الأزمة السورية

المعارضة السورية داخل مناطق النظام تصارع للبقاء

تواجه قوى المعارضة السورية في الداخل تعقيدات عدة تكبل عملها في ظل استمرار القبضة الأمنية ووطأة الظروف المعيشية، فضلا عن التدخلات الخارجية التي أضرت كثيرا بالقضية السورية، وانحرفت بها عن مسارها.

حطام في كل مكان

صحيفة العرب

تصارع قوى المعارضة السورية التي فضلت العمل السياسي من داخل مناطق سيطرة النظام للبقاء، في ظل واقع معيشي مرير وقبضة أمنية مشددة تقيد حركات وسكنات قياداتها وكوادرها.

وخلال السنوات الأولى من الصراع واجهت أقطاب المعارضة في الداخل تحديات كبرى، حيث تعرض المئات من عناصرها للاعتقال، ولا يعرف إلى اليوم مصير العديد منهم على غرار عبدالعزيز الخير والقاضي رجاء الناصر، وإياس عياش، وماهر طحان، وغيرهم كثيرون، في مقابل حملة تخوينية ساهمت فيها أيضا بعض أطراف المعارضة التي ارتأت الضغط من خارج سوريا هروبا من الملاحقة.

ولئن خفت نسبيا حملات الاعتقال، بيد أن أعين الأجهزة الأمنية لا تفارق تحركات عناصر المعارضة في الداخل، أضف إلى ذلك الوضع المعيشي الصعب الذي تعانيه أسوة بجموع السوريين، في ظل أزمة اقتصادية خانقة ألقت بمعظم الشعب في غياهب الفقر، حيث اندثرت الطبقة الوسطى لفائدة طبقة تضم أكثر من 90 في المئة من السكان يرزحون تحت خط الفقر في مقابل أقلية نجحت في استغلال ظروف الحرب للاستثراء.

يقول المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية حسن عبدالعظيم “لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل حالة المعارضة الوطنية الديمقراطية داخل الوطن عن واقع الشعب السوري، فهي تلاقي ما يلاقيه المواطن من استبداد النظام الحاكم، وانعدام الأمن والأمان، وغياب أدنى مقومات الحياة الأساسية”.

يضيف عبدالعظيم لـ”العرب”، “لقد تعرضت المعارضة في الداخل خلال السنوات الماضية لعدد كبير من الصدمات، منها الضربات الأمنية المتكررة من النظام السوري، والحملات الإعلامية المضللة فضلا عن ضغوط سياسية مختلفة، ولكنها رغم ذلك ما تزال صامدة ومستمرة”.

وتعتبر هيئة التنسيق الوطنية التي تضم في صفوفها عددا من الأحزاب القومية واليسارية والشخصيات الوطنية والقوى المدنية، أحد أبرز أجسام المعارضة، ونجحت في فرض نفسها كطرف في مبادرات السلام التي لم تحقق أي اختراق حتى الآن رغم مرور نحو عشر سنوات من الحرب.

يقول المنسق العام للهيئة لقد مثلت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي بأحزابها ومستقليها التجمع الأكبر والأهم لمعارضة الداخل، لأنها تبنت منذ تأسيسها في 30 يونيو 2011 مطالب الشعب السوري بالحرية والكرامة كخيار استراتيجي لها. وقد عملت على صياغة الكثير من الوثائق والمبادرات التي تؤكد فيها على مبادئ الوطنية وتطلعات الشعب السوري المشروعة.

وهاجم حسن عبدالعظيم حملات التشكيك وتوصيفات البعض بأنها “وجه تجميلي لنظام قبيح” قائلا إن المعارضة الوطنية الموجودة في الداخل هي نقيض النظام، وهي تسعى إلى تحقيق إرادة ومصالح السوريين بالتغيير الجذري والشامل لنظام الاستبداد وبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية، وإنجاز حل سياسي للحفاظ على ما تبقى من سوريا، أما المجموعات الأخرى فهي شبيهة بالنظام الحالي وغير جادة في العمل على تحقيق التغيير الجذري.

ولهيئة التنسيق اليوم ممثلين ضمن اللجنة الدستورية التي عقدت هذا الأسبوع جولتها الرابعة بإشراف المبعوث الأممي الخاص غير بيرسون دون أن تنجح في تحقيق أي تقدم يمكن البناء عليه، ومن بين أعضاء الهيئة المشاركين في اللجنة أحمد العسراوي الذي تحدث لـ”العرب” عبر الهاتف خلال حضوره في جنيف عن واقع المعارضة والصعوبات التي تواجهها.

