خامنئي في مأزق المفاوضات: ازدواجية الخطاب واعتراف غير مباشر بالهزيمة
خامنئي في مأزق المفاوضات: ازدواجية الخطاب واعتراف غير مباشر بالهزيمة

في لحظة حساسة تمرّ بها إيران، حيث يشتدّ الضغط الداخلي وتتصاعد التهديدات الخارجية، لم يجد الولي الفقيه علي خامنئي بدًّا من القبول بمبدأ التفاوض مع الولايات المتحدة

خامنئي في مأزق المفاوضات: ازدواجية الخطاب واعتراف غير مباشر بالهزيمة
في لحظة حساسة تمرّ بها إيران، حيث يشتدّ الضغط الداخلي وتتصاعد التهديدات الخارجية، لم يجد الولي الفقيه علي خامنئي بدًّا من القبول بمبدأ التفاوض مع الولايات المتحدة، بعد أن كان يصفه بأنه “عمل غير شريف وغير عاقل”. لكن، وبينما التزم الصمت لأيام، خرج أخيرًا بلغة مبهمة تنمّ عن حرج داخلي وارتباك سياسي غير مسبوق.
في لقائه برؤساء السلطات الثلاث في 15 أبريل 2025، قال خامنئي:
“لا ينبغي أن نكون مفرطين في التفاؤل أو التشاؤم تجاه هذه المحادثات، هي خطوة تقررت وبدأ تنفيذها، ويجب متابعتها بدقة… المحادثات قد تنجح أو تفشل. نحن لا نثق بالطرف المقابل، لكننا نثق بإمكاناتنا.”
هذه العبارات، رغم تحفّظها الظاهري، تحمل في طيّاتها تراجعًا تكتيكيًا حذرًا أمام تصاعد الأزمات التي تواجه النظام.
طعنة للجناح المسمّى بالإصلاحي داخل النظام
في نفس الكلمة، لم يُخفِ خامنئي هجومه غير المباشر على الجناح المسمّى بالإصلاحي داخل نظام الملالي، حين قال:
“لا تربطوا مصير البلاد بالمفاوضات، هذا خطأ ارتكبناه في الاتفاق النووي السابق.”
كأنما أراد تحميل جناح حسن روحاني والمقرّبين منه مسؤولية الفشل السابق، والتنصّل من التبعات السياسية، عبر توجيه انتقاد ضمني لنهجهم الذي راهن على الانفتاح والتسويات مع الغرب.
انقلاب في الخطاب خلال شهرين
اللافت أن خامنئي، وقبل شهرين فقط، كان قد صرّح بأن “التفاوض مع أميركا غير عاقل وغير شريف”، معتبرًا أن واشنطن خرقت الاتفاق السابق وانسحبت منه. فكيف عاد الآن إلى طاولة الحوار مع من وصفه بأنه “قاتل قاسم سليماني”؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بشدّة على الرأي العام، وعلى أجنحة النظام المختلفة.
ازدواجية الخطاب: خوف من الداخل والخارج
خطاب خامنئي الحالي لا هو تأييد واضح للمفاوضات ولا رفض قاطع لها، بل هو مزيج من التردد والغموض هدفه شراء الوقت واحتواء الانقسامات المتزايدة داخل النظام.
فمن جهة، يواجه خامنئي تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لوّح بالخيار العسكري وبتشديد العقوبات، ومن جهة أخرى، تُطوّقه أزمات داخلية متفجرة: انهيار اقتصادي، غضب شعبي، واحتجاجات اجتماعية قد تنفجر في أي لحظة.
يعرف خامنئي أن فشل المفاوضات سيفجّر الوضع الداخلي، وأن أي تنازل علني قد يعمّق الانقسامات داخل أجهزته الأمنية والعقائدية.
مناورة للبقاء
يحاول الولي الفقيه أن يُبقي على تماسك قاعدته الأيديولوجية التي لا تزال ترفع شعار “الموت لأميركا”، دون أن يواجه صدمة الانهيار الداخلي. لذلك، يختبئ خلف خطاب “ترقّبي”، يُبقي فيه كل الأبواب مفتوحة، دون حسم، دون مواجهة، ودون مصارحة.
لكن هذه الازدواجية في الموقف ليست إلا علامة على الشلل السياسي الكامل في رأس هرم النظام. فخامنئي لم يعد قادرًا على تقديم رؤية واضحة، ولا على فرض إرادة صلبة، بل هو محصور بين الخوف من الشارع، والرعب من التفكك الداخلي.
توازن على حبل مهترئ
الولي الفقيه اليوم يتقدّم على حبل مهترئ: من جهة الهاوية الاجتماعية، ومن جهة أخرى، الانهيار السياسي. لم يعد يتمتّع بهيبة القائد القوي، ولا حتى بدهاء المناورة القديمة. والتاريخ علّمنا أن نهاية الطغاة كثيرًا ما تبدأ من لحظة الاعتراف الموارب بالهزيمة، حتى وإن تزيّنت بعبارات منمّقة مثل: “نتابع بدقة”، و”لسنا متفائلين ولا متشائمين”.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل تكفي هذه اللغة الرمادية لإنقاذ النظام من السقوط المحتوم؟
الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.