حسابات سياسية تعمّق الخلافات

الاستقالات في حركة النهضة مأزق متعدد الأبعاد للغنوشي

تتسارع التفاعلات الداخلية في النهضة، والتي خرجت عن كونها موقفا شخصيا من قبل بعض القيادات إلى ثورة مكشوفة على رئيس الحركة راشد الغنوشي، الذي تسببت مناوراته الهادفة إلى تقوية وضعه في موجة استقالات جديدة من الحركة، انضمت إليها عناصر بارزة في التنظيم الإخواني يتوقع أن تؤدي إلى مأزق أعمق قبل انعقاد المؤتمر الـ11.

قلب الرمال السياسية المتحركة

صحيفة العرب

تعصف موجة جديدة من الاستقالات بحركة النهضة الإسلامية، الذي يرأسها راشد الغنوشي، والذي يواجه مأزقا مُتعدد العناوين، عمقته الكثير من المتاعب التي تُحاصره على مستوى رئاسته للبرلمان، وعلى الصعيد الوطني بشكل عام، جعلت عزلته تتسع أكثر فأكثر وسط حسابات لا تخلو من الرغبة في كسر سطوته من داخل حركته.

وبدأت هذه الموجة، التي تدفع باتجاه تمزيق النسيج التنظيمي لحركة النهضة، بإعلان عضو مجلس الشورى، العربي القاسمي، استقالته، وتلويح رفيق عبدالسلام، صهر الغنوشي، هو الآخر بالاستقالة، ثمّ إعلان النائبة يمينة الزغلامي أنها لن تتحمل لاحقا أي مسؤوليات قيادية في هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

وقالت الزغلامي، في تدوينة فيسبوكية، إنها قررت مغادرة قيادة حركة النهضة، وذلك مباشرة بعد انتهاء اجتماعات مجلس الشورى في دورته الـ47، التي تم خلالها انتخاب نصف أعضاء المكتب التنفيذي الذين سيرافقون الغنوشي في قيادة حركة النهضة إلى غاية تنظيم المؤتمر الحادي عشر المثير للجدل، الذي كان يفترض عقده في ديسمبر الماضي. 

وحاولت الزغلامي، التي تُعتبر واحدة من الرموز النسائية المحيطة بالغنوشي، أن تكون هادئة في هذه التدوينة، لكن ذلك لم يحجب غضبها من عدم ضم اسمها إلى قائمة الذين اقترحهم رئيس الحركة الإسلامية على اجتماع مجلس الشورى لانتخاب أعضاء المكتب التنفيذي الذي عُقد تحت عنوان “رأب الصدع”، لينتهي إلى اجتماع لـ”تعميق المأزق”.

تتالي النكسات

خسر الغنوشي في تلك الانتخابات عددا من المحسوبين عليه، وخاصة منهم صهره رفيق عبدالسلام، والوزير السابق أنور معروف، لكنه استفاد أيضا من سقوط عدد من المناوئين له من مجموعة الـ100، وخاصة منهم النائب فتحي العيادي، ومحسن السوداني، لتُصبح هذه المجموعة مُمثلة في المكتب التنفيذي بالقيادي عبداللطيف المكي فقط.

وسعى رئيس الحركة الإسلامية إلى محاولة التقليل من خسارته من خلال تعيين أربعة مستشارين له ليكونوا ضمن تركيبة المكتب التنفيذي من دون أن يكون لهم حق التصويت، وهم سامي الطريقي، الذي يُعدّ واحدا من القيادات الشبابية، وأحمد قعلول الوزير السابق في حكومة إلياس الفخفاخ المُستقيلة، ورياض الشعيبي العائد حديثا إلى النهضة بعد استقالته منها، ورياض بالطيب الوزير الأسبق في حكومة الترويكا.

وساهم هذا الفرز الذي بدا مقصودا ومُخططا له سلفا في صالح الغنوشي، الذي سعى قبل ساعات قليلة من بدء اجتماعات مجلس الشورى إلى كسر دائرة الأصوات المناوئة له، بطرح صفقة توافقية مع أعضاء مجموعة المئة، سرعان ما تنكر لها كعادته، وذلك بحسب عدد من أعضاء مجلس شورى هذه الحركة الإسلامية.

