توتر سياسي في شرق السودان يزيد الضغوط على البرهان

تشهد الإدارات الأهلية في شرق السودان انقسامات يصفها البعض بالخطيرة لجهة إمكانية أن تتحول إلى صراع في منطقة ظلت نسبيا بمنأى عن الحرب الدائرة في البلاد، فيما يصفها آخرون بالظاهرة الإيجابية حيث تعكس بداية تحول في موقف كان يميل إلى صالح فلول نظام البشير.

الحرب المتواصلة في السودان طالت مواقع مدنية عدة

الخرطوم

يواجه إقليم شرق السودان حالة من الغليان السياسي جراء التطورات المتسارعة التي جعلته في بؤرة أحداث الحرب الدائرة في البلاد منذ وصول قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى مدينة بورتسودان، ما انعكس في زيادة وتيرة الاستقطاب في بقعة جغرافية تشكل أهمية إستراتيجية للسودان وقوى إقليمية.

وتظهر في الإقليم الذي يشهد حضورا لافتا لأنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير قوى مناهضة لتواجد البرهان وقادة حركات مسلحة أعلنوا انخراطهم في الحرب لصالح الجيش، ما يمهد لصراع أكبر بين العموديات والكيانات الأهلية والسياسية في الإقليم.

وبرز الخلاف الذي نشب داخل المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة أخيرا بعد أن انقسم إلى جزأين، الأول يترأسه الناظر الأمين ترك، والثاني أقر في سبتمبر من العام الماضي تعيين العمدة إبراهيم أدروب ناظراً للمجلس بعد أن أعلن ترك حله واستقالته من منصبه قبل أن يعلن عودته مرة أخرى.

وأصدر المجلس المحسوب على أدروب بياناً، الأحد، أشار فيه إلى أن التحركات التي قام بها ترك الأسبوع الماضي مع عقده “ملتقى أهل الشرق” تحت غطاء توحيد مكونات شرق السودان مبادرة إقصائية ومبتورة، هدفها إعادة توطين الفتنة بشكل أقبح بين قبائل وعموديات الشرق.

وقال إن الملتقى يسيطر عليه قادة من الإسلاميين المسنودين بغطاء بعض قيادات في الأجهزة الأمنية لإقصاء مكونات شرق السودان سعياً منهم لصناعة حاضنة سياسية تعيدهم إلى الساحة مرة أخرى.

وأعلن المجلس الرفض القاطع للمبادرة التي وصفها بأنها مشوهة ومختزلة ودعا مجلس السيادة إلى الوقف الفوري لتدخلات وتجاوزات قادة النظام البائد وأذرعهم في الأجهزة الأمنية ومنع تصنيف وتفتيت مجتمع الشرق على أساس جهوي وإقصاء رجال الإدارة الأهلية والطرق الصوفية والقيادات.

ويرى مراقبون أن موقف التيار المناوئ لترك هو الأول من نوعه الذي يأخذ طابعا علنيا وسياسيا ما يؤشر على وجود تباينات عديدة في مواقف الإدارات الأهلية في شرق السودان من توجهات فلول البشير الساعين لاتخاذ الإقليم كنقطة انطلاق لهم من جديد، ما يفتح الباب أمام مزيد من التراشقات السياسية التي تهدد بتحولها إلى صراع قبلي.

وتحدث أحد شيوخ الإدارات الأهلية في شرق السودان إلى “العرب” شريطة عدم ذكر اسمه أن مجلس نظارات البجا يعاني انشقاقاً في صفوفه منذ يونيو من العام الماضي، لكن الانشقاق بقي كامناً دون أن يتحول إلى وجود قطبين متنازعين بالصورة الراهنة، لافتا إلى أن هناك عددا من النظارات تؤيد الأمين ترك وآخرين يدعمون تعيين العمدة إبراهيم أدروب دون أن ينعكس ذلك على التوجهات السياسية الخاصة بنظارات البجا والتي تذهب في الأغلب إلى تأييد الجيش.

