حزب "الطنطاوي" يهدد احتكار الحركة المدنية للمعارضة في مصر
طرح المعارض المصري أحمد الطنطاوي تحديا جديدا بعد إخفاقه في تجاوز العتبة القانونية للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، ويتمثل هذا التحدي في تأسيس حزب جديد، لكن الأمر لا يبدو هينا في ظل التعقيدات القانونية التي قد تستغلها دوائر في السلطة للحيلولة دونه.
يترقب المشهد السياسي في مصر تغيرات على المستوى الحزبي بعد إعلان المعارض أحمد الطنطاوي نيته تشكيل حزب سياسي يتألف ممن دعموا فكرة ترشحه لانتخابات الرئاسة.
وطرح الطنطاوي، الخميس، استفتاء إلكترونيا لقياس رأي الناس في هوية الحزب ومدى الاستجابة للانضمام إليه، وهل يمكن الإعلان عنه حاليا أم يفضّل الانتظار لما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟
وتعتقد دوائر سياسية أن تأسيس الطنطاوي لحزب سياسي يتناغم مع تطلعات شريحة من المواطنين الغاضبين من أداء الرئيس عبدالفتاح السيسي والحكومة، وهو اتجاه يحمل بعدين، أحدهما يمثل خطورة على مستقبل الحركة المدنية كتكتل سياسي معارض، والآخر يمهد لتفكيك الجمود الذي يعتري الحياة السياسية وقد يمنحها قدرا من الزخم.
ونجح الطنطاوي مؤخرا في تحقيق شعبية كمرشح محتمل لانتخابات الرئاسة المقرر لها في ديسمبر المقبل، لكنه أخفق في جمع التوكيلات المطلوبة للترشح بشكل رسمي، متهما دوائر حكومية بالتضييق عليه لإخراجه من المنافسة عمدا.
وأصبحت لدى المعارض الشاب قاعدة شعبية في بعض المحافظات المصرية، بعد أن ركز خطابه على مشاكل يعاني منها الناس، خاصة الفئات الشبابية، ورأى فيه البعض فرصة للتغيير، ولديه جرأة للدخول في صدام مع السلطة وتوصيل صوت الشارع إليها.
ومن شأن إنشاء حزب جديد يرأسه الطنطاوي التأثير سلبا على تماسك المعارضة التي تعاني من تشققات جعلتها بلا شعبية تُمكّنها من الانتشار، وتعيش فترة عصيبة من الخلافات حول الرؤى والمواقف السياسية وأخفقت في الاتفاق على مرشح رئاسي بعينه.
وعلى الرغم من ترشح رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران المنتمي إلى الحركة المدنية، إلا أنه يعاني من غياب الدعم له من أغلب أحزاب الحركة، وهناك من يراه ترشح لتبييض وجه السلطة.
ولدى الطنطاوي موقف مناهض لتوجهات الحركة المدنية، ما يعكس صعوبة التعاون بينهما الفترة المقبلة إذا نجح في تأسيس حزبه السياسي، فهو يراها تعيش حالة من التشرذم والتضارب في التوجهات.
وقال الرئيس الشرفي لحزب الكرامة المعارض محمد سامي لـ”العرب”، وهو الحزب الذي رأسه الطنطاوي قبل استقالته منه، إن وجود حزب سياسي برئاسة الطنطاوي لن يؤثر سلبا على الحركة المدنية، لأنها تضم طيفا واسعا من الأحزاب وذات رؤى وأفكار سياسية معتبرة، وأي حزب معارض جديد هو إضافة إلى الحياة السياسية.
ويرى مراقبون صعوبة في نجاح الطنطاوي في تأسيس حزب قوي إلا بإرادة سياسية من دوائر قريبة من النظام المصري وموافقة صريحة أو ضمنية منه، لأن إنشاء حزب يتطلب إجراءات قانونية بينها الحصول على توقيع خمسة آلاف عضو من المؤسسين وتوثيق توقيعاتهم رسميا، وهي نفس الأزمة التي خرج بسببها الطنطاوي من السباق الرئاسي بسبب التضييق عليه في عملية جمع توكيلات دعمه مرشحا.
