الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينجح في إخماد التغطية المستقلة والنقد..
"الصحافة تتحسن في تركيا" رأي أردوغان وليس خبرا كاذبا
يتباهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحسن حرية الصحافة في عهده، غير أن لا أحد في تركيا أو خارجها يرى حقيقة هذه المزاعم على أرض الواقع، والأمر الوحيد الذي نجح في تحقيقه هو إحكام قبضته على وسائل الإعلام بعد ملاحقة الصحافيين أو إبعادهم، وإغلاق منافذ الإعلام المستقلة.
انتقد نائب برلماني تركي معارض أوضاع الصحافة التركية وملاحقة السلطة للصحافيين وحبس أي صوت ينتقد الحكومة، مستنكرا مزاعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الصحافة خلال 16 عاما من حكمه أصبحت أكثر حرية.
وقال توتكو تشاكير أوزير النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، أثناء مناقشة موازنة عام 2020 في البرلمان التركي، الأربعاء “الرئيس أردوغان يقول إن الصحافة أصبحت أكثر حرية في 16 عاما، بينما عدد الصحافيين المعتقلين وصل اليوم إلى 110 صحافيين، وفي عام 2019 فقط، حُكم على 59 صحافيا بالسجن لمدد تصل إلى 200 عام”.
وأوضح البرلماني المعارض أن عدد الصحافيين المعتقلين في تركيا في الفترة بين عامي 2001 و2004 كانوا 10 فقط، ولكن عددهم ارتفع بنحو 10 أضعاف.
وذكر أن عام 2019 شهد إلقاء القبض على 11 صحافيا، لافتا إلى أن تركيا أصبحت في المركز الـ157 بين 180 دولة من حيث حرية الصحافة.
وتثير تصريحات الرئيس التركي بشأن حرية الصحافة في البلاد استغرابا كبيرا داخل تركيا وخارجها، خصوصا مع سيل تقارير المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحرية الصحافة التي تتحدث عن الأوضاع المتردية للصحافيين الأتراك، حتى أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت محاصرة بالرقابة، ويتم جر الصحافيين إلى المحاكمات عند نشرهم أي انتقاد ضد الحكومة وأردوغان.
وكشف تقرير جديد للجنة حماية الصحافيين الدولية صدر الأربعاء، أن العديد من الصحافيين المسجونين حول العالم بما في ذلك تركيا متهمون بأنهم “أعداء للدولة” وبأنهم نشروا “أخبارا كاذبة”.
واحتلت تركيا المرتبة الثانية بعد الصين وفق المنظمة غير الحكومية المعنية بشؤون حرية الصحافة والتي أكدت في تقريرها الأربعاء وجود ما لا يقل عن 250 صحافيا في السجن حول العالم، العدد الأكبر منهم في الصين التي لا يتسامح نظامها مع استقلالية الإعلام.
وأضافت المنظمة أن السلطات التركية يحتجز فيها 27 صحافيا وهو عدد أقل من عام 2018 الذي كان فيه 68 صحافيا خلف القضبان في البلاد. لكن السلطات التركية أغلقت نحو مئة وسيلة إعلامية وأطلقت تحقيقات على خلفية تهم بدعم الإرهاب بحق صحافيين خسروا وظائفهم، وتعرّض آخرين للترهيب.
وتقتصر لجنة حماية الصحافيين في إحصائها السنوي على الصحافيين الذين يثبت أنهم سجنوا بسبب عملهم، ولا تشمل القائمة العديد من الصحافيين الذين احتجزوا وأفرج عنهم على امتداد العام.
ونوهت اللجنة إلى أن تركيا لم تحتل هذه السنة المرتبة الأولى التي احتلتها في السنوات الأربع السابقة بوصفها البلد الذي يسجن أكبر عدد من الصحافيين، بيد أن تراجع عدد الصحافيين السجناء فيها، لم يكن دلالة على تحسن الوضع لوسائل الإعلام التركية، بل يعكس نجاح جهود حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في إخماد التغطية الصحافية المستقلة والنقد من خلال إغلاق أكثر من 100 وسيلة إعلامية وتوجيه اتهامات متعلقة بالإرهاب ضد العديد من موظفيها.
