عوامل سياسية ومالية وبيداغوجية تعطل حل ملف المدرسين النواب في تونس
تتصاعد أصوات المدرسين المعوضين من فترة إلى أخرى في تونس، لمطالبة وزارة التربية بحلحلة ما يعرف بملف “الأساتذة النواب” الذي لا يزال رهين الرفوف، وتحول في بعض الأوقات إلى ورقة ضغط سياسية بين نقابات التعليم والحكومات المتعاقبة، وسط تجاهل للوضعيات الاجتماعية الصعبة للمدرسين.
يعد ملف المدرسين النواب من الملفات المعقدة في تونس حيث ينفذ هؤلاء بشكل مستمر احتجاجات وإضرابات عن العمل تعطل سير الدروس وتهدد بسنة دراسية بيضاء، في حين يقول خبراء ومحللون إن عوامل سياسية ومالية وبيداغوجية تعقد مهمة حلحلة الملف.
وتُجسّد وضعية المدرسين المعوضين خيارات التشغيل الهشة التي اعتمدتها حكومات ما بعد 2011، من أجل شراء سلم اجتماعي وإسكات أصوات قد تحتج ضدّ السلطة، فوجد الآلاف من المدرّسين أنفسهم في وضعية تهميش وبعيدة عن مقاييس التوظيف في القطاع العمومي.
ويعتبر الأساتذة النواب إحدى الآليات التي تعتمدها وزارة التربية في تونس للتعويض المؤقت في سلك التعليم بالاعتماد على الخريجين الجامعيين، مع إبقائهم على لائحة الانتظار ما يمنحهم لاحقا الأولوية في التعيين عند تسجيل نقص في أعداد المدرسين.
وقال رئيس الائتلاف الوطني التونسي ووزير التربية السابق ناجي جلول إن “ملف الأساتذة النوّاب هو ملفّ فساد لأن طريقة تعيينهم غير معروفة إلى حدّ الآن ومنذ عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كما أن أعدادهم ازدادت بعد ثورة يناير 2011”، واصفا وضعهم الاجتماعي بـ“مأساوي”.
وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “عندما كنت على رأس الوزارة اقترحت صيغة يتم من خلالها إنهاء عمليات تعيين الأساتذة النواب وأن يتم تكوينهم بطريقة علمية ومهنية جيّدة”، لافتا إلى أن “80 في المئة منهم صالحون للإدماج في المؤسسات التربوية و20 في المئة غير صالحين للإدماج، ويمكن أن يكونوا موظّفين داخل الإدارة”.
وتابع “تم رفض تلك المقترحات من قبل نقابات التعليم، لأن الملف سياسي بالأساس واستخدمته مختلف الأطراف وضغطت من خلاله النقابات على الحكومات المتعاقبة”.
ومن غير المعروف ما إذا كان المدرسون النواب مشمولين بخطة مراجعة التعيينات التي لوحت الحكومة بتطبيقها خاصة مع تزايد الانتقادات الموجهة لهؤلاء بشأن كفاءتهم، ما يطرح تساؤلات حول معايير تعيينهم.
ودخل الأساتذة النواب (المعوضون) في تونس في إضراب مفتوح عن العمل، بداية من الاثنين، بكافة المؤسسات التربوية، وذلك احتجاجا على ما اعتبروه “سياسة المماطلة والتسويف” التي تعتمدها وزارة التربية التونسية في التعامل مع ملفهم.
وترى نقابات التعليم المدافعة عن الحقوق المهنية للمربين، أن وزارة التربية تنكّرت لمطالب هؤلاء بعد أن تعهدت بانتدابهم رسميا على دفعات، مؤكّدة على تمسّكها بحلحلة الملف بعيدا عن الصيغ القانونية التي تتعارض مع المطالب.
وصرح المنسق الوطني للأساتذة النواب مالك العياري بأنّ “الأساتذة النواب كانوا قد انطلقوا في تنفيذ حركة احتجاجية رمزية منذ بداية الأسبوع الجاري تتمثل في رفع الشارة الحمراء بكافة المؤسسات التربوية تقريبًا، كتعبير عن رفضهم لسياسة التلكؤ والتسويف والمماطلة التي تنتهجها وزارة التربية أمام مطالبهم”.
وأضاف العياري “إنّ مطالبنا لم تعد قطاعية وإنّما أصبحت مطالب اجتماعية بحتة، لأننا اليوم نطالب بتنزيل العقد لنتمكن من الحصول على أجورنا وتسوية وضعيتنا” مذكّرا بأنّ ملفّ الأساتذة النواب عالق منذ حوالي 16 سنة، وهناك من الأساتذة النواب من تجاوز سنهم الـ50 سنة، وهم يمثلون 14 في المئة من الأساتذة النواب، ناهيك عن كون من تجاوز سنهم الـ40 سنة يمثلون 40 في المئة من الأساتذة النواب الذين يبلغ عددهم 9500 أستاذ نائب.
ويأتي قرار مقاطعة التدريس جرّاء عدم تفعيل اتفاقية الثالث والعشرين من مايو الماضي والتي تنص على تسوية وضعيات الأساتذة النواب وفق قاعدة بيانات محينة بالنسبة لنواب 2008 – 2016 ونواب 2016 – 2023.
ويرى مسؤولون سابقون في وزارة التربية أن الاهتمام بالتربية والتعليم ليس من أولويات الحكومات المتعاقبة ولا توجد إرادة سياسية لذلك.
ويواصل الأساتذة النواب تحركاتهم الاحتجاجية للمطالبة بتسوية وضعيتهم وتطبيق اتفاقية الثالث والعشرين من مايو 2023، وذلك بعد رفع الشارة الحمراء وتنظيم يوم غضب الخميس الماضي.
وقال فريد الشويخي، الخبير في علم النفس التربوي، إن “وضعية الأساتذة النواب منذ أكثر من 20 سنة، وعددهم في حدود 10 آلاف بين أساتذة ومعلمين نواب”.
وأكّد لـ”العرب” أن “الملف رافقته عدّة رهانات سياسية لأن نقابة التعليم من أقوى النقابات في البلاد، والحكومة الحالية وجدت إرثا كبيرا من الملفات”.
واعتبر الشويخي أن “الملف لا يحلّ بعزلة عن بقية الملفات، ويجب تخصيص ميزانية معينة، لأن كل المنظومة التربوية في حاجة إلى الإصلاح والمراجعة، كما يجب أن يكون ملف التعليم أولوية حكومية”.
وتلجأ وزارة التربية سنويا إلى سداد الشغورات بالتعويل على الأساتذة المعوضين، إما بعقود هامشية أو بالتأجير حسب عدد الساعات التي يقوم بها المدرس وتلجأ إليها الوزارة عندما تكون الفترة الزمنية قصيرة.