ضوء أخضر للإعلام الجزائري لاستئناف مهاجمة الإمارات

بإيعاز من النظام

الجزائر

تواصل وسائل إعلام جزائرية استهداف الإمارات بتقارير تحمل بصمات توجيهية لدفع علاقات البلدين إلى القطيعة، رغم أن الاستهداف المتواصل منذ عدة أشهر لا يحظى بإجماع دوائر القرار الجزائري.

وتمت إقالة وزير الاتصال السابق محمد بوسليماني بسبب الحملة، لكن استمرار الحملة في عهد الوزير الجديد محمد لعقاب يوحي بأن المسألة تتعدى الوزير المشرف على الإعلام، ويؤكد وجود تيار قوي داخل السلطة يدفع إلى التصعيد مع أبوظبي من بوابة المزايدات حول غزة وموضوع التطبيع.

وجددت صحيفة “الخبر” الخاصة حملتها المستهدفة للإمارات، بواسطة تقارير تحمل بين سطورها مخططا يدفع باتجاه المزيد من التوتر بين البلدين، والدفع بهما إلى القطيعة، حيث ذكرت في تقرير تصدّر صفحتها الأولى ضمن أحد أعدادها الأخيرة أن “الشاباك الصهيوني يتحكم في الأمن الإماراتي”، مستندة إلى معطيات وهمية هدفها استثمار الحرب في غزة والغضب الشعبي على سياسات إسرائيل للإساءة إلى الإمارات.

ويضاف التقرير إلى تقارير سابقة، يهدف محتواها إلى شحن الرأي العام المحلي والعربي، ضد ما تسميه الصحيفة بـ”دور إماراتي في تخريب وتطويع المنطقة العربية لصالح العدو الصهيوني”، كما هو شأن التقارير التي نشرت في الصيف الماضي واتهمت فيها أبوظبي بتبني سياسة العداء والمناورة ضد المصالح الجزائرية.

ويعمد النظام الجزائري إلى توجيه الاتهام إلى أي دولة يختلف معها باستعادة مفردات قديمة من زمن الحرب الباردة، من نوع “التجسس” و”المس بالمصالح العليا للجزائر”، وهي تهم جاهزة تحتاج فقط إلى إشارة من جهة نافذة لتصبح محور حديث وسائل الإعلام الجزائرية.

وسجل الخطاب الإعلامي الجزائري تحولا مفاجئا تجاه الإمارات منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون، وقدوم قيادة عسكرية جديدة يديرها الجنرال سعيد شنقريحة، خلفا لقائد الأركان السابق الجنرال أحمد قايد صالح، الذي كان دائم التردد على دولة الإمارات خاصة في الفترة الانتقالية التي عاشتها البلاد بين 2019 و2020.

ولم يقتصر الشحن الجزائري ضد أبوظبي على وسائل الإعلام، بل تعداها إلى قوى سياسية وحزبية، على غرار حركة البناء الوطني الإخوانية، التي اتهم رئيسها عبدالقادر بن قرينة في أكثر من مناسبة دولة الإمارات بـ”المناورة والتآمر على الجزائر وعلى المنطقة عموما، بالتواطؤ مع إسرائيل والمغرب”.

لكن الحملة التي تكفلت بها صحيفة “الخبر” الخاصة، باعتبارها قاطرة الإعلام المكتوب في الجزائر منذ عدة عقود، وتشكيلها مصدرا مهما لباقي الصحف والمواقع، لا تعكس موقفا رسميا في الجزائر؛ حيث لم يصدر إلى حد الآن أي تعليق أو تصريح بشأن الأزمة الصامتة بين البلدين، ما يرجح أن الحملة تعكس رغبة تيار داخل السلطة لا تحظى بالإجماع.

ويرى المتابعون أن غياب الإجماع بين صناع القرار في الجزائر يسمح باستمرار الحملة على الإمارات؛ لأنه ليس بإمكان أي جهة، سواء التي تقف وراء الحملة أو الجهة المهادنة، حسم الموقف لصالحها.

ويبدو أن المسألة لا ترتبط بأداء وزير معين في إدارة الشحن الإعلامي الجزائري ضد دولة الإمارات؛ فقد أقيل الوزير بوسليماني واستُقدم لعقاب كوزير جديد للقطاع ، وهو من الشخصيات المقربة من الرئيس تبون، لكن الحملة مستمرة، الأمر الذي يقود إلى استنتاج أن جهة نافذة داخل السلطة هي التي تقف خلفها، خاصة وأن صياغة التقارير المعادية للإمارات تتم بالمفردات نفسها، ما يوحي بأنها تتم خارج قاعات التحرير.

وعادة ما يكون دور وزارة الاتصال الجزائرية محدودا في توجيه الأداء أو الخطوط الإعلامية لوسائل الإعلام المحلية، ويقتصر تدخلها على قضايا شكلية وعلى مؤسسات ذات نفوذ محدود، بينما تصاغ السياسات الإعلامية المؤثرة داخل أسوار مؤسسات من الوزن الثقيل كرئاسة الجمهورية وجهاز الاستعلامات وبعض الدوائر النافذة الأخرى.

وتتجاهل الإمارات الحملات الإعلامية الجزائرية المتكررة وتحافظ على استمرار أنشطتها الاقتصادية والتجارية، مثل استحواذ موانئ دبي على ميناءي العاصمة وجن جن بمحافظة جيجل في شرق البلاد ومركّب تجميع المركبات العسكرية لعلامة مرسيدس الألمانية وشركة “مدار” للتبغ التي تستحوذ هي الأخرى على نادي شباب بلوزداد الناشط في دوري المحترفين.

واستعداء الإمارات ما هو إلا استمرار لسياسة جزائرية تقوم على الإمعان في خلق الأعداء بلا سبب، ولو أدى ذلك إلى المس بمصالح الجزائر نفسها. وبالإضافة إلى المغرب افتعلت الجزائر توترا حادا مع إسبانيا وبرودا مع فرنسا بسبب الاستغراق في معارك الماضي، ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تقاربها مع الصين وروسيا.