غلاء أسعار زيت الزيتون يثير جدلا في تونس

مع كل موسم جديد لجني الزيتون في تونس، تتصاعد أصوات المستهلكين المتشكية من غلاء أسعار الزيت البكر في الأسواق، مقابل تشكيات أخرى من المزارعين والمنتجين من تدني الأسعار بالمقارنة مع تزايد كلفة الإنتاج من سنة إلى أخرى، وسط مطالب متزايدة من الطرفين بضرورة تدخل الدولة لاحتواء الأزمة.

جودة رفيعة للزيت التونسي في العالم

تونس

أثار غلاء أسعار زيت الزيتون جدلا واسعا في الأوساط الاجتماعية التونسية، ما دفع وزارة التجارة وتنمية الصادرات إلى إجراء تعديلات في مستوى الأسعار، من خلال توفير المادة الاستهلاكية في السوق وبيعها بسعر تفاضلي مناسب للقدرة الشرائية للمواطنين.

ويأتي ذلك استجابة لدعوات الرئيس قيس سعيد الذي حث في وقت سابق على اتّخاذ إجراءات عاجلة لوضع حدّ للمضاربة والاحتكار والارتفاع غير المقبول لأسعار عدد من المواد الغذائية، لاسيما زيت الزيتون.

وبالمقارنة مع الموسم الزراعي الماضي، فقد زاد سعر اللتر الواحد من زيت الزيتون بقرابة النصف، حيث تجاوز في الأيام الأخيرة 25 دينارا (8.03 دولار)، مقابل 14 دينارا (4.5 دولار) في العام الماضي.

وعزا خبراء ومزارعون ذلك إلى تزايد كلفة الإنتاج التي تتداخل فيها عوامل عدة، أبرزها شح المياه وتواصل تأثيرات الجفاف، وغلاء أجور اليد العاملة، فضلا عن غلاء أسعار الأسمدة الكيميائية ونفقات النقل وغيرها.

في المقابل، تزداد تشكيات المستهلكين في الأسواق والمحال التجارية من غلاء أسعار الزيت الذي يعد من أبرز المواد الاستهلاكية التقليدية في وجبات التونسيين، وسط تصاعد أصوات تطالب الهياكل المشرفة بضرورة التدخل وتعديل الأسعار.

وأكد الرئيس المدير العام للديوان الوطني للزيت حامد الدالي، الاثنين، أنه “تبعا لتوصيات الرئيس قيس سعيد بهدف توفير كميات كافية من زيت الزيتون البكر للتونسيين سيشرع الديوان في بيع لتر الزيت البكر الممتاز إنتاج هذا العام بداية من يوم 15 ديسمبر الجاري بـ15 دينارا (4.82 دولار)”.

وأوضح الدالي في تصريح لإذاعة محلية أنّ “هذا السعر لا يهمّ سوى الكميات التي سيتمّ توفيرها في إطار هذا البرنامج الذي تمّ الاتفاق عليه بين منتجي زيت الزيتون ووزارتي الفلاحة والتجارة وديوان الزيت والذي قدر بـ10500 طن (11 مليون لتر)”، مشيرا إلى أنّ “المعاصر ستواصل اعتماد الأسعار الاعتيادية لهذه المادة في السوق”.

وتعتبر تونس أحد أبرز منتجي زيت الزيتون في العالم وبجودة عالية، حيث تملك البلاد أكثر من 100 مليون شجرة زيتون، حوالي 75 في المئة منها منتجة. وتنشط في تونس قرابة 1750 معصرة و15 وحدة تكرير و14 وحدة لاستخراج زيت الثفل، إلى جانب 35 وحدة معالجة وتعبئة.

لكن القطاع يعاني من صعوبات عديدة أدت إلى تراجع كبير في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة جرّاء التغيرات المناخية وقصور دور الدولة في إيجاد الحلول اللازمة لدعم المزارعين في هذا القطاع الحيوي.

وأفاد أنيس الخرباش عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، أن “كلفة إنتاج زيت الزيتون ارتفعت مقارنة بالسنة الماضية بما بين 15 و20 في المئة، بسبب نقص المياه وتواصل مواسم الجفاف”.

وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “كلفة اللتر الواحد من الزيت تقدّر بـ1.4 دينار (0.450 دولار)، والمزارع يبيعها بـ18 دينارا (5.78 دولار)، لكن تدخل الديوان الوطني للزيت بناء على تعليمات من الرئيس قيس سعيد، وتم إقرار سعر اللتر الواحد المعلّب بـ15 دينارا في المحلات والمساحات التجارية الكبرى، وهو سعر مناسب”.

وأضاف الخرباش “من المستبعد أن يختفي الزيت في الأسواق بعد هذا الإجراء”، لافتا إلى أن “استهلاك تونس السنوي من زيت الزيتون يبلغ 30 ألف طن، فيما تقدر كمية الإنتاج المتوقعة لهذا الموسم في حدود 220 ألف طن، 190 ألف طن منها مخصصة للتصدير”.

وأشار إلى أنه “يجب الفصل بين الأسعار المخصصة للاستهلاك المحلي للتونسيين والأسعار الموجهة للتصدير، وهو ما قد يفتح الباب أمام ممارسات المضاربة في كمية 20 ألف طن مخصصة للاستهلاك الداخلي”.

ويقدر معدل الصادرات التونسية السنوية من زيت الزيتون خلال العقد الأخير بما لا يقل عن 145 ألف طن، يذهب أغلبها إلى الأسواق الأوروبية حيث تمثل الصادرات قرابة 80 في المئة من الإنتاج المحلي.

ويدرّ تصدير زيت الزيتون على تونس، وهي أول منتج للزيتون البيولوجي، نحو مليار دينار (620 مليون دولار)، ويشكل 40 في المئة من مجموع الصادرات الغذائية.

وقال عمار ضيّة رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك “نرفض غلاء أسعار زيت الزيتون وغيره من المواد الاستهلاكية، حيث تجاوز سعره هذه السنة المقدرة الشرائية للمستهلك التونسي، ووصل سعر اللتر الواحد إلى أكثر من 25 دينارا (8 دولارات)، وهي أسعار موجهة للتصدير”.

وأكد لـ”العرب” أن “زيت الزيتون قطاع حرّ، والأسعار التي فرضت من قبل المنتجين تفوق الطاقة الشرائية للمواطن الذي يستهلك ما بين 50 و60 لترا من الزيت في السنة”.

وأشار إلى أنه “تم توفير الزيت بشروط ويشرف عليه ديوان الزيت حتى لا يتم التلاعب بالأسعار أو احتكار المادة”.

ويمثل الاستهلاك التونسي معدل 1 في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي، في حين يرتفع الاستهلاك في سوريا والمغرب ولبنان.

ويكتسي الزيتون أهمية كبرى في تونس إذ تقدر مساحة الغراسات بنحو 2 مليوني هكتار مما يؤهلها لتكون الثانية عالميا على مستوى المساحة بعد إسبانيا وهي من ضمن الأربعة الكبار المنتجين لزيت الزيتون.

وفي وقت سابق أكد كاتب عام جامعة منتجي الزيتون باتحاد الفلاحين محمد النصراوي في تصريحات صحفية أن “قطاع زيت الزيتون يعد قطاعا حيويا يعيش منه 300 ألف مزارع في تونس”.

وكشف شحّ المياه في السنوات الأخيرة عن واقع صعب يمر به المزارعون خصوصا، ما عمّق أزمة تونس الاقتصادية التي تعاني منها جراء تراجع العديد من القطاعات الإنتاجية الإستراتيجية.