا رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك ورئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان بدأ يحضّر لمرحلة سيكون فيها الجيش التركي وجيش النظام في سوريا على تماس مباشر إذا ما تمت لدمشق السيطرة على إدلب، بما يعني أن أنقرة بدأت تعبّر عن استعدادها للتخلي عن إدلب مقابل ضمانات تقدمها دمشق وموسكو بشلّ قدرات الأكراد على تشكيل تهديد ضد تركيا.

وترى مصادر دبلوماسية عربية أن أردوغان ليس جديا في الدخول في مواجهة مع روسيا في وقت تعاني فيه بلاده من شبه عزلة بسبب الموقف الأوروبي الأميركي الرافض للدور التركي في ليبيا، وكذلك للتحركات التركية المهددة لعمليات التنقيب التي تقوم بها دول عديدة في البحر المتوسط، لاسيما قبرص واليونان.

وتحتاج تركيا لتضامن روسيا ووقوفها إلى جانبها في المعركة التي تخاض ضد الأوروبيين لتعزيز حصتها من الهيدركاربونات في شرق المتوسط، لاسيما وأن موسكو أعربت عن استعدادها لتقديم الدعم، خصوصا وأن لروسيا مصلحة في الدفاع عن مصالحها داخل سوق الغاز في العالم وإرباك الاكتشافات الجديدة في شرق البحر المتوسط.

وفيما كان أردوغان يعوّل على رمادية الموقف الأميركي من سياسة تركيا في ليبيا، إلا أن ما صدر عن مؤتمر برلين الأخير بشأن هذا البلد كشف عن مزاج غربي باتجاه حل دولي للنزاع الليبي تكون فيه تركيا أحد أطرافه ولا تكون فيه الطرف الرئيسي الأقوى. وقد عبر اللغط الذي دار حول الاتصال الهاتفي بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، عن خلاف واضح بين أنقرة وواشنطن حول الشأن الليبي.

وفيما أكد البيت الأبيض على “الحاجة إلى القضاء على التدخل الأجنبي والحفاظ على وقف إطلاق النار في ليبيا” قال أردوغان إن الاتصال كان للمجاملة في أعقاب الزلزال الذي ضرب شرق تركيا نهاية الأسبوع الماضي.

وكشف البيت الأبيض، الثلاثاء، عن تفاصيل المكالمة بين ترامب وأردوغان، مشيراً إلى أن الزعيمين ناقشا مجموعة واسعة من القضايا المثيرة للجدل التي تزعج حليفي الناتو.

بالمقابل أصدر مكتب أردوغان قراءته الخاصة للمكالمة، مؤكدا أنها كانت تتعلق بالزلزال الذي ضرب شرق تركيا.

وقلّل البيان التركي من شأن القضايا الجيوسياسية التي قال البيت الأبيض إن ترامب أثارها، انطلاقا من الوضع في ليبيا مرورا بالتوترات في شرق البحر المتوسط وصولا ​​إلى سوريا.