مدريد تضيق الخناق على بوليساريو باعترافها بحركة "صحراويون من أجل السلام"
عززت إسبانيا قرار الإشادة بالمقترح المغربي للحكم الذاتي حلا واقعيا مقبولا لقضية النزاع في الصحراء المغربية، بإعلانها الاعتراف بالحركة الصحراوية المنشقة عن جبهة بوليساريو التي يطلق عليها اسم “صحراويون من أجل السلام”، ما سيمنح هذه الحركة الصحراوية الجديدة أفقا دوليا تستطيع من خلاله تقديم نفسها بديلا مقبولا عن الجبهة الانفصالية.
أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية عن تقييدها رسميا لحركة “صحراويون من أجل السلام”، المنشقة عن جبهة بوليساريو، باعتبارها إطارا سياسيا يدافع عن حقوق الإنسان والحرية، وتدعم الحوار مع المغرب وقبول طرحه للحكم الذاتي كحل واقعي لتسوية قضية الصحراء المغربية، حيث تم تسجيلها في سجل خاص بالمنظمات الدولية التي تعترف بها الوزارة.
ويقول مراقبون، إن الخطوة تضيق الخناق على تحركات الجبهة الانفصالية داخل إسبانيا كما السابق وإفراغ مشروعها الانفصالي من محتواه.
وأكدت الحركة في بيان لها أنها ستواصل العمل وفق خطابها المعتدل والداعي إلى حل سلمي لمشكل الصحراء، معتبرة أن الخطوة التي أقدمت عليها السلطات الإسبانية تمثل تحولا كبيرا يرتقب أن يضع الحركة في مكانتها الدولية المستحقة، وستواصل العمل وفق خطابها المعتدل والداعي إلى حل سلمي لمشكل الصحراء والذي أقنعت به عديد الفاعلين الدوليين.
وأفاد محمد سالم عبد الفتاح، قيادي مؤسس في حركة “صحراويون من أجل السلام”، أن “هذا القرار ينسجم مع موقف مدريد المتقدم بشأن الصحراء المغربية، كما من شأنه أن يكرس تجاوز الدعاية الانفصالية داخل إسبانيا التي دافعت عنها القوى المعزولة من أحزاب يمينية متطرفة ويسارية راديكالية في إطار النقاش الداخلي في إسبانيا إزاء قضية الصحراء”، مضيفا أن “هذا الاعتراف يساهم في تحرر النقاش من السرديات التي تروّج لها القوى الداعمة للانفصاليين وتبني مقاربات عقلانية وبراغماتية وواقعية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الترخيص لهذه القوة السياسية يؤسس لتعددية سياسية للتعاطي مع قضية الصحراء المغربية بعد أن ظلت الجبهة الانفصالية تقدم نفسها كممثل وحيد للصحراويين داخل إسبانيا، وتضييق السبل على الجبهة الانفصالية التي فرضت فكرها السياسي المنغلق وأيديولوجية شمولية بقوة السلاح داخل مخيمات تندوف، وحتى على أوساط الفارين من المخيمات المقيمين بإسبانيا والذين باتو يتبنون الطرح السياسي الجديد المنشق عن الجبهة الانفصالية المؤسس على مقاربة سلمية بعيدا عن الطروحات الراديكالية والدوغمائية”.
وأكد محمد سالم أن “المجتمع المدني الإسباني وأصحاب صنع القرار باتوا يقفون على حقيقة بوليساريو كتنظيم إجرامي ارتكب انتهاكات جسيمة في حق القاطنين بمخيمات تندوف، لاسيما مع تواتر القضايا المرفوعة أمام المحاكم الإسبانية من طرف ضحايا التعذيب الذين تعرضوا للاستهداف الممنهج والتنكيل، وحتى اليسار الذي تضامن مع الجبهة سابقا من منطلق أيديولوجي يقف اليوم على حقيقة الجبهة البعيدة عن قيم اليسار والحداثة والتقدمية”.
