حرب أوكرانيا على موعد مع نهاية قريبة

كل المؤشرات تظهر أن أوكرانيا لم تعد قادرة على التقدم في الحرب، فطاقاتها الذاتية باتت شبه معدومة، والحلفاء الغربيون لم يعودوا متحمسين للحرب، وواشنطن ذهبت إلى ما هو أبعد بأن باتت على اقتناع بأن روسيا كسبت المعركة وأن على الرئيس الأوكراني أن يقبل بالأمر الواقع.

بوتين يربح الوقت

كييف

انتشر حديث عبر وسائل الإعلام الغربية الأسبوع الماضي حول “جمود” تشهده جبهة القتال الأوكرانية. وصدر تقرير نقلا عن مسؤولين أميركيين يقولون إن الوقت قد حان لقبول أوكرانيا خسارتها والتفاوض مع روسيا.

وذكر تقرير غربي آخر أن الرئيس الأوكراني “المتوهم” فولوديمير زيلينسكي هو الوحيد الذي يرفض قبول الهزيمة.

لكن تعريف قاموس أكسفورد لحالة الجمود في الشطرنج أو السياسة أو الحرب لا ينطبق على أوكرانيا. ويحدده على أنه “الوضع الذي يبدو فيه المزيد من العمل أو التقدم من جانب الأطراف المتعارضة أو المتنافسة مستحيلا”.

ولخّص سكوت ريتر في مقاله على “كونسورتيوم نيوز” مؤخرا أن “الحرب في أوكرانيا ليست في طريق مسدود بهذا التعريف. وسارت الحرب بالتأكيد في صالح روسيا عسكريا وسياسيا منذ سبتمبر 2022، بكل المقاييس المعتمدة. وتتمتع روسيا بالتفوق العسكري على كييف من حيث القوات البشرية والمعدات واحتياطيات القوى العاملة والقيادة والروح المعنوية الوطنية والقدرة على تعبئة الأسلحة. وأصبحت روسيا الآن بين شن هجوم الخريف، أو انتظار هجوم الشتاء، أو انتظار انهيار الروح المعنوية في كييف من أجل إحداث التغييرات السياسية التي ترغب فيها. باختصار، أصبح فلاديمير بوتين يسيطر الآن على وتيرة اللعبة”.

لقد شكلت روسيا جبهة القتال وفق رغبتها وتحكمت في درجة اشتعال أتون ساحة المعركة في أفدييفكا وكوبيانسك وفق ما أوضحه ريتر بقوله إن “الهدف الروسي يكمن في وضع القيادة الأوكرانية أمام معضلة، حيث يمكن أن يؤدي التخلي عن أفدييفكا إلى انهيار روح المدافعين الأوكرانيين المعنوية. كما قد يتسبب البقاء في خسائر فادحة في الأرواح بسبب الصعوبات المرتبطة بتعزيز المعسكرات”.

وقدّم القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني تصريحات متشائمة لمجلة “الإيكونوميست” قبل أسبوع.

وذكرت المجلة أن “تقييم الجنرال زالوجني مثير للقلق، فليس هناك ما يشير إلى أن التقدم التكنولوجي، سواء في الطائرات دون طيار أو في الحرب الإلكترونية، أصبح وشيكا. وللتكنولوجيا حدودها. وحتى في الحرب العالمية الأولى، لم يكن وصول الدبابات في 1917 كافيا لكسر الجمود في ساحة المعركة. واستغرق الأمر مجموعة من التقنيات، وأكثر من عقد من الابتكار التكتيكي، لإنتاج الحرب الخاطفة الألمانية في مايو 1940”.

وأضاف زالوجني أن “المغزى الضمني يعني أن أوكرانيا تبقى عالقة في حرب طويلة ويعترف (زيلينسكي) بأن روسيا تتمتع بالتفوق فيها. وهو يصرّ مع ذلك، على أن أوكرانيا ليس أمامها أيّ خيار سوى الحفاظ على تقدمها من خلال البقاء في موقع الهجوم، حتى لو كانت تتحرك بضعة أمتار فقط في اليوم”.

ويحاول زالوجني الحفاظ على قواته المتبقية عديمة الخبرة وغير المؤهلة، لكنه يتعرض لضغوط سياسية من زيلينسكي وحلف شمال الأطلسي لعدم التنازل عن أيّ منطقة. وفي يوم الاثنين، اغتيل المستشار المقرب لزالوجني، الرائد جينادي تشاستياكوف، بهدية عيد ميلاد مفخخة.

ولم يعد أمام الجيش الأوكراني أيّ خيارات بينما تتمتع روسيا بالكثير منها. وهذا هو الوضع الذي ينتظر فيه مقاتلان غير متكافئين أيّ حل عسكري أو سياسي لهذه الحرب.

