استمرار الحكومة الكويتية على المحك مع ظهور أولى الدعوات النيابية لإقالتها
مصير الحكومة الكويتية الحالية لا يبدو مختلفا عن سابقتها في ظل العودة السريعة للمناكفات بينها وبين أعضاء البرلمان، في ظاهرة يراها البعض غير مرتبطة بالضرورة بأدائها ومستوى تعاونها مع السلطة التشريعية، بقدر ما هي انعكاس لصراعات أوسع نطاقا على المناصب السياسية والمواقع الهامة في الدولة.
جاءت أولى التهديدات النيابية للحكومة الكويتية بعدم التعاون معها وسحب الثقة منها، مخالفة لحالة الوفاق النسبي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي تجلّت في التوافق على أجندة تشريعية لدور الانعقاد الجديد لمجلس الأمّة (البرلمان) تتضمن الكثير من البنود المتعلّقة بتحسين ظروف العيش للمواطنين، وذلك مسايرة للنواب الذين وقفوا بقوّة وراء تمرير تلك الأجندة ذات البعد الاجتماعي.
غير أنّ مرونة الحكومة لم تشفع لها، حيث طالب النائب عبدالوهاب العيسى حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح بتقديم استقالتها في أسرع وقت ممكن لتفسح المجال لحكومة جديدة، معلنا عن عدم تعاونه مع رئيس مجلس الوزراء وتأييده طرح الثقة في أي من وزرائه.
وأثار التصعيد النيابي المفاجئ من جديد شبهة ارتباط محاولات خلخلة استقرار الحكومة بصراع أوسع نطاقا على المناصب الوزارية والمواقع القيادية في إدارات الدولة، تنخرط فيه مجموعات مصالح وشخصيات متنفذة ينتمي بعضها إلى الأسرة الحاكمة ومعروفة باستخدامها بعض نواب البرلمان في صراعاتها البينية.
وأصبح استمرار الحكومة الكويتية على المحكّ مع تداعي مشاريع استجواب النواب لأعضائها وصولا إلى التلويح بعدم التعاون معها والمطالبة بإقالتها.
وأشاع ذلك حالة من الشكّ وعدم اليقين في المشهد السياسي الكويتي، عمّقتها حالة عدم الاستقرار الإقليمي بما لذلك من تداعيات اقتصادية ومالية محتملة على الكويت المعتمدة بشكل كبير على عوائد النفط.
واستند العيسى في مطالبته الحكومة بالاستقالة إلى انتقادات كان وجهها ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح خلال افتتاحه الأسبوع الماضي للدورة البرلمانية الجديدة للأداء الحكومي.
لكن النائب قفز على انتقادات أشدّ كان ولي العهد قد وجهّها لنواب البرلمان مطالبا إياهم بترشيد ممارساتهم النيابية والابتعاد عن الشعبوية في مطالبهم والحفاظ على قدر من الوفاق بين السلطتين والابتعاد عن الاستخدام المفرط للاستجوابات.
واعتبر العيسى أن خطاب ولي العهد سحب الثقة من الحكومة الحالية ورفع الغطاء السياسي والشرعي عنها وجعلها في نظره حكومة ساقطة سياسيا.
وكان الشيخ مشعل دعا النواب في خطابه أمام البرلمان إلى “ترك صغائر المسائل والأمور التي لا تشكل اهتمام المواطنين، والبعد عن توجيه الأسئلة البرلمانية، التي تحتاج الإجابة عنها إلى فصل تشريعي كامل”، وحذّرهم من “تقديم مشاريع واقتراحات ومطالب بحجة أن المواطنين هم من يريدونها، وهم منها براء، وعدم اتخاذ الاستجواب كسلاح ضغط وتهديد، وعدم تأجيج الشارع والرأي العام بمسائل وأمور جانبية وهامشية معروفة سلفا عدم مصداقيتها”.
