التغيرات المناخية في صميم انشغالات وزارة الدفاع التونسية

يبدو أنه أصبح هناك وعي جماعي من أطراف السلطة في تونس بمخاطر التغيرات المناخية التي تتفاقم آثارها تدريجيا من سنة إلى أخرى، مع تواصل فترة الجفاف ونقص مخزون المياه في السدود، ما أدى إلى المطالبة بالتدخل العاجل للتخفيف من الانعكاسات السلبية وتجنبها أكثر ما يمكن.

الزراعة قطاع مستهلك للمياه

تونس

باتت تداعيات تغير المناخ من أولويات مكونات السلطة في تونس، حيث أكدت وزارة الدفاع على ضرورة وضع مقاربة شاملة لمواجهة تأثيرات الظاهرة الطبيعية، وسط تحذير المراقبين من انعكاساتها الكارثية.

ويقول مراقبون إن التأقلم مع آثار التغيرات المناخية، على صعوبته، أصبح أمرا مطلوبا أكثر من أي وقت مضى، مع تزايد الدعوات إلى وضع إستراتيجيات مختلفة للحدّ من تداعياتها والاستثمار في مسارات تنموية بديلة.

وتفاقمت أزمة الجفاف والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة والتغيّرات القائمة في طبيعة الفصول في تونس في السنوات الأخيرة. وبدأت آثار الأزمة في الظهور بطرق متفاوتة من دولة إلى أخرى، وتستهدف الصحة والزراعة والحصول على الغذاء والمياه والسكن والعمل.

وتعتبر تونس من بين الدول الأفريقية التي تعاني من آثار التغيرات المناخية وذلك حسب العديد من المؤشرات المقدمة من وزارة الفلاحة التونسية التي تتعلق بدرجة الحرارة المرتفعة بشكل ملحوظ مقارنة ببقية دول العالم، فضلا عن انخفاض التساقطات السنوية ومستوى تعبئة السدود وتوسع مناطق التصحر خاصة في الجنوب وتقلّص الغطاء الغابي بالشمال الغربي نحو الجزائر.

وافتتحت الدورة 41 لمعهد الدفاع الوطني، الخميس، تحت عنوان “نحو مقاربة شاملة لمجابهة تداعيات التغيرات المناخية على أمننا القومي في بعديه الاقتصادي والاجتماعي”، على أن تتوج الدورة بتقديم تقرير ختامي لمقاربة شاملة تعالج الموضوع من كافة جوانبه.

وقال وزير الدفاع الوطني عماد مميش في تصريح صحفي بالمناسبة، إن الوزارة لم تكتف باختيار موضوع الدراسة في إطار معهد الدفاع الوطني لرسم معالم الإستراتيجية، بل كانت سباقة في تنفيذ العديد من المشاريع التي تسمح لها وللدولة التونسية بالتأقلم مع التغيرات المناخية.

ومن بين المشاريع، حسب وزير الدفاع، الشروع في العديد من الوحدات في إنجاز محطات للطاقة الشمسية والطاقة البديلة، وإنجاز مشاريع زراعية تساعد على مقاومة التصحر مثل مشروعي رجيم معتوق والمحدث في الجنوب التونسي، مؤكدا أن “الوزارة تسعى لإرساء تقاليد جيدة في الحفاظ على الطاقة وترشيد استهلاك المياه”.

وشدد مميش على ضرورة أن تتجه الخيارات الوطنية نحو الوسائل التي تمكن البلاد التونسية من مجابهة تأثيرات التغير المناخي في إطار مقاربة شاملة وإستراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والمناخية والزراعية، مع وجوب تسخير كل الإمكانيات المتاحة للحد من المخاطر والتهديدات الناجمة عن التغير المناخي، مشيرا إلى أن من بين هذه الخيارات، ترشيد استهلاك المياه للمحافظة على القدرات المائية للبلاد وعلى المائدة المائية، واختيار الطاقة البديلة والنظيفة كبديل عن الطاقات التقليدية، وحسن استغلال الأراضي الزراعية واختيار زراعات تتماشى مع ما نعيشه اليوم من شح مائي، في ظل أزمات متأتية من العديد من الوضعيات الخارجة عن النطاق الوطني على غرار الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها على سوق الحبوب.