واعتبر محمد سالم أن “هذه بداية لتنظيم جديد كطرف يتبنى طرحا مخالفا لبوليساريو سيعمل على تكريس قيم حقوق الإنسان المدنية والسياسية وتعزيز السلام والديمقراطية التي يجب أن تحظى بها الجالية الصحراوية بإسبانيا”.
ويقول مراقبون إن اعتراف إسبانيا بالحركة الصحراوية يمثل أفقا دوليا تستطيع من خلاله تقديم نفسها بديلا مقبولا عن جبهة بوليساريو التي صدرت نداءات تطالب بإدراجها في قائمة الحركات الإرهابية، خصوصا بعد اعترافها بشن هجمات على أحياء سكنية بمدينة السمارة بالصحراء المغربية.
وقالت حركة “صحراويون من أجل السلام” إنه بعد حصولها على الشخصية القانونية التي تخول لها التحرك على المستويين الأوروبي والدولي، ستبدأ المرافعة القانونية والسياسية بدول غربية وشرقية تماشيا مع الأهداف التي أسست من أجلها.
وفي هذا الصدد، عقدت الحركة يوم السابع والعشرين من أكتوبر الماضي مؤتمرها الدولي الثاني للحوار والسلام في العاصمة السنغالية داكار بمشاركة شخصيات بارزة من أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، أهمها وزير الدفاع السابق ورئيس البرلمان الإسباني السابق خوسيه بونو، ورئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو وأحمد فال رئيس شبكة الوحدة من أجل التنمية الموريتانية.
وقال رودريغيز ثاباتيرو إن حركة “صحراويون من أجل السلام” يمكن أن تقود الشعب الصحراوي نحو إقامة حكم ذاتي يمكن من خلاله حل مشكلات النواحي الاجتماعية وحقوق الإنسان ووحدة الشعب الصحراوي، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر السياسية مع الدول والمشاركة في مناقشات مع المجتمع الدولي.
وفي مؤتمرها التأسيسي وضعت حركة “صحراويون من أجل السلام” اقتراحا لحل سياسي وصفته بالواقعي والقابل لإنهاء نزاع الصحراء المغربية والدفاع عنه أمام الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية، من خلال صيغة تقوم على إنشاء “كيان صحراوي سيوفر نظاما سياسيا ديمقراطيا سيحدد نظامه الأساسي الوضع النهائي للإقليم، من خلال الحوار المباشر أو الوساطة الدولية”.
ويلقى طرح حركة “صحراويون من أجل السلام” لحل قضية الصحراء دعم العديد من الشخصيات السياسية ذات الصلة بالملف، كونه يتبنّى منهج الحوار مع الرباط ويقدم مقاربة براغماتية للحل النهائي خلافا لطرح حركة بوليساريو الانفصالية التي فشلت مقاربتها الراديكالية المدعومة من الجزائر في تحقيق أيّ اختراق على مدى عقود.
ويدعم الحزب الاشتراكي الإسباني ممثلا في رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه ثاباتيرو، وشخصيات سياسية وحكومية سابقة، الحركة كطرف سياسي مستقل عن جبهة بوليساريو ويفرض صوته في المشهد السياسي بالصحراء المغربية.
واستطاعت الحركة كسر احتكار الجبهة الانفصالية لتمثيل الصحراويين وفرض مقاربة سلمية غير جامدة قادرة على إنهاء حالة الجمود والمساهمة في حل ملف الصحراء سياسيا، معتبرة الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب منطلقا أساسيا نحو الحل النهائي والدائم.
ويأمل زعيم حركة “صحراويون من أجل السلام” الحاج أحمد باريكالا في أن “يكون الحوار مع المغرب ممكناً. أو أن يتم إدراج الحركة ومطالبها في العملية السياسية الحالية، بقيادة أو توجيه من الأمم المتحدة”، مشددا على أن “المجتمع الدولي ينحاز بشكل متزايد إلى المملكة ويدعم اقتراح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية. وتدعم الولايات المتحدة وألمانيا، ومؤخرًا إسبانيا، الوصول إلى الحل الوحيد والمنطقي. وهو حل الحكم الذاتي”.