اتحاد الشغل التونسي يضع نقابة التعليم مجددا في الواجهة مع وزارة التربية

عادت نقابة التعليم الثانوي في تونس مجددا إلى حركاتها الاحتجاجية ضدّ وزارة التربية، مطالبة إياها بالكفّ عمّا اعتبرته “مماطلة” في تنفيذ الاتفاقيات، وهو ما يعلن حسب المراقبين تدشين مرحلة جديدة من صراع سياسي بالوكالة بين اتحاد الشغل والحكومة التونسية.

حجْب الأعداد أثّر سلبا على المستويات التعليمية للتلاميذ

تونس

يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، من جديد، إلى مناورة السلطة سياسيا، من خلال المراهنة على احتجاجات نقابات التعليم بعد فترة من التهدئة، في خطوة لإثبات الوجود الهيكلي والسياسي للمنظمة الشغيلة.

ويقول مراقبون إن قيادة الاتحاد في ظلّ تغير الوضع السياسي والتربوي تريد أن تبعث إلى الحكومة رسائل مشفرة، مفادها أنه مازال للمنظمة حضور نقابي و”شعبي”، قادر على تغيير الموازين في المشهد، وليس بذلك الضعف الذي يعتقده البعض.

 ويبدو أن المنظمة استشعرت تراجع نفوذها في البلاد، بعد أن دأبت على لعب أدوار سياسية مهمة في أزمات سابقة على غرار قيادة الحوار الوطني في 2013، لذلك تسارع إلى تحريك المياه الراكدة بالمراهنة على دور نقابات التعليم التي تستمد منها جزءا كبيرا من وجودها.

وعادت نقابة التعليم الثانوي ومن ورائها اتحاد الشغل، من جديد، إلى مناورة وزارة التربية، بعد أن خيّل للجميع أنه تمّ تجاوز الأزمة، خصوصا بعد أن حسم وزير التربية محمد علي البوغديري الأمر باعتماد ورقة المحاسبة في ما يعرف بملف “حجب أعداد التلاميذ”.

وطالبت الجامعة العامة للتعليم الثانوي وزارة التربية بعقد جلسة تفاوضية عاجلة للبت في العديد من الإشكالات كصرف المنحة المدرسية وصرف المستحقات المالية للمدرسين المتخلدة بذمة الوزارة والتراجع عن الاقتطاع من رواتب بعض المدرسين والقطع مع التشغيل الهش.

وكانت وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي قد توصّلتا في مايو الماضي إلى اتفاق يتم بمقتضاه تسليم نتائج الامتحانات بعد أن اتخذت النقابة منع تسليم النتائج كخطوة احتجاجية منذ انطلاق السنة الدراسية الماضية، للدفاع عن حقوق المدرسين.

وانتقدت الجامعة العامة للتعليم الثانوي في بيان لها ما وصفته بـ”مماطلة” وزارة التربية في إصدار الأمر المتعلق بصرف منحة العودة المدرسية وعدم صرفها في الآجال المعهودة، مطالبة وزارة التربية بالإصدار الفوري للأمر الخاص بمنحة العودة المدرسية والتعجيل بصرفها لفائدة المدرسين.

وتعلق الاتفاق بصرف زيادة للقطاع بـ300 دينار (أكثر من 97 دولارا) على ثلاث سنوات وتحيين منحة العودة المدرسية والإعلان عن الترقيات المجمدة وتسوية وضعية المدراء والنظّار والاتفاق على مبدأ القضاء على التشغيل الهش.

ورفضت نقابة التعليم الثانوي ما اعتبرته “التفافا” على مكاسب المدرسين عبر الاقتطاع من الرواتب الذي طال عددا منهم “دون مبرر” من قبل وزارة التربية بعنوان “إرجاع قيمة مالية لأيام غياب مرضي” من قيمة منحة المستلزمات المدرسية للسنة الماضية.

ودعت إلى صرف كل المستحقات المالية للمدرسين المتخلدة بذمة الوزارة نظير الساعات الإضافية ومراقبة الامتحانات الوطنية، والترفيع في ميزانية المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية وتسوية الوضعية المالية للأساتذة النواب.

كما لوحت النقابة بالتحرك للدفاع عن حقوق منظوريها بالطرق المشروعة، منتقدة اهتراء البنية التحتية للمؤسسات التربوية وحالة الاكتظاظ داخل الفصول والمؤسسات التربوية ونقص التجهيزات واهترائها ونقص الموارد البشرية واستمرار التشغيل الهش.

وتعدّ الإضرابات القطاعية، خصوصا في قطاع التعليم، أهم الأسلحة التي تشهرها المنظمة الشغيلة في وجه الحكومات.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “خروج لسعد اليعقوبي من نقابة التعليم أخلّ بالتوازنات داخل الجامعة العامة للتعليم الثانوي، حيث كان له دور مهم في التفاوض والتهدئة مع وزارة التربية، كما أن النقابة بعد إجراءات 25 يوليو 2021 أصبحت أكثر واقعية ورصانة بخصوص الإضرابات”.

وأضاف لـ“لعرب”، “يبدو أن الوضع تغيّر اليوم، والقيادة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل تريد أن تبعث إلى الحكومة رسائل مشفرة تفيد بأن الاتحاد مازال موجودا وليس بالوهن الذي يعتقده البعض”.

وأردف الرابحي “الاتحاد سيضع نقابة التعليم في الواجهة من جديد لأنها الأكثر تعبيرا عن وجود الاتحاد، وسيتبع سياسة الدفع إلى الأمام والمناورة وإثبات الحجة على الوزارة بأنها لا تريد التفاوض”. واعتبر أن “هذه آخر ورقة يلعبها المكتب التنفيذي للاتحاد، لكن القيادة الحالية خسرت مكانتها داخل المنظمة وفي الشارع، وربما هذه مناورة أخيرة من الاتحاد لإرضاء منظوريه”.

وينص الاتفاق على استكمال توظيف الدفعة الرابعة للأساتذة النواب 2023 – 2024. وبخصوص دفعة 2022 تلقت الجامعة العامة للتعليم الثانوي وعودا وزارية بتسوية وضعية الأساتذة النواب وصرف أجورهم.

كما قدّمت الوزارة إلى الأساتذة النواب مقترحا يقضي بترفيع قيمة العقد من 750 دينارا (242.60 دولار) إلى ألف و120 دينارا (362.28 دولار) بالنسبة إلى من قاموا بالنيابات المشتركة (تدريس لمدة سنة كاملة). كما سيتم تقديم طرح وزاري جديد يقترح توظيف الأساتذة النواب المسجلين بقاعدة البيانات 2008 – 2016، والقضاء على أشكال التشغيل الهش من خلال الجلسات التي ستقوم بها الوزارة. ونقابتا التعليم الأساسي والثانوي في تونس من أبرز النقابات التي يراهن عليها اتحاد الشغل لابتزاز الدولة، وهو ما يشكل تهديدا للمنظومة التعليمية العمومية برمتها.

وقال عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن “المطالب النقابية للمدرّسين أصبحت مادّية بالأساس وزادتها ‘الحماسة الثورية’ بُعدًا عمّا تتطلّبه المنظومة التعليمية من إصلاحات جذرية فشلت كلّ محاولاتها على مدى عشرية كاملة لغياب التركيز على منطلقات تفكير جديدة والرؤية الجديدة والرسالة الجديدة الواجب الاتفاق بشأنها قبل الشروع في إصلاحات عناصر المنظومة كلها”.