هدفه الأول الاستيلاء على الثروات
مخطط عثماني للتدخل في القارة السمراء

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
سعت تركيا دومًا إلى استغلال بعض الدول التي تعاني من الأزمات في القارة السمراء، وفرض الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» محاولاته لتحقيق الحلم العثماني وإعادة إحياء الخلافة العثمانية من جديد، تارة بالقوة الناعمة في بعض الدول مثل الصومال وموريتانيا، وتارة أخرى بالتدخل العسكري كحال ليبيا وسابقتها سوريا، فضلًا عن التدخلات السافرة في دول المنطقة الأخرى.
وبرزت أنشطة تركيا في القارة السمراء بتقمص دور القوة الخيّرة التي تدفعها سياستها الخارجية إلى تبني المبادرات الإنسانية، والتي تعكس سعيًا خطيرًا لتنفيذ المخطط لإعادة إحياء للعثمانية الجديدة، وتوسيع النفوذ التركي في أفريقيا.
وفي محاولةٍ للاعتراض على التدخلات التركية بالقارة الأفريقية، ثار الشعب الموريتاني في وجه المخطط التركي، وقام متظاهرون ، الجمعة 4 سبتمبر، بالاحتشاد أمام السفارة التركية في موريتانيا، منددين بالأجندة التركية ودعم الإرهاب والجماعات المتطرفة، خاصةً جماعة «الإخوان» في الدول الأخرى، ومطالبين بالكف عن نهب الثروات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية.
محاولات البحث عن النفوذ
عملت أنقرة على تكثيف أنشطتها ذات الصبغة الخيرية في موريتانيا محاولةً البحث عن النفوذ بداخل البلد الأفريقي، وتصدت الحكومة الموريتانية لتلك الأنشطة، ووضعت حدًا لمحاولات التغلغل التركي من خلال إغلاق الجمعيات التي كانت تتلقى دعمًا مباشرًا من أنقرة.
ويأتي التهديد المباشر في منطقة شمال أفريقيا على كل من تونس والجزائر، فيما يخص التهديدات الأمنية المتمثلة في عدم السيطرة على الأوضاع بشأن الإرهاب، والتخوفات من البنية الأمنية الضعيفة في هذه الدول، التي من الممكن أن تكون ملاذًا آمنًا حينما يضيق الخناق على الجماعات الإرهابية في دول مثل ليبيا، بعد أن فرط العقد بها وتوغلت الميليشيات المسلحة المدفوعة من الجانب التركي.
وبحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن هناك احتمالية لتحول تونس إلى مركز جديد للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، وقاعدة خلفية لإعادة إحياء الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا.
أما الجزائر فهي أيضا واقعة تحت تهديد هذه التنظيمات الإرهابية في حالة الانفلات الأمني والسياسي في ليبيا، على اعتبار أن الجزائر وليبيا يتقاسمان شريطا حدوديًّا بنحو 1000 كلم، ويعد هذا الشريط نشاطًا لشبكات التهريب والجريمة المنظمة.
مظاهر النفوذ التركي في القارة السمراء
في هذا الصدد، قال مصطفى صلاح، الباحث في الشأن التركي، في تصريح لـ«المرجع»، إن مظاهر النفوذ التركي في القارة الأفريقية تعددت من خلال مجموعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي سمحت لها بالتأثير على مجريات الأوضاع في دول القارة بما يتوافق مع مصالحها، فقد استخدمت المنظمات الإنسانية والمساجد والمدارس الدينية والمساعدات الاقتصادية لكي تتمكن من تحقيق أهدافها هناك، الأمر الذي تطور إلى اتفاقيات لإنشاء قواعد عسكرية لها في الصومال وليبيا والسودان.
ويمكن الإشارة إلى أن تلك التدخلات ساهمت في التأثير على مدى الاستقرار السياسي في دول القارة، كما عززت من صور التنافس الإقليمي والدولي للاستيلاء على مقدرات هذه الدول الاقتصادية.
وأردف «صلاح»، أن أهداف تركيا في القارة الأفريقية تتلخص في مجموعة من المؤشرات، أهمها مواجهة نفوذ بعض الدول الأخرى التي تحاول السيطرة على الدول الأفريقية، والتمكن من السيطرة على مجريات الأوضاع الداخلية في هذه الدول بما يضمن صعود أحزاب أو أفراد تابعين لها في تنفيذ أجندتها الإقليمية، والسيطرة على الموانئ والقواعد العسكرية كنوع من أنواع تتويج نفوذها الإقليمي.
وأشار مصطفى صلاح، إلى أن المتتبع لحقيقة هذا الدور يلاحظ أن ثمة انعكاسات سلبية على هذه الدول بما يتعارض مع مصالحها على مختلف المستويات؛ حيث لا توجد دولة من هذه الدول التي تدخلت بها تركيا إلا وتزايد مستوى الصراعات الداخلية والخارجية بها، مثل دورها في ليبيا والصومال ودول القرن الأفريقي وتونس، وهذه الدول تشهد مجموعة متنوعة من التحديات التي تزايدت بسبب هذه التدخلات، وهو الأمر الذي دفع بهذه الدول إلى إعادة النظر مجددًا في طبيعة علاقاتها مع تركيا وحقيقة دورها في القارة، خاصةً أن الدور التركي هناك لم تقتصر آلياته على الوسائل التقليدية، بل تعددت إلى حد تقديم الدعم المالي واللوجيستي لبعض الأحزاب والفصائل التابعة لها لتحقيق مصالحها.
وأضاف، الباحث في الشأن التركي، أن هدف تركيا من هذا الدور في النهاية هو تحقيق ما يسمى بالجيوستراتيجة الحضارية التي تقوم على فكرة إعادة سيطرة تركيا على الدول التي كانت في السابق تابعة للإمبراطورية العثمانية وتقويض بعض الدول العربية التي تواجه استراتيجيتها الإقليمية من خلال العمق الأفريقي، كما تهدف أيضًا إلى وضع نفسها على خريطة الفاعلين المؤثرين في مجريات الأوضاع الداخلية والخارجية ذات الصلة بهذه الدول لكي تضمن استمرار نفوذها على المدى البعيد.