وهناك أكثر من مئة حزب في مصر وجودها الفاعل شبه معدوم، ومنها من لا يستطيع الناس في الشارع تذكر اسمه، حيث شهدت الفترة التالية لثورة يناير 2011 موجة من تأسيس الأحزاب، بعضها ليست له برامج سياسية واضحة.
ويروج معارضو الطنطاوي إلى أن خطابه السياسي وبرنامجه بهما ميل نسبي إلى خطاب جماعة الإخوان أو على الأقل التعاطف معها سياسيا، فقد طرح رؤية للتصالح معها ومعاملتها كفصيل ديني، وأن إقصاء أعضائها من المشهد يتناقض مع الدستور.
ويشير المراقبون إلى أن التضييق على الطنطاوي في تشكيل حزب أمر غير مستبعد، لأن الأسباب التي دفعت بعض الدوائر الرسمية إلى إبعاده عن المنافسة في انتخابات الرئاسة لا تزال قائمة، ورئاسته لحزب معارض قد يفتح الباب أمام عناصر الإخوان للانضمام إليه وتكوين تنظيم يسعى إلى تجييش الرأي العام ضد النظام الحاكم.
وأكد محمد سامي لـ”العرب” أن العبرة في تسريع وتيرة إنشاء حزب معارض جديد ترتبط بالصدى الذي سوف يحققه في الشارع، والأفكار التي يتأسس عليها، ويثبت أنه جاد في التجاوب مع تطلعات الناس، لأن شريحة كبيرة منهم تبحث عن كيان يمثلها حقيقة، والمهم أن يقدم هذا الحزب تصورات مبتكرة للحياة السياسية في مصر.
وفسرت دوائر إعلامية وسياسية قريبة من السلطة التضييق على الطنطاوي بأنه ليس موجها إلى شخصه، لكن إلى الفريق المعادي للنظام الذي يقف خلفه ويدعمه (أي الإخوان) بدليل أن هناك الكثير من الشخصيات والأحزاب المعارضة في البلاد تتحرك بأريحية وتناكف السلطة وتضغط عليها أحيانا لأجل الاستجابة لمطالب وطنية بحتة. ولا يقتنع الكثير من الشباب بهذه التفسيرات، حيث يرون في الطنطاوي أملا في تغيير الأوضاع وتحريك المياه السياسية الراكدة، لكن هناك شريحة أخرى دعمته كمرشح محتمل للرئاسة وترى أنه من الخطأ أن تغامر وتنخرط في كيانه التنظيمي.
وترى بعض الأصوات الداعمة لحتمية وجود أحزاب قوية وفاعلة أن النظام المصري سوف يسيء التقدير إذا وقف في طريق مشروع الطنطاوي لإنشاء كيان سياسي، لأن الأجواء العامة في البلاد تحتاج إلى مواءمات وتوازنات، وليس منطقيا استمرار الاصطفاف خلف السلطة من دون وجود كيان يعبر عن وجهة نظر أخرى، وهو الأمر الذي يعزز من مصداقية السلطة وليس العكس.
وأشار محمد سامي إلى أنه من غير المتوقع أن يواجه الطنطاوي ممانعات من أي جهة بالدولة لإنشاء حزب سياسي، طالما أنه ملتزم بالدستور والقانون، فهناك العشرات من الأحزاب تعمل بلا ضغوط، ومنها أحزاب معارضة شاركت في الحوار الوطني.
ويقول بعض منتقديه إن ما يؤاخذ على الطنطاوي أنه طرح إنشاء حزبه الجديد في توقيت بالغ الخطورة، فقد جاءت الخطوة في خضم تصاعد التحديات العسكرية التي تواجهها مصر عقب اندلاع الحرب على غزة، وضرورة أن تلتف القوى الحزبية والسياسية خلف النظام المصري، وتجنب أي تحرك يمكن أن يتسبب في شق الصف الوطني أو يُحدث ثغرة في جداره يستثمرها خصوم الدولة في تحقيق مآرب أمنية أو سياسية، وهو موقف قابل للنقاش.