طهران تتعّهد بعدم السقوط..
هل يقوّض اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زاده الخطط الدبلوماسية لبايدن؟

موت فخري زاده فضح حياته السرية
جاءت عملية اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، في وقت حسّاس من شأنه أن يعقد خطط الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لاستئناف الحوار مع إيران.
وشكلت عملية الاغتيال احراجا كبيرا لطهران، ففيما يسعى الشق الصقوري للتصعيد تنبري الجهات الأقل راديكالية إلى احتواء أي تمش ينذر بتفجير في المنطقة.
وفي هذا السياق، تعهدت إيران الأحد بعدم "السقوط في فخ" إفشال أي محادثات مستقبلية مع الحكومة الأميركية المقبلة بقيادة بايدن.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الايرانية، علي ربيعي، إن "سياسات إيران العلمية والدفاعية لن تتغير بسبب اغتيال عالم أو جنرال"، مشددا على أن بلاده "يجب ألا تقع في فخ ربط الاغتيال بالمفاوضات النووية السابقة".
وكان العالم النووي الإيراني فخري زاده وعدد من حراسته الأمنية، قتلوا في اشتباكات مسلحة وقعت في شرق العاصمة الإيرانية طهران، الجمعة، فيما يبدو تكرارا لعمليات اغتيال سابقة، ألقت إيران بالمسؤولية عنها على وكالات استخبارات أميركية وإسرائيلية.
وقال ربيعي إن "هذا الاغتيال لن يظل بدون رد، ولكن ذلك لن يحدث في الوقت الذي يريدونه، أو بالطريقة والمكان اللذين يتوقعونهما"، وذلك في إشارة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، مضيفا أن "إيران هي من ستحدد الزمان والمكان".
وتتباين مواقف المحللين الأميركيين بشأن العملية وتبعاتها على رغبة بايدن في عرض “مسار موثوق للعودة إلى الديموقراطية” على الإيرانيين.
ووصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) الأسبق جون برينان، في تغريدة الجمعة، قتل العالم الإيراني بـ”العمل الإجرامي والمتهوّر بدرجة كبيرة”، قائلا إنه يحمل خطر إطلاق “أعمال انتقامية قاتلة وجولة جديدة من النزاع في المنطقة”.
وحضّ برينان الذي ترأّس ال”سي آي أيه” من 2013 حتى 2017 عندما كان باراك أوباما رئيسا وبايدن نائبه، إيران على “انتظار عودة قيادة أميركية مسؤولة إلى الساحة الدولية ومقاومة الرغبة بالرد على الجناة المفترضين”.
وبعد اغتيال العالم النووي الإيراني يبدو أنّ مساعي الرئيس بايدن ستواجه عقبات كثيرة تعرقل استئناف الحوار مع طهران، وستدفع إيران للتمسك بشروطها التي كانت سببا في توتر العلاقات مع الرئيس دونالد ترامب، محملة واشنطن المسؤولية عن مقتل فخري زاده.
واتّهمت إيران إسرائيل بالسعي لإثارة فوضى في المنطقة عبر اغتيال محسن فخري زاده (59 عاما) وألمحت بدرجة كبيرة إلى أن الدولة العبرية حصلت على ضوء أخضر من الولايات المتحدة لتنفيذ العملية.
وذكرت تقارير خلال هذا الشهر أن ترامب كان يعتزم مهاجمة موقع نووي إيراني واجتمع بمستشاريه ليسأل عن الخيارات المتاحة قبل أن يتراجع عن الأمر، وردّت إيران بتوعدها الولايات المتحدة برد ساحق لأي تحرك أميركي ضدها.
ومؤخرا، كثّف ترامب عقوباته على إيران وشركات داعمة لها، ملوّحا بمزيد من العقوبات في الأسابيع القليلة المتبقية له في البيت الأبيض، فيما تؤكد طهران أنها لن تدخل في مفاوضات ما لم ترفع الولايات المتحدة العقوبات.
