تصاعد الاتهامات بين الدبيبة وحماد بسبب انخفاض قيمة الدينار الليبي
تواجه العلاقات بين السلطات الليبية في طرابلس ونظيرتها في بنغازي نذر تصعيد لجذوة الصراع بينهما بسبب وضعية الدينار الآيل للانهيار مقابل ارتفاع العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار.
وفي محاولة لتبرئة حكومته من التهم الموجهة إليها بالوقوف وراء الأزمة، ذهب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إلى اعتبار أن “وجود إنفاق مواز تجاوز 15 مليار دينار ساهم في ارتفاع سعر صرف الدولار” أمام الدينار، مشيرا إلى أن “هذا الإنفاق لم يخضع لأي جهة رقابية محلية أو دولية”، في إشارة إلى الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب والتي تتخذ من بنغازي مقرا لها.
وفي كلمته أثناء افتتاح الاجتماع العادي التاسع للعام 2023 لمجلس وزراء حكومته الذي عقد الخميس في مدينة غريان بحضور أعضاء المجلس من الوزراء وكبار المسؤولين، والذي خصص لبحث عدد من الملفات السياسية والخدمية، أكد الدبيبة التزام حكومته “الكامل بسياسات مصرف ليبيا المركزي النقدية للحفاظ على قيمة الدينار الليبي وتوازن الاقتصاد الوطني، والعمل مع المؤسسات من أجل ذلك”.
وفي رد ناري اعتبر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد أن تصريحات الدبيبة بشأن “وجود إنفاق مواز” بمثابة “تبرير لإخفاق حكومته في جميع المجالات، وآخرها افتعال أزمة وهمية لزيادة أسعار النقد الأجنبي في السوق الموازية”، متهما حكومة الوحدة بـ”إهدار مئات المليارات بدون سند قانوني يجيز له ذلك”، لافتا إلى أن القضاء منع حكومة الدبيبة من التصرف في المال العام دون الالتزام بضوابط الإنفاق العام.
ووصف حماد تصريحات الدبيبة بأنها “محاولات يائسة للقفز على ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2022 من فساد مالي وإداري”، داعيا الجهات المختصة إلى “اتخاذ إجراءاتها اللازمة تجاه ما ورد بالتقرير، وتطبيق القانون على مرتكبي الجرائم الواردة به”.
وقال حماد إن “الحكومة الليبية ومنذ منحها الثقة من مجلس النواب تقوم بالصرف وفقا للميزانيات المعتمدة من المجلس”، متهما حكومة الدبيبة بأنها “تمارس أساليب الكذب والتضليل من خلال وعودها الوهمية للشعب الليبي”، ومشيرا إلى أن السياسات المالية لحكومة الوحدة الوطنية أدت إلى “إهدار غير مسبوق للمال العام”، ودون تحقيق أي مصلحة للمواطن، وهو ما رآه يؤدي إلى “انهيار الاقتصاد وإفلاس الدولة بشكل عام”، ويرتقي إلى “جرائم جنائية تستوجب المحاسبة”.
كما اتهم حكومة الدبيبة بـ”التنازل -وبالمجان- عن العقارات والاستثمارات الخارجية المملوكة للدولة الليبية، في مقابل مكاسب سياسية لتحقيق مصلحة غير مشروعة”، لافتا إلى أن حكومته “مستمرة في تنفيذ خطط التنمية والإعمار”، وموضحا أن “ارتفاع أسعار النقد الأجنبي في السوق الموازية هو أمر مفتعل ولا مبرر له كون مصرف ليبيا المركزي مستمرا في صرف النقد الأجنبي عبر القنوات المحددة، وبالسعر المحدد رسميا”.
وكانت حكومة البرلمان نفت الثلاثاء الماضي وجود مضاربات في سعر صرف الدولار، وأكدت استمرار عمليات شحن البطاقات الخاصة بالعملة الأجنبية للمواطنين بشكل طبيعي، عبر جميع المصارف ودون استثناء، مشيرة إلى توفر النقد الأجنبي في جميع المصارف وبالأسعار المحددة رسميا دون استثناء، وشددت على أنه تم فتح الاعتمادات المستندية لمستحقيها.
ورأت في بيان أن ما يقوم به تجار السوق الموازية للعملات الأجنبية من مضاربات وهمية بهدف رفع قيمتها ما هو إلا محاولات بائسة ممن يقفون وراءهم بغية ضرب الاستقرار الاقتصادي والمجتمعي ليستمر فسادهم الممنهج وليحققوا مكاسب غير مشروعة، بغرض وقف حركة الإعمار والتنمية التي لن تحقق مكاسبهم، معتبرة أن أغلب المدن الليبية تشهد حاليا طفرة غير مسبوقة من حيث الحالة الأمنية، بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار، والتي استغلها المستفيدون من مثل هذه الظروف من تجار الحروب والأزمات، في ثراء على حساب الشعب واستغلال معاناته.
وفي ظل تراجع سعر الدينار خلال الأيام الماضية أمام الدولار في السوق الموازية، حذر وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج من تأثير الأزمة على ارتفاع الأسعار.
وقال إن “تراجع الدينار يؤثر سلبا على أسعار السلع والبضائع”، مرجعا ما حدث إلى السياسات النقدية الخاصة بالمصرف المركزي في إصداره سندات مالية موقعة من وزارة المالية، وهي سبب ارتفاع الدين العام وسعر الدولار. وحذر وزير الاقتصاد من “انهيار الدينار” داعيا إلى تشكيل لجنة لدراسة حلول عاجلة وصولا إلى استقراره.
وأظهرت بيانات مصرف ليبيا المركزي وجود فجوة في النقد الأجنبي بلغت 12.7 مليار دولار في الأشهر العشرة من العام الجاري، حيث بلغت إيرادات النقد الأجنبي 17.9 مليار دولار خلال الفترة من مطلع يناير إلى نهاية أكتوبر 2023، في حين بلغ إجمالي استخدامات والتزامات النقد الأجنبي 30.6 مليار دولار.
وكان سعر الدولار في السوق الموازية تخطى الثلاثاء الماضي حاجز الـ6 دنانير ليبية للدولار الواحد، قبل أن ينخفض سعره تدريجيا ويصل الخميس إلى 5.7 دينار مقارنة بـ5.95 دينار الأربعاء، ما أثار قلقا شعبيا ومخاوف من انعكاس ذلك على تكاليف معيشة المواطن.
ورأى أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية الدكتور عمر زرموح أن انخفاض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار يزيد الفساد المالي والتشوهات الاقتصادية والتهريب، ومن ثمّ يظهر سعران رسمي ومواز، وهو ما يترك تداعيات سيئة على الاقتصاد الليبي، فيما بين الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة أن المصرف المركزي أصبح في وضع صعب منذ أن فقد المرونة الكافية في معالجة العجز في ميزان المدفوعات وتوفير السيولة اللازمة للحكومة.