وأضاف أن التحركات السياسية الأخيرة من الجانبين تشير إلى وجود استقطاب حاد قد يؤدي إلى مواقف مختلفة بشكل جوهري من الحرب الدائرة، ومن المتوقع أن يبقى أي منها مساندا للجيش في جميع خطواته وتوجهاته المستقبلية، وآخرون يكونون أكثر قرباً من النظام الإريتري الذي لديه مصلحة في أن تبقى الأوضاع مستقرة في شرق السودان وقد يكون له دور في دفع الإدارات الأهلية إلى عدم الانجراف نحو دعاوى حمل السلاح.

وأصدر المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة جناح أدروب بياناً أمهل فيه رؤساء الحركات المسلحة المتواجدين في ولاية البحر الأحمر أسبوعًا للخروج من الولاية وإلا “سوف يحدث لهم ما لا يحمد عقباه” بعد أن أعلنوا دعمهم للجيش السوداني في الحرب الدائرة أمام قوات الدعم السريع.

وأشار البيان إلى أن وجود رؤساء الحركات المسلحة في البحر الأحمر أكبر تهديد أمني للولاية وأن المجلس لا يسمح لأي جهة بإعلان الحرب على الدعم السريع من البحر الأحمر.

وأكد المحلل السياسي المتخصص في شؤون شرق السودان أحمد خليل أن وجود تباينات داخل نظارات البجا تطور إيجابي يمكن وضعه في خانة التحول الديمقراطي وترسيخ جهود إعادة الدولة المدنية وإنهاء الحرب بعد أن جرى توظيفها لصالح خدمة أهداف النظام السابق، مشيراً إلى أن الشرق تولدت فيه معارضة ضعيفة لوجود الحكومة في بورتسودان، لكن الرفض الأكبر ينبع تجاه قادة الحركات المسلحة الذين أعلنوا انخراطهم في الحرب.

وأوضح خليل في تصريح لـ“العرب” أن انقسام العموديات يخدم قوى الثورة في شرق السودان التي تحاول الحفاظ على حيادها من الحرب، ورفضت الكثير من الممارسات التي قام بها الناظر ترك تحت اسم البجا بعد أن حشد جميع القبائل والعموديات لإفشال المرحلة الانتقالية وإسقاط الحكومة المدنية، وأن ما صدر أخيراً من بيانات يشي بأن هناك جهدا سياسيا كبيرا يجري الآن بعد أن شعرت العموديات أنها مهمشة ويجري توظيفها لخدمة أهداف أطراف أخرى.

وأشار إلى أن وجود إدارات أهلية داعمة لإحلال السلام وإنهاء الحرب يخدم القوى المدنية في إقليم الشرق، ما يقلل من فرص دفع المواطنين نحو الانخراط في أي صراع عسكري قد ينشب في المنطقة وأن قوى الحرية والتغيير وغيرها من المكونات المدنية سيكون عليها التحرك إيجاباً للتواصل مع تلك الإدارات التي ظلت في جبهة مقابلة للثورة وأهدافها طيلة السنوات الماضية.

ونشبت الخلافات بين قادة نظارات مجلس البجا في يونيو من العام الماضي عقب اعتصام أقيم أمام مقر حكومة البحر الأحمر انتهى باستقالة الوالي علي أدروب في 7 يونيو الماضي، وهو أمر لم يلق قبولاً من ترك الذي دفع هو الآخر باستقالته من منصبه قبل أن يتراجع عنها عقب وساطات قادتها جماعات أهلية، لكن ترك عقد ملتقى في نفس الشهر بدعم من مكونات أهلية وأصدر قرارا بتجميد عمل المجلس إلى حين عقد مؤتمر يحدد هياكله، وهو أمر لم تلتزم به كافة العموديات والإدارات الأهلية.

ويقول متابعون إن تعويل فلول البشير على وجود كتلة واحدة تدعم مواقفهم من الحرب الدائرة الآن تحطمت بعد أن برز تيار آخر مناوئ لسياسات إطالة أمد الحرب في ظل أجواء رخوة تمهد لوصول الصراع إلى إقليم الشرق الذي يشهد طلباً واسعاً على الأسلحة الثقيلة ما يشي بوجود تجهيزات لأن تندلع المواجهات العسكرية في بؤرة جغرافية أخرى من السودان جراء عدم قدرة أي من الطرفين المتنازعين على حسم الصراع لصالح أي منهما.