ويقول مسؤولون إيرانيون إن إيران لن تجري أي محادثات قبل الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف 2021 والمتوقع أن يفوز بها المحافظون المناهضون للولايات المتحدة.
وكان مسؤولون أمنيون اعتبروا أنه يجب عدم توقع الكثير من التنازلات من الجانب الإيراني.
وجاءت تلك الدعوات قبيل عملية اغتيال فخري زاده التي من شأنها أن تدفع إيران إلى التمسك بمواقفها ورفض أي جهود من الرئيس الأميركي الجديد لاستئناف الحوار.
وبينما كانت واشنطن تعيد حاملة الطائرات الأميركية “يو إس إس نيميتز” مع مجموعتها من السفن الحربية إلى منطقة الخليج وسط إصراراها على أن لا علاقة بين الخطوة وعملية الاغتيال، حذّرت ألمانيا السبت من أي “تصعيد” جديد.
وقال متحدث باسم الخارجية الألمانية “ندعو جميع الأطراف إلى تجنّب القيام بأي تحرّك قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في الوضع” وهو أمر “لا نريده إطلاقا في هذا الوقت”.
وأضاف أنه “قبل أسابيع على تولي حكومة جديدة السلطة في الولايات المتحدة، يجب المحافظة على الحوار مع إيران لحل النزاع بشأن برنامجها النووي عبر التفاوض”.
ويتفق المتخصص في مجال الدفاع لدى جامعة جورج واشنطن بن فريدمان مع هذه الرؤية قائلا إن عملية القتل كانت “عملا تخريبيا ضد الدبلوماسية والمصالح الأميركية وستساعد على الأرجح المتشددين الإيرانيين الذين يسعون إلى (امتلاك) الأسلحة النووية”.
ويقول مراقبون أن من بين العقبات التي تواجه بايدن في مسعاه لمعاودة فتح مسار للتهدئة مع إيران افتقادها الثقة في واشنطن، وهو ما كرسه ترامب بانسحابه من الاتفاق.
وكان مسؤول متشدد مقرب من مكتب الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قال الشهر الماضي: "لماذا ينبغي لنا أن نثق في بايدن؟ إنه مثل أوباما. لا يمكن الوثوق في الديمقراطيين".
وقال مدير “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات” مارك دوبويتز “لا يزال هناك نحو شهرين قبل تولي جو بايدن السلطة”، ما يعني برأيه أن لدى “الولايات المتحدة وإسرائيل الكثير من الوقت لإلحاق أضرار شديدة بالنظام في إيران وتوفير أوراق ضغط لإدارة بايدن”.
ويعد اغتيال فخري زاده، الذي عاش حياة تكتنفها السرية، ضربة لإيران في ضوء الحراسة اللصيقة التي كان يتمتع بها وابتعاده عن العيون، غير أن مسؤولين إيرانيين يقولون إن إيران لديها شبكة من العلماء لشغل أي فراغ ينشأ.
وكانت حياة العالم الإيراني سرية حتى أن سنه كان سرا من الأسرار المحكمة، غير أن جانبا كبيرا من البرنامج السري الذي يعتقد أنه أداره لصنع سلاح نووي كان معروفا منذ فترة طويلة.
وترى أريان طباطبائي الباحثة في شؤون الشرق الأوسط بصندوق مارشال الألمانية وجامعة كولومبيا إن موت فخري زاده ضربة موجهة لطهران لكنّ “موته لن يغير مسار برنامج إيران النووي بصفة جوهرية”.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها تشتبه أن فخري زاده أشرف على أبحاث سرية لتركيب رأس حربية على صاروخ باليستي واختبار مواد شديدة الانفجار تلائم السلاح النووي وكذلك تخصيب اليورانيوم.
ورغم بقاء فخري زاده في الظل فقد توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2011 إلى أنه الشخص الذي تشير الشبهات إلى أنه رئيس خطة أمد التي يعتقد أنها وضعت قبل حوالي 20 عاما للإشراف على العناصر الرئيسية في برنامج السلاح النووي.
