حرب غزة ترأب الصدع بين الأزهر والحكومة المصرية

شيخ الأزهر يستثمر في الثوابت

القاهرة

حازت مؤسسة الأزهر تأييدا من أوساط سياسية وشعبية مصرية وعربية بسبب موقفها الصارم المؤيد للقضية الفلسطينية، وتناغم خطابها منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة مع الموقف المصري الرسمي، ودعم الأزهر للمقاومة المسلحة التي تواجه من وصفهم بـ”العدو المغتصب الذي لا يجب اعتباره مدنيا”.

وأشّر الاتصال الهاتفي الذي تلقاه شيخ الأزهر أحمد الطيب من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، على وجود توجه لدى الأزهر في الخروج من بوتقة الانحصار في كيان ديني إلى تقديم نفسه كذراع سياسية وتوظيف الحرب في محاولات تحقيق مكاسب ربما تعزز نفوذه على الصعيد الخارجي.

وأعرب هنية للطيب عن تقديره لموقف الأزهر من العدوان الإسرائيلي واستعرض معه الوضع الميداني في غزة وجرائم الاحتلال التي يرتكبها ضد المدنيين العزّل.

وسهّلت النبرة الحادة للأزهر في خطابه منذ الحرب الإسرائيلية على غزة مهمة خروجه من النمط الديني التقليدي إلى السياسي، في محاولة لتوسيع هامش الحركة، مستثمرا رصيده الذي يحظى به إسلاميا، وهو تحرك لا تعارضه القاهرة وتراه داعما لها.

واعتاد الأزهر أن يتخذ موقفا يختلف عن موقف النظام في بعض القضايا المرتبطة بالنواحي المجتمعية متمسكا بالتراث الفقهي، ولم يكن يستوعب حدود العلاقة مع السلطة، لكن في القضية الفلسطينية بدا منحازا إلى التوجه المصري الرسمي.

وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن الضغوط التي تُمارس على مصر لتليين مواقفها من الحرب على غزة استدعت المزيد من الاعتماد على الأزهر لتجييش الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي خلف القاهرة التي لا تزال تتمسك بعدم تهجير أهالي غزة إلى سيناء وعدم تصفية القضية الفلسطينية.

وظهر ذلك في إشادة الأزهر بالفلسطينيين وتحيتهم على صمودهم بالقول “تمسكوا بالبقاء فوق تراب وطنكم مهما كان الثمن والتضحيات، فالأرض عِرض وشرف.. خير لكم أن تموتوا على أرضكم فرسانا وأبطالا وشهداء من أن تتركوها للمستعمرين الغاصبين، وترك أراضيكم يعني موتا لقضيتكم إلى الأبد”.

ويستخدم الأزهر كل أسلحته الرمزية ليثبت أنه قوة سياسية يمكن التعويل عليها، ومن الخطأ أن تعمل دوائر حكومية على إنهاكه وقصقصة أجنحته أو محاولة ترويضه والسحب الدائم من نفوذه وصلاحياته لمجرد أنه يخالف السلطة في بعض تصوراتها.

وأصبحت ساحة مسجد الأزهر نقطة تجمع الآلاف من المتظاهرين في الجمعتين الماضيتين للتعبير عن غضبهم على الاعتداءات الإسرائيلية والهتاف ضد الاحتلال بمشاركة رجال دين، فضلا عن الاعتماد على جريدة “صوت الأزهر” التي تصدر كل أسبوع، لتوصيل رسائل أكثر حدة ودعم موقف السلطة.

وصدرت جريدة “صوت الأزهر” هذا الأسبوع تحت عنوان “لا مسيح في الغرب ليُحيي كل هذه الضمائر الميتة”، مع صور مؤثرة من الاعتداء الإسرائيلي الأخير على الكنيسة الأرثوذوكسية في غزة، واستعراض للسجل التاريخي للاحتلال في استهداف دور العبادة المسيحية داخل الأراضي الفلسطينية.

