صندوق الثروة السعودي حقل نفط بديل لتنويع الاقتصاد

تثبت تحركات وتسارع وتيرة تنفيذ برنامج التحول الاقتصادي في السعودية أن الحكومة وضعت مستقبلها في سلة صندوق الثروة السيادي، والذي تعول عليه في قيادة قاطرة النمو على أسس متنوعة ومستدامة للتأقلم مع التحولات حول العالم.

حتى التوظيف هدف آخر للتنمية!

الرياض

سعى صندوق الاستثمارات العامة السعودي لاقتناص فرص ملفتة للأنظار داخليا وخارجيا على مدار السنوات الأخيرة، في سياق خطط إصلاح لتنويع موارد الاقتصاد بعيدا عن النفط وتحويل البلد إلى قوة في مجال الأعمال.

وعبر اجتذاب صفوة لاعبي كرة القدم إلى جانب إطلاق شركة طيران جديدة، ومقهى فاخر يقدم قهوة ومثلجات من لبن الإبل، بات الصندوق المحرك الرئيسي للتحوّل الراهن في أكبر اقتصاد عربي.

وفيما تحضر نخب الاقتصاد العالمي فعاليات “مبادرة مستقبل الاستثمار” في الرياض، وهو تجمع سنوي محوري للتحول الاقتصادي في السعودية، يتابع الخبراء مسيرة التحول التي يقودها الكيان.

وتحوّل الصندوق الذي ظل لعقود في الظل إلى محرك رئيسي لتنفيذ برنامج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الإصلاحي “رؤية 2030″، حيث تكشف استثماراته وجهة اقتصاد البلاد بوضوح.

ومنذ تأسيسه في عام 1971 استمر دوره هامشيا وفي الظل لعقود، ولكن في عام 2015 أعيد تشكيل مجلس إدارته ليكون بقيادة الأمير محمد، في تغيير يعتبره الموقع الرسمي للصندوق “نقلة نوعية” في مسيرته.

ومذاك انطلق الصندوق بقيادة محافظه ياسر الرميان لتوسعة محفظته الاستثمارية لتشمل قطاعات الطيران والدفاع والمركبات والنقل والخدمات اللوجستية والقطاع العقاري والترفيه والرياضة.

وقال المحلل السعودي سليمان العقيلي إنّ الحكومة أرادت أن يكون الصندوق “حقل نفط بديلا”. وأكد لفرانس برس أنّ “القطاع الخاص السعودي هشّ وليس في مستوى الطموح ليدير انتقال المملكة من دولة ريعية إلى دولة إنتاجية”.

وتابع “بالتالي أرادت القيادة السعودية وجود صندوق نشط يؤسس شركات لها عائد. بحيث يغني عن حقول النفط إذا جفت يوما ما”.

ويتفاخر الصندوق، الذي يعد من الأكبر في العالم، بإدارته أصولا بأكثر من 700 مليار دولار، عبر استثمارات في 90 شركة في 13 قطاعا اقتصاديا وبخلق 560 ألف فرصة عمل “مباشرة وغير مباشرة”، حسب الموقع الرسمي للصندوق.

وفي منتصف الطريق لرؤية 2030، يظل الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل مكثف على عائدات النفط، حتى فيما تشير البيانات الرسمية إلى نمو ثابت في عائدات القطاع غير النفطي.

وقال الخبير في معهد دول الخليج العربي في واشنطن روبرت موجيلنيكي إنّه “من السابق لأوانه تقييم مدى فاعلية الصندوق في تنويع الاقتصاد فعليا”.

وفي قطاع الرياضة، اتخذ الصندوق خطوات كبيرة بسرعة مذهلة منذ الاستحواذ على فريق نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم في أكتوبر 2021.

وموّل الصندوق في نهاية العام الماضي صفقة تعاقد نادي النصر مع كريستيانو رونالدو المقدرة بنحو 400 مليون يورو لعامين ونصف العام، وحاول بعدها التعاقد مع بطل العالم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي اختار اللعب في الولايات المتحدة.