وعن تفاصيل هذه المناورة، أكدت مصادر “العرب” أن الغنوشي تعهد لمجموعة المئة بأن يكون المكتب التنفيذي الجديد توافقيا، وبعرض ورقة على مجلس الشورى تتضمن المبادئ العامة لهذا التوافق، لكنه عمد فجأة إلى تأخير بدء أعمال مجلس الشورى لمدة ثلاث ساعات أجرى فيها سلسلة من الترتيبات الأخرى مع المحسوبين عليه للانقلاب عليها.

ورفض في سياق تلك الترتيبات تقديم الورقة التوافقية المُتفق عليها على أعضاء مجلس الشورى، حيث اكتفى بأن عرض عليهم قائمتين تضم أسماء المرشحين للمكتب التنفيذي، الأمر الذي أثار استياء وغضب العديد من أعضاء مجلس الشورى الذين رفض البعض منهم التصويت كما يُوضح ذلك البيان الرسمي للحركة الذي أشار إلى أن عدد المشاركين في الاجتماع كان 112 عضوا، صوّت منهم فقط 90 عضوا.

مناورات مفضوحة

بذلك المسلسل، اتضحت ملامح هذه المناورة التي حبكها خلال الساعات الثلاث التي سبقت بدء أعمال الاجتماع، والتي كانت كافية له بتمرير خدعته التي قامت على كسر تماسك مجموعة الـ100، عبر انتخاب واحد فقط منهم هو عبداللطيف المكي، الذي سيجد نفسه محاصرا بأنصار الغنوشي أثناء ترتيبات عقد المؤتمر القادم، خاصة وأنه وفقا للنظام الداخلي يحق للغنوشي اختيار بقية أعضاء المكتب التنفيذي.

لكن مصادر “العرب”، ترى في المقابل، أن نتائج هذه المناورة لن تصمد طويلا بالنظر إلى عمق الخلافات التي تُحيط بالأسس التنظيمية لحركة النهضة التي اهتزت كثيرا خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية نتيجة ممارسات الغنوشي الذي باتت تُحاصره الاتهامات بالتفرد بالرأي، وتهميش القيادات التاريخية لهذه الحركة التي تحوّلت إلى أداة وظيفية لخدمة مصالحه، وأهدافه السياسية.

ولم تستبعد المصادر أن تتسع موجة الاستقالات خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة نتيجة مناورات الغنوشي التي بدأت تهتز تحت وطأة حسابات الواقع السياسي المُتغير، وما يلحق بها من توازنات تتداخل فيها الكثير من العوامل السياسية والتنظيمية، ولاسيما في هذه الفترة التي ازدادت فيها الضغوط على الغنوشي من كل جانب.

وتُرجح المصادر في هذا الإطار، إعلان المكي عن استقالاته في قادم الأيام، وذلك في خطوة تقول مصادر مُقربة من مجموعة الـ100 إنها أصبحت حتمية بعد انكشاف “آلاعيب وخداع الغنوشي الذي لا يتوقف عن خرق النظام الداخلي للحركة، الأمر الذي أفقدها جزءا كبيرا من خزانها الانتخابي، إلى جانب تشويه صورتها التي أضحت مُقترنة بـ:النفاق السياسي”.

وتُظهر وقائع المشهد الحزبي والسياسي المُحيطة بحركة النهضة، اتساعا ملحوظا في دائرة عزلة رئيسها راشد الغنوشي، ليس فقط داخل الحركة، وإنما أيضا على الصعيد البرلماني، حيث تجددت الدعوات لسحب الثقة منه كرئيس للبرلمان، وعلى مستوى علاقاته السياسية برئيس البلاد قيس سعيّد، وكذلك أيضا مع بقية الأحزاب التي فقدت ثقتها فيه.

وتشي هذه التطورات التي ترافقت مع تراجع ثقة رجل الشارع العادي في الغنوشي وسياسته، بأن مُتغيرات واسعة بدأت تفرض إيقاعها على التوازنات الحزبية لجهة الدفع بها حتى تكون مُغايرة لحسابات الغنوشي وحركته التي ستبقى تواجه موجات الاستقالات في قادم الأيام.