الأمراض المعدية الجديدة تأتي من الحياة البرية
في السنوات الخمسين الماضية، انتشرت مجموعة كبيرة من الأمراض المعدية من الحيوانات إلى البشر بسرعة بعد تعرضها للطفرات وللعمليات التطويرية evolutionary jump. ففي الثمانينيات، نشأت أزمة فيروس نقص المناعة البشرية - الإيدز من القردة، وفي 2004 - 2007 جاء وباء إنفلونزا الطيور avian flu من الطيور، وفي عام 2009 انتشر وباء إنفلونزا الخنازير swine flu. وفي الآونة الأخيرة بداية القرن الحالي، تم اكتشاف متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس Sars) ثم إيبولا Ebola من الخفافيش، والآن يستمر البحث حول فيروس كورونا ووهان الجديد (2019 - nCoV).
- أمراض الحيوانات
وغالبا ما يصاب البشر بأمراض من الحيوانات، ومعظم الأمراض المعدية الجديدة تأتي من الحياة البرية، ويسرع هذه العملية التغير البيئي، كما وأن سرعة السفر بين الدول تساعد على انتشار هذه الأمراض بسرعة أكبر. وهذا مما يشير إلى خطر الإصابة بالأمراض التي تنقلها الحيوانات، ومن المحتمل أن تزداد هذه المشكلة أكثر في المستقبل لأن تغير المناخ والعولمة يغيران طريقة تفاعل الحيوانات والبشر.
وقد أشار تقارير صحافية إلى أن التغير البيئي والمناخي يؤديان إلى إزالة أو تغيير منازل وأماكن الحيوانات وتغيير طريقة عيشها وأين تعيش ومن يأكل الآخر منها. وأيضا، قد تغيرت الطريقة التي يعيش بها البشر - حيث يعيش 55 في المائة من سكان العالم الآن في المدن، مقارنة بـ35 في المائة قبل 50 عاماً. وتوفر المدن الكبرى منازل جديدة للحياة البرية - الجرذان، الفئران، الراكون، السناجب، الثعالب، الطيور، القرود - والتي يمكن أن تعيش في المساحات الخضراء مثل الحدائق، وفي النفايات التي يتركها البشر وراءهم. وغالباً ما تكون أنواع الحياة البرية أكثر نجاحاً في حياتها في المدن منها في البرية بسبب وفرة الإمدادات الغذائية، مما يجعل المساحات الحضرية وعاء ذوبان للأمراض المتطورة.
- أخطار الإصابة
من هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض من الحيوانات؟ يقول البروفسور تيم بينتون Prof Tim Benton رئيس برنامج الطاقة والبيئة والموارد ومدير الأبحاث في فريق المخاطر الناشئة في معهد تشاثام هاوس Chatham House الملكي ببريطانيا، أن معظم الحيوانات تحمل مجموعة من مسببات الأمراض، البكتيريا والفيروسات، التي يمكن أن تسبب المرض، وأن البقاء التطوري للمرض يعتمد على إصابة كائنات حية مضيّفة جديدة أو «مضيفين» hosts جدد - ولذا فإن القفز إلى الأنواع الأخرى هو إحدى الطرق لتحقيق ذلك.
وفي المقابل، فإن أجهزة المناعة في المضيف الجديد new host›s immune systems تحاول القضاء على مسببات الأمراض، وهذا يعني أن الاثنين محبوسان في لعبة تطورية أبدية لمحاولة إيجاد طرق جديدة لقهر بعضهما البعض. على سبيل المثال، توفي نحو 10 في المائة من المصابين خلال وباء سارس عام 2003 مقارنة مع أقل من 0.1 في المائة لوباء الإنفلونزا النموذجي. وفقا لمركز الوقاية من الأمراض الأوروبي (European Center for Disease Prevention and Control).
إن الأمراض الجديدة في كائن حي مضيف جديد، غالباً ما تكون أكثر خطورة، وهذا ما يعطي الأهمية لأي مرض ناشئ. بعض المجموعات أكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض من غيرها، فمن الأرجح أن يعمل سكان المدن الأكثر فقراً في مجال النظافة والصرف الصحي، مما يعزز فرصهم في مواجهة المصادر وناقلات الأمراض. وقد تكون أجهزة المناعة لديهم، أيضاً، أضعف بسبب سوء التغذية والتعرض للهواء الملوث أو الظروف غير الصحية الأخرى، وإذا مرضوا فقد لا يكونون قادرين على تحمل تكاليف الرعاية الطبية.
كما يمكن أن تنتشر العدوى الجديدة بسرعة في المدن الكبرى بسبب الازدحام الشديد - يتنفسون نفس الهواء ويلمسون نفس الأسطح، وفي بعض الثقافات، يستخدم الناس أيضاً الحياة البرية في المناطق الحضرية.