وقال العسراوي “نحن عارضنا النظام منذ قيامه وقرارنا السياسي عند انطلاق الثورة الحديثة كان البقاء ومواجهته من الداخل رغم التحديات الأمنية والاعتقالات والتصفيات، وقد عملنا مع قوى المعارضة الفعلية الأخرى منذ العام 1979 على تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي الذي رفع مطلب التغيير الوطني وهذه القوى كانت هي الأساس لتكوين هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي بالتعاون والتشارك مع بعض القوى السياسية والشخصيات الوطنية”.

ويرى العسراوي أن الهيئة على غرار باقي الطيف المعارض في الداخل، تواجه صعوبات مضاعفة في ظل استمرار العقلية الأمنية والضغوط المعيشية، التي تنسحب على عموم المواطنين داخل مناطق النظام الذي يواصل تعنته ويصم آذانه عن معاناة الناس رافضا الإصغاء حتى للأصوات الموالية له.

ويعتقد عضو اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة باستحالة فرض ضغط داخلي على النظام في مناطق نفوذه في الظروف الراهنة وبالتالي هذه المسالة “يجب أن تخرج من حساباتنا وعلينا أن نعمل فقط من خلال قوانا السياسية التي تضغط لأن القاعدة الجماهيرية حتى التي تؤيد مواقفنا ليست لديها الإمكانيات في أن تخرج الآن وتطالب بالتغيير في ظل نظام أمني ليست له علاقة بأي فكر سياسي يمكن أن يقرأ من خلالها أي مطالب شعبية”.

ويشدد العسراوي على أن المعارضة في الداخل مستمرة رغم كل التعقيدات التي تحيط بعملها، يؤيده في ذلك الأمين العام المساعد لحزب الاتحاد الاشتراكي محمد زكي الهويدي الذي صرح لـ”العرب” قائلا “إن القوى الوطنية داخل سوريا نجحت في فرض نفسها بحكم التاريخ والواقع منذ عام 1963، وتضم أطيافا متعددة من القوميين واليساريين والشخصيات المستقلة، وقد استطاعت الحفاظ على نفسها وهي مستمرة بالعمل السياسي رغم القمع والاعتقال في حضرة نظام استبدادي لا يرحم”.

ويرى الهويدي أن المواطن لا يزال لديه أمل بالتغيير الديمقراطي داخل البلد ونيله الحرية والكرامة التي افتقدها منذ خمسين عاما، رغم وطأة الواقع المعيشي الصعب، ولكن يبقى اهتمامه الأكبر هو خلاصه من محنته التي يعيشها على المستوى الاقتصادي.

ويوضح القيادي المعارض بأن “الحياة داخل سوريا أصبحت صعبة على كافة المستويات وخاصة على المستوى الاقتصادي، وإمكانية تلبية احتياجات المواطن السوري اليومية من غذاء ومحروقات للتدفئة وغيرها أصبح من المستحيلات، وهاجس المواطن البحث عن خلاص لا يجده”.

ويلفت إلى أن المعارضة في الداخل تجاهد للبقاء وفرض نفسها في ظل حالة تصحر سياسي ليس وليد السنوات الأخيرة بل يعود إلى سبعينات القرن الماضي، فمنذ ذلك الحين ليست هناك حياة سياسية بالمعنى الفعلي للسياسة داخل سوريا، بل هناك حزب وحيد هو حزب البعث المسيطر على الدولة والمجتمع، ولا يسمح لغيره بالنشاط داخل البلد، ويمثل هذا الحزب الغطاء السياسي لحكم العسكر ولنظام الاستبداد.

ولئن شكلت الظروف الداخلية سواء كانت السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية سببا رئيسيا في ضعف المعارضة السياسية داخل سوريا بيد أنه لا يمكن تجاهل العامل الخارجي في ظل دخول عديد الأطراف الإقليمية والدولية على المسرح السوري منذ تفجر الحراك ومحاولات كل منها تحقيق مصالحه على حساب القضية نفسها.

ويقول حسن عبدالعظيم في هذا الإطار “إن التدخل الخارجي العالي المستوى ساهم بشكل واضح في إضعاف وتهميش قوى المعارضة والحراك الشعبي المدني في الداخل، ومما زاد في تعقيد الأزمة هو تدويل القضية وانخراط الكثير من القوى الإقليمية الدولية فيها، مما أدى إلى تعطيل مؤقت للمعارضة الوطنية الديمقراطية”، لافتا إلى وجود جهود تبذل الآن لتشكيل قطب وطني ديمقراطي في مواجهة النظام، واستعادة المبادرة الوطنية وفرض مصالح الشعب السوري على الطاولة.