وليس من المصادفة توقف القصف الأوكراني لمدينة دونيتسك من أفدييفكا القريبة الذي استمر لسنوات. واختنقت الإمدادات الأوكرانية إلى أفدييفكا بسبب الخطة الروسية التي تتحكم في ساحة المعركة وتبقيها في درجة اشتعال متدنية.

ويتساءل توني كيفن في تقرير له في “كونسورتيوم نيوز”: لماذا ينتظر بوتين؟

ويقول إن الرئيس الروسي ينتظر أولا إقالة زيلينسكي ورؤية ما سيحدث في كييف. ويحاول تقليل المزيد من الأضرار والخسائر في القوى البشرية التي تتكبّدها أوكرانيا التي يراها جزءا من العالم الروسي.

ويبدو أن الوضع في كييف يتطلب كبش فداء ودرجة من تغيير النظام. ولكن هل سيتفاوض خليفة زيلينسكي على سلام واقعي مع روسيا أم أنه سيحاول مواصلة الحرب بطريقة جديدة؟ فلن تكون أمامه خيارات عسكرية جديدة، حيث أن الموارد استنفدت والمعنويات تلاشت.

وأصبحت خزانة الأسلحة فارغة. وتبقى الخيارات المغامرة كالهجوم الآخر على جسر كيرتش أو محاولة اغتيال سياسي رفيع المستوى في روسيا، ممكنة ولكنها أقل احتمالا الآن. ومن المؤكد أن الأشخاص الأكثر عقلانية في كييف مثل مستشار زيلينسكي الإعلامي السابق أوليكسي أريستوفيتش يبعثون بالفعل مستشعرات سلام سرية إلى موسكو.

ونقلت شبكة “إن بي سي نيوز” عن مسؤولين أميركيين أن الولايات المتحدة بدأت تنظر في سيناريو قبول أوكرانيا بأنها ستفقد أراضي لصالح روسيا، وأنه ينبغي لها أن تفكر بجدية في الدخول في محادثات سلام مع موسكو.

وقال المسؤولون حسب التقرير إن “المناقشات تعدّ اعترافا بالديناميكيات عسكريا على الأرض في أوكرانيا وسياسيا في الولايات المتحدة وأوروبا”.

وذكر المسؤولون أن هذه المحادثات انطلقت وسط مخاوف بين المسؤولين الأميركيين والأوروبيين من أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود. وقالوا إن مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن يشعرون بنفاد طاقات أوكرانيا، في حين تتمتع روسيا بإمدادات لا نهاية لها على ما يبدو. وتكافح أوكرانيا أيضا من أجل التجنيد وشهدت مؤخرا احتجاجات عامة حول بعض متطلبات التجنيد المفتوحة التي فرضها زيلينسكي.

ولكن هل تعدّ روسيا مهتمة بالمفاوضات في هذا الوقت، نظرا إلى التفوق الذي تتمتع به في ساحة المعركة؟

ذكرت “إن بي سي” أن مسؤوليْن أميركييْن قالا إن إدارة بايدن لا ترى أيّ مؤشر على أن الرئيس الروسي مستعد للتفاوض مع أوكرانيا. ويرى المسؤولون الغربيون أن بوتين لا يزال يعتقد أنه يستطيع “انتظار الغرب”، أو الاستمرار في القتال حتى تفقد الولايات المتحدة وحلفاؤها الدعم المحلي لتمويل أوكرانيا أو أن يصبح العمل لتزويد كييف بالأسلحة والذخيرة مكلفا.

ووفقا لمجلة “تايم”، لا تواجه مثل هذه الاقتراحات بشأن الاستعداد للدخول في محادثات السلام مقاومة في القيادة الأوكرانية إلا من زيلينسكي الذي يشعر بخيانة حلفائه الغربيين.

ومن المؤكد أن توسيع الحرب لم يعد خيارا لحلف الناتو على الرغم من كل الخطابات السابقة التي قالت “مهما استغرق الأمر”. وبدأ عدد متزايد من حكومات الاتحاد الأوروبي وشعوبه يشعر بالإرهاق وخيبة الأمل من هذه الحرب الخاسرة.

ويكمن السبب الرئيسي الآخر الذي قد يدفع بوتين إلى الانتظار تماشيا مع عدم الاستقرار الخطير الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن الأمر قد يبدو غريبا، إلا أن بوتين قد يكون مهتما بعدم إثقال كاهل صناع القرار الضعفاء والمتقلبين في واشنطن.

وقد يرغب في منح بايدن ومستشاريه بعض المساحة السياسية لمحاولة كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووضع الأزمة الإنسانية في غزة، التي تشهد الآن سقوطا حرا مأساويا، تحت نوع من السيطرة الأميركية.