وبين أن البلاد التونسية مطالبة، من خلال كل الكفاءات العسكرية والمدنية، برسم معالم إستراتيجية وطنية شاملة للحد من تداعيات ومخاطر التغير المناخي، مذكرا بأن تونس لا يد لها في هذا الوضع ونسبة مساهمتها فيه محدودة جدا مقارنة بالدول الكبرى، إلا أنها مدعوة إلى بذل مجهود إضافي لمواجهة التحديات التي فرضت عليها.

وقال وزير الدفاع الوطني في كلمة افتتاح الدورة 41 لمعهد الدفاع، إن اختيار موضوع الدورة كان استجابة لطبيعة المرحلة بحكم التحولات المناخية الحاصلة في تونس وفي العالم والتي أصبحت تشغل التونسيين، وما يمكن أن تفرزه من تداعيات أمنية وتهديدات جديدة متعددة الأبعاد، موضحا أن وضع مقاربة شاملة أصبح ضرورة ملحة أمام ما تشكله التغيرات المناخية من تهديد وما لها من تأثيرات سلبية على الأمن القومي للبلاد، موصيا بالتركيز خلال الدورة الدراسية على عدد من النقاط للوصول إلى وضع إستراتيجية وطنية شاملة من شأنها الحد من تأثيرات التغير المناخي خاصة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

وعلى الرغم من التزامات تونس الدولية في مسألة تغير المناخ على غرار اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، إلا أنه لم يتم الاهتمام بمسألة تغير المناخ بالشكل المطلوب، وإدراجها في السياسات الوطنية، أو عبر وضع إستراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيرات الظاهرة.

وأفاد الخبير في مجال البيئة عادل الهنتاتي في تصريح لـ”العرب” أن “بلدان شمال أفريقيا تعيش جملة من الانعكاسات المناخية (جفاف، ارتفاع درجات الحرارة، أمطار غزيرة وفيضانات وثلوج)، وهذه التغيرات أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة أكثر من المعدل العام 16.5 درجة، لكن تونس أصبحت فيها درجة الحرارة بين 23 و24 درجة على امتداد كامل السنة”.

وفسّر الخبير البيئي تزايد درجات الحرارة بـ”ارتفاع درجة حرارة البحر”، لافتا إلى أن “كل مكونات حياة البشر تأثرت وأصبحت غير طبيعية”.

وأضاف الهنتاتي “التغيرات المناخية أصبحت من أولويات الجيش الوطني الذي يضطلع بدور كبير في حماية البلاد والتدخل السريع زمن الكوارث الطبيعية، لأن كلفة الانعكاسات السلبية أصبحت باهظة جدا ولا بد أن يتدخل كل الناس”.

واستطرد قائلا “السلطة اكتشفت أنه لا بد أن نصمد ثم نتأقلم مع تلك التغيرات في مسعى إلى التقليص من الكلفة، كما أن كل الوزارات لها دور كبير في ذلك”.

وتظهر التوقعات المناخية في تونس انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 أي تدنٍّ بـ9 في المئة مقارنة بالقيمة الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي تدن بـ18 في المئة. وسيكون لهذه الانخفاضات تأثير كبير بشكل خاص على النشاط الزراعي، إذ من المتوقع أن ينخفض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة تقريبا، بينما من المحتمل أن تعاني محاصيل الزيتون من انخفاض في مردوديتها بنسبة 32 في المئة، فضلا عن زيادة في تواتر حالات الجفاف وفي شدتها خصوصا في الجنوب التونسي.

وأفاد حسام حمدي رئيس جمعية “تونس الخضراء” أنه “لا بد من وضع مخطط إستراتيجي مع تنسيق بين مختلف الوزارات، حيث كان المناخ يقتصر على اهتمام وزارة البيئة”.

وأضاف لـ”العرب”، “أن تعتبر السلطة التغيرات المناخية مسألة أمن قومي فهذا أمر جيد، وهذا يعكس
وعيا جماعيا منها بخطورة التهديدات”، لافتا إلى أن “المقاربة الشاملة تتطلب خارطة مناخية في تونس مع ضرورة التأقلم معه، مع مراجعة المنوال التنموي”.

وتابع “يمكن التخلي عن بعض الأنشطة الزراعية المستهلكة للماء، كما أن بعض الشركات الاقتصادية مطالبة بالكف عن تلويث بعض المياه”.

ويرجّح متابعون أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة الغذاء والزراعة.