وبعد أن بات قطاع الصحافة منهكا من جراء قيام الحكومة بإغلاق وسائل الإعلام أو فرض السيطرة عليها، وأصبح العشرات من الصحافيين يعيشون في المنفى أو عاطلين عن العمل أو يمارسون الرقابة الذاتية خوفا من القمع، سنت السلطات في 24 أكتوبر حزمة تشريعات أتاحت رفع دعاوى استئناف جديدة بشأن إدانات صدرت بخصوص مخالفات معينة، بما فيها “الدعاية لمنظمة إرهابية”، وهي التهمة المفضلة لدى المدعين العامين، كما قلصت فترات الحبس الاحتياطي.
ومازال العشرات من الصحافيين غير السجناء في تركيا يواجهون حاليا محاكمات أو دعاوى استئناف، ويمكن أن تصدر بحقهم أحكام بالسجن، في حين صدرت أحكام غيابية ضد غيرهم، وهم يواجهون الاعتقال حال عودتهم إلى البلد.
ووفقا لتقارير الأنباء، واجه عدد كبير من الأشخاص في تركيا؛ عشرات الآلاف من عناصر الجيش والشرطة والمشرعين والقضاة والمدعين العامين، إضافة إلى صحافيين، اتهامات بارتكاب جرائم منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، وإلى درجة بات معها جهاز إنفاذ القوانين ونظام القضاء بالكاد قادرين على القيام بوظائفهما.
ووصفت الصحافية سميحة جاهين للجنة حماية الصحافيين كيف أفرج عنها لتخضع للإقامة الجبرية حتى محاكمتها، ولكن بما أن السلطات لم تفرض عليها ارتداء جهاز تعقب إلكتروني، فهي حرة عمليا ولكنها تعيش في خوف من أن تتم ملاحقتها ومن ثم تُعاد فورا إلى السجن.
ومنذ أن بدأت لجنة حماية الصحافيين في بدايات عقد التسعينات تحتفظ بسجلات حول الصحافيين السجناء، ظلت تركيا تنافس الصين وإيران على التصدّر المخزي لقائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين.
وقالت الناطقة باسم اللجنة في وقت سابق من العام الحالي إن “الأحكام الصادرة بحق العشرات من الصحافيين بتهمة القيام بأنشطة معادية للدولة تشكل وصمة مخزية للنظام القضائي التركي، وندعو السلطات إلى إسقاط هذه التهم عند استئناف الحكم، كما يتعين على السلطات التركية التوقف عن مساواة الصحافة مع الإرهاب، وينبغي إطلاق سراح العشرات من الإعلاميين الذين سجنوا فقط لأنهم قاموا بواجبهم المهني”.
وبدوره، يقول المعهد الدولي للصحافة إن عددا كبيرا من القضايا معروض على القضاء التركي منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، ولكنه عاجز عن النظر فيها بشكل ملائم لأن ثلث القضاة كانوا من بين من تم إعفاؤهم من الخدمة بسبب الاشتباه بصلتهم بمحاولة الانقلاب.
وأكد المعهد في تقرير نشره في نوفمبر الماضي أن وضع الإعلام في تركيا لم يتحسن منذ رفع حالة الطوارئ في العام الماضي بعد عامين من فرضها.
وأعلنت تركيا حالة الطوارئ بعد وقت قصير من محاولة انقلاب لم يكتب لها النجاح في 2016.
وذكر المعهد أن المئات من الصحافيين واجهوا منذ محاولة الانقلاب محاكمات بتهم معظمها مرتبط بالإرهاب.
وأضاف “وراء هذه الأرقام تكمن قصة الانتهاكات الجسيمة للحقوق الأساسية ويُحتجز العشرات من الصحافيين أشهرا، وأحيانا أعواما قيد المحاكمة في أخطر التهم ذات الصلة بالإرهاب، وفي كثير من القضايا دون اتهام رسمي”.
وتقول أنقرة إن “الاعتقالات والإقالات والوقف عن العمل إجراءات ضرورية لحماية أمنها القومي باعتبار أن تركيا تواجه هجمات من متشددين أكراد وإسلاميين ويساريين متطرفين”.
ويرد منتقدون على هذه المبررات بالقول إن “الرئيس رجب طيب أردوغان استغل محاولة الانقلاب ذريعة لقمع المعارضة، وتعزيز قبضته على السلطة” وهو الاتهام الذي تنفيه أنقرة.