وحوى المحتوى التحريري لجريدة “صوت الأزهر” الأسبوع الماضي تذكيرا بجرائم إسرائيل تحت عنوان “الهولوكوست الفلسطيني.. فليذكر التاريخ بالعار كل من يدعم هذه الوحشية”، وركز عدد الجريدة على موضوعات مثل: قتل الأطفال، استهداف المدنيين، الإبادة الجماعية، الحرمان من الجنسية، التطهير العرقي، التهجير، الفصل العنصري، قصف الممرات الآمنة، تدمير البنية التحتية، استخدام أسلحة محرمة دوليا.

ويرى مراقبون أن الأزهر نجح في إعادة إحياء دوره على وقع الحرب الدائرة في غزة، مستفيدا من قدرته الفائقة على دغدغة مشاعر فئة كبيرة من المصريين والمسلمين عموما لكونه يوجه خطابا عاما دون أن يقتصر حديثه على شريحة بعينها.

ويعتقد المراقبون أن انحياز الأزهر إلى النظام ودعمه للمقاومة الفلسطينية يبدو مريحا للقاهرة التي تبحث عن دعم واسع لسياساتها المرتبطة بإدارة الأزمة، لأن وجود رأي عام خلف تصوراتها يدعم موقفها في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية.

وقال البرلماني السابق محمد أبوحامد إن “الأزهر يتعامل في القضايا المرتبطة بالأمن القومي كجزء من كيان الدولة وليس كمؤسسة منفصلة، ومن الطبيعي أن يتحرك وفق الخطوط العامة للسياسة الرسمية ولا يغرد خارج السرب”.

وأضاف لـ”العرب” أن “دعم الدولة فرض على الأزهر عندما يرتبط الأمر بالدفاع عن الأمن القومي، فهو لا يزال يتمتع بتأثير في بعض المحافل الدولية، وطالما أن القضية الفلسطينية مرتبطة بثوابت وأبعاد دينية فإن دور الأزهر يظل مهما في مساندة التحركات السياسية من خلال حشد الرأي العام لدعم الثوابت المصرية”.

وظلت أزمة الأزهر مع النظام المصري على مدى سنوات طويلة كامنً في اهتمامه بالدفاع عن قدسيته وحصانته والهجوم على خصومه أكثر من انشغاله بملفات ملحة تشغل بال الدولة، وهناك قضايا غض الطرف عنها خشية اهتزاز صورته العامة، لكنه وجد في حرب غزة فرصة ثمينة لتحسين مواقفه التي اهتزت لدى البعض.

ويبدو أن هناك تصورا لدى قادة الأزهر وشيخه أحمد الطيب حول ضرورة الاستمرار في لعب دور مهم في دعم حضور القاهرة إقليميا بشأن القضية الفلسطينية، وسط تراجع أدوات عديدة كانت تمتلكها، وتراجع تأثير القوة الناعمة الأخرى.

ويظل الموقف الأكثر صرامة من جانب الأزهر رفضه توصيف المستوطنين الإسرائيليين بأنهم “مدنيون”، بل هم “محتلون للأرض، ومغتصبون للحقوق، ومعتدون على المقدسات”، وهو خطاب يحمل لدى بعض المتطرفين ما يشبه الفتوى التي تُبيح استهداف المدنيين الإسرائيليين، من جانب حماس أو غيرها من فصائل المقاومة.

وما يعبر بوضوح عن تناغم بين الأزهر والنظام المصري هو البيان الذي استنكر فيه أحمد الطيب التغطيات الإعلامية الغربية المتعصبة والمنحازة ضد مصر وفلسطين، وهو الموقف ذاته الذي أبدت الخارجية المصرية استياءها منه، ما يُظهر مدى التناغم بين الأزهر والسلطة في القاهرة.

وترتبط تحركات الأزهر لدعم النظام المصري حاليا بمواقف لا تمثل ضغطا داخليا عليه، كما هو الحال بالنسبة إلى قضية ملتهبة مثل تجديد الخطاب الديني ومواجهة التيارات المتطرفة، وبالتالي يمكن أن يخرج الأزهر بمكاسب متباينة.