وفي مايو الماضي، استحوذ الصندوق على 75 في المئة من أصول أكبر أربعة أندية سعودية، الهلال والنصر في الرياض والاتحاد والأهلي في جدة، ثاني أكبر مدن البلاد، ما تبعه انضمام نحو 40 لاعبا أجنبيا العديد منهم من نجوم الصف الأول إلى هذه الأندية.

وخلال نافذة الانتقالات الصيفية الأخيرة، احتلت الأندية السعودية المركز الثاني عالميا في الإنفاق على اللاعبين الجدد وراء الدوري الإنجليزي، بمبلغ 875.4 مليون دولار.

ويضطلع الصندوق بعملية تكيف اللاعبين الأجانب الكبار مع الحياة في الخليج العربي، على ما أفاد مسؤول في الصندوق، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث للإعلام.

وأوضح “نقوم بكل ما هو غير رياضي، التوقيع، الأمور اللوجستية وتطوير البنى التحتية للأندية”.

وتابع “فرقنا تزور كافة الأندية في أرجاء البلاد لمعرفة ما يحتاجون إليه”، من ملاعب التدريب إلى الصالات الرياضية وغرف الساونا. وأكّد ضاحكا “عليهم (الأندية) فقط أن يلعبوا”.

وبالإضافة إلى كرة القدم، أطلق الصندوق في يونيو الماضي دوري ليف غولف في نهاية 2021 لينافس دوري بي.جي.أي الأميركي، قبل أن يعلن الطرفان الاندماج لينهيا معركة في هذه الرياضة.

ويستثمر الصندوق حصصا كبيرة في شركات عالمية، حيث استثمر نحو 9.8 مليار دولار في شركة صناعة السيارات الكهربائية لوسيد، وحصة بقيمة 3.2 مليار دولار بشركة ألعاب الفيديو أكتيفجن بليزارد، بالإضافة إلى حصة في أوبر للنقل التشاركي.

لكنّ الاستثمارات في السوق المحلية لا تزال تشكّل 77 في المئة من محفظة الصندوق، حسب ما جاء في تقريره السنوي.

وبعض من الاستثمارات المحلية مشاريع عملاقة تعمل على تغيير الصورة العامة من بلد نفطي إلى مركز سياحي وتجاري عالمي.

وتتضمن المشاريع مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ كُلفتها نحو 500 مليار دولار ومشروع ذا لاين، وهو عبارة عن ناطحات سحاب متوازية مغطاة بالمرايا تمتد على مسافة 170 كيلومترا بين التضاريس الجبلية والصحراوية.

وبالإضافة إلى ذلك، أطلق شركة طيران محلية جديدة “أير رياض” بهدف تحويل العاصمة إلى “بوابة للعالم”، ما يثير تنافسا مع مراكز إقليمية للسفر الدوليّ مثل دبي والدوحة.

كما دعم الصندوق مشاريع تلعب على وتر المشاعر القومية والفخر بالمنتجات السعودية في عهد الأمير محمد، بما في ذلك شركة القهوة السعودية ومقهى “نوغ” الفاخر الذي يقدم مشروبات الإسبريسو والمثلجات والعصائر المصنوعة من حليب الإبل السعودي.

وأشار موجيلنيكي إلى أنّ الموارد التي لا مثيل لها لدى الصندوق تعني أنه يجب أن يضع في الاعتبار تأثيره على الأسواق المحلية.

وقال “تقييمي هو أن كيفية دخول صندوق الاستثمارات العامة إلى الأسواق والصناعات المحلية أقل أهمية في نهاية المطاف من كيفية إدارة هذه الكيانات الجديدة ومن ثم كيفية خروج الصندوق”.

وأضاف أنّ “الخطر الأكثر أهمية المرتبط ببعض مبادرات الاستثمار المحلية الأصغر حجماً هو احتمال مزاحمة الجهات الفاعلة في القطاع الخاص”.

وبغض النظر عن المخاوف، ليس هناك شك في أن صندوق الاستثمارات العامة سيستمر في النمو. وخلال الأشهر القليلة الماضية، نقل 8 في المئة من شركة أرامكو العملاقة، درة تاج الاقتصاد السعودي، إلى الصندوق مباشرة أو شركات تابعة له.

وأكد الأمير محمد مرارا أنّه يريد أن يصل حجم أصول الصندوق إلى تريليون دولار بحلول نهاية عام 2025.