وفي حين أن من المعتقد أن البرنامج العسكري ألغي في 2003 فقد قالت الوكالة الدولية في تقريرها لعام 2011 إن بعض الأعمال المتصلة به استمرت وإن فخري زاده احتفظ “بالدور التنظيمي الرئيسي” وذلك استنادا إلى معلومات من إحدى الدول الأعضاء.
وقالت الوكالة الدولية في “تقييم نهائي” صدر عام 2015 إن ثمة مؤشرات على أن هذه الجهود المعنية توقفت في 2009. لكن فخري زاده كان العالم الإيراني الوحيد الذي ورد اسمه في تقرير 2015.
وفي 2018، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل وضعت يدها على أرشيف ضخم من الوثائق الإيرانية يظهر أن طهران أنجزت أعمالا أكثر مما كان معروفا من قبل.
وقال نتنياهو في استعراض الأرشيف على الوكالة الدولية، “تذكروا هذا الإسم، فخري زاده”.
ويقول دبلوماسيون إن الأرشيف تضمن فيما يبدو معلومات إضافية عن أنشطة تمت خلال فترة قيادة فخري زاده لخطة “آماد” في أوائل سنوات الألفية الثالثة.
وحسب دبلوماسيين فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفقدت منذ ذلك الحين عدة مواقع ربما يكون لها صلة بخطة “آماد” الأمر الذي أدى إلى سد بعض الثغرات في المعلومات دون الكشف عن مجالات جديدة كبرى فيما يتعلق بتصنيع السلاح.
ويشكل حصول إيران على سلاح نووي تهديدا مباشرا لإسرائيل التي تبذل كل ما في وسعها لتظل القوة النووية الوحيدة في المنطقة؛ وهذا ما يفسر تخصيص تل أبيب نسبة كبيرة من اهتمامها ومواردها لإبطاء التقدم في البرنامج النووي الإيراني، من عمليات اختراق واغتيال علماء داخل الأراضي الإيرانية على صلة بهذا البرنامج.
ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن التغييرات والتقلبات في نهج الولايات المتحدة تجاه إيران وبرنامجها النووي، سواء في فترة باراك أوباما أو في فترة بايدن المرتقبة، لا تأخذ في الحسبان الأمن القومي الإسرائيلي، ما يجعل تل أبيب تتصرف بشكل مباشر لضرب المنشآت الإيرانية ومنع أي تقدم في البرنامج النووي قد يهدد أمنها، خاصة في ظل دعوات المسؤولين الإيرانيين المتواصلة إلى إلغاء إسرائيل من الوجود.
ولم تعلّق واشنطن رسميا على عملية الاغتيال التي تمثلت في استهداف مسلّحين سيارة فخري زاده في مدينة أبسرد بمقاطعة دماوند شرق طهران، وفق وزارة الدفاع الإيرانية. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعاد مشاركة منشورات لأشخاص آخرين على تويتر بما في ذلك تغريدة جاء فيها أن العالم “مطلوب لدى الموساد منذ عدة سنوات”، في إشارة إلى جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي.
وكان ترامب أعلن في 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي أبرمته دول كبرى عدة مع إيران وأطلق حملة “ضغوط قصوى” على الجمهورية الإسلامية يبدو أنه عازم على مواصلتها حتى مغادرته السلطة في يناير.
والجمعة، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي زار إسرائيل مؤخرا، عن عقوبات اقتصادية جديدة ضد عدد من الشركات الصينية والروسية المتهمة بدعم برنامج الصواريخ الإيراني.
وقال مسؤول أميركي رفيع كان برفقة بومبيو لدى توقفه في أبوظبي إن “هذه الإدارة باقية حتى 20 يناير وستواصل سياساتها”.
وأضاف “آمل أن يتم استخدام وسائل الضغط هذه التي تعمل الإدارة جاهدة للتزود بها، من أجل تحقيق غرض جيد هو إجبار الإيرانيين مرة جديدة على التصرف كدولة طبيعية”