- فيروس كورونا الجديد
حول انتقال فيروس كورونا الجديد من الحيوان إلى الإنسان تحدث إلى «صحتك» الدكتور- مجدي بن حسن الطوخي استشاري الصحة العامة والأمراض المعدية ومدير إدارة الصحة والبيئة بالهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة ومؤلف أول كتاب باللغة العربية عن سارس وإيبولا– مؤكدا أن السبب الرئيسي وراء تفشي الفيروس الجديد في الصين هو العلاقة التغذوية بين الإنسان والحيوان حيث يعتمد السكان في الصين في غذائهم على لحوم الحيوانات البرية وخاصة الخفافيش وقطط زباد النخيل Asian Palm Civet وهذا يمثل خطورة كبيرة بسبب فرصة انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ Zoonotic diseases من الحيوان إلى الإنسان ومنها الكورونا والإيبولا.
ويرجع انتشار الإصابات في إقليم ووهان في جنوب الصين إلى إحدى أسواق المأكولات البحرية وبيع الحيوانات الحية والتي يقبل عليها السكان بشكل كبير ونتيجة لذلك فقد تم إغلاق السوق وفرض الحجر الصحي على كامل الإقليم. وأضاف أن سبب تسمية الفيروس الحالي (بالجديد) أن التسلسل الجيني للفيروس غير معروف إلى الآن على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية قد أفادت في وقت لاحق أن الباحثين قد تمكنوا من عزل الفيروس المسبب للمرض من جسم أحد المصابين وهناك محاولات لتحديد التسلسل الجيني للفيروس المعزول.
* كيف تحدث الإصابة بفيروس كورونا الجديد؟ يجيب الدكتور مجدي الطوخي بأن الإصابة تحدث عندما يهاجم الفيروس الخلايا الطلائية الهدبية Ciliated epithelial cells في منطقة الأنف والبلعوم من خلال مستقبلات أمينو ببتيداز Aminopeptidase N receptors أو مستقبلات حمض السياليك Sialic acid. وعند مهاجمة الفيروس للخلايا تحدث الانقسامات الداخلية ويؤدي ذلك إلى تلف الخلايا الطلائية ثم تنطلق خلايا الكيموكاينز Chemokines والإنترلوكينز Interleukins وهي خلايا بروتينية متناهية الصغر لها دور مهم في سير رد الفعل المناعي للجسم، ويعقب ذلك ظهور أعراض المرض والتي تتشابه مع أعراض الإنفلونزا.
أما في حالة إصابة الجهاز التنفسي فتكون عن طريق مستقبلات إنزيم أنجيوتنسن 2 المتحول Angiotensin converting enzyme 2 receptor وفي هذه الحالة يمكن الكشف عن الفيروس في الدم والبول. وهناك اعتقاد كبير بين العلماء والباحثين أن المسبب هو نوع جديد من عائلة الفيروس التاجي فيروس الكورونا (coronavirus).
وبمقارنة التسلسل الجيني للفيروس، ظهرت النتائج التي تفيد بالتشابه بينه وبين فيروس سارس الذي انتشر في الصين أعوام 2002 و2003.
وإذا افترضنا التشابه بين الكورونا الجديد مع السارس، فنذكر أن سارس هو أحد أفراد عائلة الفيروسات التاجية والتي تصيب الإنسان والحيوان والطيور ويتميز هذا الفيروس بأنه من النوع المغلف Enveloped وحيد الجديلة Single stranded ويبلغ قطره 80 - 130 نانوميترا وطوله 30 كيلوبايت وينقسم في داخل سيتوبلازم الخلايا المصابة. يحتوي على مورث غير مجزأ من الأحماض النووية (الرانا) RNA (7x10 6 دالتون) ويوجد الغطاء النووي Nucleocapsid حلزونيا Helical في قطر يبلغ 7 - 9 نانوميترات داخل الدقيقة الفيروسية، والدقائق متغيرة الشكل Pleomorphic.
- الملامح الإكلينيكية
تسبب فيروسات كورونا بشكل عام أعراضا تشبه الإنفلونزا، حيث تصيب المسالك التنفسية، وتسبب أيضاً رشحاً التهابياً وإفرازات أكثر مما ينتج عن الفيروسات الأنفية ويحدث أيضا التهاب في البلعوم. وعلى النقيض من الفيروسات الأنفية، فإنها يمكن أن تصيب المسالك التنفسية السفلى، مسببة أعراض الالتهاب الرئوي الشهيرة التي تتضمن الحمى، الألم في الصدر عند التنفس أو السعال، الغثيان والإسهال.
وفي السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC بأميركا قانون مراقبة السفر من الدرجة الأولى، مع التوصيات التالية:
* غسل الأيدي جيداً.