كما انتقد أداء الحكومة، مشيرا إلى أنه لا يختلف كثيرا عن المشهد النيابي، ولم يحقق أو يلامس طموحات المواطنين وتطلعاتهم، بالرغم من دعمها من قبل القيادة السياسية، لافتا إلى أنّ صفة عملها التردد في اتخاذ القرارات والبطء في التنفيذ.
وطلب من أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية “فتح صفحة جديدة، أساسها التعاون والتفاهم والتشاور، وقوامها البعد عن التعصب والتناحر والمصالح الشخصية، ورائدها البعد عن الممارسات الخاطئة كافة التي تهدد الوحدة الوطنية”.
وتفاديا لمحذور الإقالة لجأت الحكومة الكويتية إلى المرونة في التعامل مع نواب البرلمان وهو ما تجلى في استبعاد وزيرة الأشغال العامة أماني بوقماز عشية افتتاح الدورة البرلمانية بعد أن كانت مهدّدة باستجوابين نيابيين، لكن متابعين للشأن الكويتي قالوا إن مرونة الحكومة يمكنها تحقيق تهدئة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكنها ظرفية وقصيرة المدى إذ ستظل هناك إسباب كثيرة للخلاف بينهما.
وفي مظهر آخر على التصعيد النيابي ضدّ الحكومة الكويتية، أعلن النائب متعب الرثعان عن نيته استجواب وزير العدل وزير الدولة لشؤون الإسكان فالح الرقبة.
وكشف أنّ استجوابه المزمع يتضمن أربعة محاور “تتعلق بضرب الوحدة الوطنية وتجاهل الأسئلة البرلمانية وتأخر البنية التحتية في مدينة المطلاع، والمخالفات القانونية والمالية والإدارية الجسيمة في قطاع الاستثمار في أراضي مؤسسة الرعاية السكنية”.
وقال في شرحه لدوافع الاستجواب إنّ “العبث وشرخ الوحدة الوطنية دمار للمجتمعات ولا يمكن القبول به، ولا يمكن بناء دولة بالتزامن مع ضرب النسيج الوطني، خصوصا إن كان عبر مؤسسات الدولة”.
واعتبر أن “ما حصل في وزارة العدل بخصوص تعيين وكلاء النيابة أمر جلل لا يمكن السكوت عنه، ويمثل انعداما واضحا لتكافؤ الفرص”، مناشدا النواب “وقف هذا النهج الخطير الذي بدأ في المناصب القيادية، إذ لا خير في مقعد برلماني يجعلنا شهداء زور وصامتين عن الحق”.
وأُعلن مؤخرا في الكويت عن قبول 105 من المرشحين لشغل وظيفة باحث قانوني مبتدئ سيتم تدريبهم في معهد الكويت للدراسات القضائية قبل مباشرتهم العمل بوظيفة “وكيل نيابة صنف ج”.
وأثار ذلك عاصفة من الأسئلة بشأن المقاييس التي تمّ اعتمادها لقبول هؤلاء دون غيرهم، وذلك في انعكاس للصراعات الكبيرة التي أصبحت تدور في الكويت حول الفوز بالوظائف وشغل المناصب، وخصوصا منها الهامة، والتي تنطوي على قدر من السلطة والنفوذ.
ومن بين أعضاء الحكومة المرشحين للاستجواب من قبل نواب البرلمان وزير التربية عادل المانع ووزيرالنفط سعد البراك، وذلك بحسب ما أوردته صحيفة السياسة الكويتية التي قالت إنّ النائبين عبدالهادي العجمي وبدر النشمي اقتربا من صياغة استجوابهما للمانع، فيما يستعد النائب بدر الملا لاستجواب البراك.
وفي ظلّ هذه الأجواء السياسية المشحونة أصبحت استقالة الحكومة وحلّ البرلمان خيارين واردين بحسب الصحيفة ذاتها التي تحدّثت عن حالة من القلق تسود “أوساط عدد من النواب حيال المشهد السياسي برمّته”.