هلع في برلمان النظام الإيراني من الانتفاضة القادمة ضد النظام

هلع في برلمان النظام الإيراني من الانتفاضة القادمة ضد النظام

موسى أفشار

تشهد المدن الإيرانية هذه الأيام موجة متصاعدة من الاحتجاجات تشمل كافة شرائح المجتمع، مما يثير هلعاً متزايداً في دوائر نظام الملالي من تكرار سيناريوهات الانتفاضات العارمة التي هزت أركانه في عامي 2019 و2022.

هلع في برلمان النظام الإيراني من الانتفاضة القادمة ضد النظام

الخلیج بوست

تشهد المدن الإيرانية هذه الأيام موجة متصاعدة من الاحتجاجات تشمل كافة شرائح المجتمع، مما يثير هلعاً متزايداً في دوائر نظام الملالي من تكرار سيناريوهات الانتفاضات العارمة التي هزت أركانه في عامي 2019 و2022. هذا الخوف لم يعد يقتصر على التحليلات الخارجية، بل بات يتجلى بوضوح في السجالات المحتدمة والهلع الذي يصيب أروقة برلمان النظام الرجعي، حيث بدأ ضغط الشارع الملتهب يجد طريقه إلى أعلى مستويات الحكم، كاشفاً عن هشاشة القبضة الأمنية وتآكل الشرعية.

عكست جلسة برلمان النظام الرجعي المنعقدة يوم الأحد، 25 مايو/أيار 2025، حالة الذعر التي يعيشها النظام إزاء اتساع رقعة المظاهرات، والصدامات بين الخبازين وقوات الأمن القمعية في مشهد، وإضراب سائقي الشاحنات، فضلاً عن التداعيات الكارثية لأزمة انقطاع الكهرباء واحتجاجات مختلف الفئات ضد النهب المنظم وظلم الملالي.

اعترافات برلمانية تحت وطأة الغضب الشعبي

في شهادة صارخة على عمق الأزمة، وقف “نيك بين”، عضو برلمان النظام، ليرسم صورة قاتمة للوضع، قائلاً: “أيها السادة، الناس يغمسون خبزهم في دمائهم. شهدنا بالأمس في مشهد تجمعاً حاشداً للخبازين. في بعض أنحاء البلاد، وبسبب سوء الإدارة، تمتنع الحكومة عن دفع مستحقات الخبازين منذ 28 يوماً، رغم أنهم يدفعون حصصهم. ما ذنب هؤلاء الخبازين؟ لقد ارتفعت تكاليف تأمينهم. حقاً، بأدنى قدر من التدبير يمكن إرضاء الخبازين الذين يوفرون الخبز للناس.”

ولم يتوقف “نيك بين” عند هذا الحد، بل كشف عن شلل يصيب قطاعات حيوية أخرى بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، مضيفاً: “لا يمكن أن ينقطع الكهرباء في الشتاء والصيف معاً. في الشتاء لم يكن لدينا وقود، والآن في الصيف أيضاً. يا سيد قاليباف، ارتفع سعر الإسمنت، ويقول صاحب المصنع إن مصنعه متوقف لأنه لا يوجد كهرباء، وعندما يسأل لماذا لا يوجد كهرباء، يقول: لدينا مولدات لكنهم لا يزودوننا بالوقود. معظم مناجم كاشمر وبردسكن متوقفة لأنهم لا يحصلون على وقود لمولداتهم في الصيف. هل مشكلتنا في الوقود أم في البنزين؟ في الشتاء قالوا لا يوجد وقود لذا يجب إغلاق المصانع، والآن في الصيف لا يفترض أن تكون هناك مشكلة وقود. يا سيد قاليباف، سائقو شاحناتنا محتجون، أصحاب المناجم محتجون، أصحاب المصانع محتجون. هذا الكم من الاحتجاجات غير طبيعي. يا سيد قاليباف، حكومة السيد بزشكيان والمسؤولون الذين يجب أن يحققوا رضا الناس، يبدو أن هناك يداً خفية هذه الأيام تدفع الناس نحو الاضطرابات والاحتجاجات والتجمعات. اعلموا يقيناً أن في قصة الخبازين استياءً عظيماً، وكذلك استياء سائقي الشاحنات وأصحاب المناجم وقطاع الإسمنت. حتماً هناك يد في الأمر، هذه الأمور غير طبيعية.”

وفي اعتراف آخر بالوضع المتأزم، قال “بيك دلي”، عضو آخر في البرلمان: “يبدو أننا في وضع حرج وعتبة فاصلة، وبرأيي أن هذه المراجعات وإعادة التفكير مستحيلة دون انسجام ووحدة وطنية… لماذا يتعامل بعض مسؤولينا مع بيت المال والاقتصاد الوطني كأنه عدو أجنبي ينهبونه؟ … نحن نقف على عتبة يجب أن نتخذ فيها القرار الصحيح، ويجب أن نجيب اليوم هذا الجيل الباحث الذي لا يزال ينظر بأمل إلى إرادتنا، فالغد سيكون متأخراً. هم يطلبون منا إن كنا نستطيع إصلاح الأمور، وإن كنا عاجزين أو لا نزال نسعى وراء الصفقات السياسية والاقتصادية الفاسدة، فلنتنحَ عن سدة الأمور من أجل الله.”

محاولات يائسة لاحتواء الغضب

أما رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، ففي محاولة لاحتواء الغضب المتصاعد، خاصة من إضرابات سائقي الشاحنات، لجأ إلى خطاب مخادع، قائلاً بلهجة تنم عن الهلع: “من الضروري معالجة مشاكلهم بقرارات وإجراءات فورية.” وأضاف في كلمته يوم 25 مايو/أيار: “من الضروري أن أشير إلى مشاكل ومطالب سائقي الشاحنات الكادحين هذه الأيام… هذه الشريحة التي تعد من الحلقات المؤثرة في تيار الإنتاج وتأمين السلع في البلاد تواجه مشاكل متعددة… وقد قامت لجنة العمران في المجلس اليوم بعقد جلسة خاصة لهذا الموضوع، آمل أن تسفر عن نتائج إيجابية لحل مشاكل هذه الشريحة إن شاء الله.”

إن هذه التصريحات والاعترافات المتتالية من داخل مؤسسات النظام، والتي تأتي على وقع احتجاجات شعبية لا تهدأ، تكشف بوضوح حجم الضغط الذي يمارسه الشارع الإيراني. لم تعد سياسات القمع والتعتيم الإعلامي قادرة على احتواء حالة الغليان، وبات الخوف من تكرار سيناريوهات الانتفاضات السابقة التي كادت أن تطيح بالنظام، هاجساً يؤرق قادته ويجبرهم على الاعتراف، ولو بشكل جزئي، بحجم الكارثة التي تسببوا بها. إن محاولات إلقاء اللوم على “أيادٍ خفية” أو تقديم وعود معسولة، ما هي إلا دليل إضافي على أن النظام قد فقد القدرة على إيجاد حلول حقيقية للأزمات المتراكمة، وأن ضغط الشارع بدأ بالفعل يهز أركانه العليا، مبشراً بأن إرادة الشعب هي الأقوى في نهاية المطاف.