* تجنب الحيوانات، وأسواق الحيوانات.
* التحذير من التواصل مع الأشخاص الذين تبدو عليهم الأعراض المذكورة أعلاه.
- فيروس شديد... وجهود لدرء وبائه
> ما هي قوة عدوى فيروس كورونا ووهان؟ يشار إلى معدل الهجوم وقابلية الانتقال والعدوى (مدى انتشار المرض) للفيروس من خلال رقمه التكاثري (Reproductive number، Ro)، والذي يمثل متوسط عدد الأشخاص الذين يصابون بالمرض من شخص واحد مصاب.
وتشير دراسة أكثر حداثة للدكتور زيدونغ كاو Zhidong Cao وزملائه، في 29 يناير 2020 إلى أن معدل Ro الفعال يصل إلى 4.08، وهي نسبة تتجاوز قيمتها إلى حد كبير تقديرات منظمة الصحة العالمية (التي أجريت في 23 من الشهر نفسه) بين 1.4 و2.5، وكذلك التقديرات الحديثة بين 3.6 و4.0. وبناءً على هذه الأرقام، تقوم كل حالة من حالات فيروس Novel Coronavirus المؤكدة بإنشاء وخلق، في المتوسط، 3 إلى 4 حالات جديدة. وأي وباء متفش سوف يختفي تدريجياً إذا كان رقمه التكاثري أقل من 1 (Ro<1)، ومثال ذلك الإنفلونزا الشائعة. وقد بُذلت جهود مكثفة لاحتواء الوباء منها: بناء مستشفى جديد في مدينة ووهان، في ثمانية أيام، يسع لعلاج 1000 من المصابين بالفيروس، والانتهاء من بناء مستشفى ثان في ليشنشان يوم الأربعاء الماضي 5 فبراير (شباط).
وأعلنت تايلاند توصلها لعلاج يشفي من مرض فيروس كورونا. وتتعاون شركة الأدوية البريطانية «غلاكسوسميثكلاين بي إل سي» مع «التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة»؛ للمساهمة في جهود تطوير لقاح مضاد لتفشي فيروس كورونا.
> مستجدات فيروس كورونا ووهان الجديد حتى لحظة تحرير المقال
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس كورونا حالة طارئة عالميا للصحة العامة. ووفقا لموقع العالم مترز worldometers.info-coronavirus-) و(الموقع الرسمي لشبكة تلفزيون الصين العالمية CGTN.com) حتى 4 فبراير 2020:
وفقاً لموقع العالم مترز worldometers.info-coronavirus والموقع الرسمي لشبكة تلفزيون الصين العالمية CGTN.com
6 فبراير (شباط) 2020:
عدد الحالات المؤكدة: 28.349. منها 3.863 (14 في المائة) حالتهم حرجة
> عدد الوفيات: 565 (نسبة الوفاة 2 - 3 في المائة)،
> عدد المتعافين: 1387
> معدل الإصابة: 3 - 4 إصابات جديدة من كل حالة واحدة مؤكدة.
> ظهور حالة جديدة واحدة في أستراليا، حالتين في تايوان، 1 حالة في هونغ كونغ، وحالتين في ماليزيا.
> عدد الدول التي وصلها الوباء: 28 دولة.
وأخيراً، من الملاحظ أن المجتمعات والحكومات تميل إلى التعامل مع كل مرض معد جديد على أنه أزمة مستقلة، بدلاً من إدراك أنها من أعراض كيفية تغير العالم، لأنه كلما قمنا بتغيير البيئة، زاد احتمال تعكيرنا في تعطيل النظم الإيكولوجية وتوفير فرص ظهور المرض. تم توثيق نحو 10 في المائة فقط من مسببات الأمراض في العالم، ولا زلنا بحاجة إلى مزيد من الموارد لتحديد الـ90 في المائة الباقية - وتحديد الحيوانات التي تحملها. على سبيل المثال، كم عدد الفئران الموجودة في لندن وما هي الأمراض التي تحملها؟
إن الأمر يتعلق بتغيير طريقة إدارة بيئاتنا وكيفية تفاعل الناس معها. فكثير من سكان المدن يقدرون الحياة البرية في المناطق الحضرية ولكن يجب عليهم أن يدركوا أيضاً أن بعض الحيوانات تحمل أضراراً محتملة. وعلى المسؤولين تتبع الحيوانات التي تصل حديثاً إلى المدن وما إذا كان الناس يرعونها في منازلهم أو يأكلونها أو يجلبونها إلى الأسواق.
وأيضا، فإن تحسين الصرف الصحي والتخلص من النفايات ومكافحة الآفات هي طرق للمساعدة في وقف عدوى هذه الأمراض وانتشارها.