كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
جارنا محجوب زار بلاد السودان، أقام فيها فترة وجيزة، وعاد منها بشراب الكركدي، وجلباب يتسع لكل أفراد أسرته، وعمامة ضخمة بيضاء فوق رأسه الصغيرة والعنيدة.
لم يأخذ عن السودانيين طيبتهم وحسهم الفكاهي الساخر، ولا حتى طرقهم في وضع العمائم التي تطول وتقصر بتعدد الطرق الصوفية لديهم، وإنما عاد وقد خص رأسه بعمامة طويلة التفت على أذنيه فمنعته من السمع وزادت من ارتفاع صوته ووقاحته.
يناقش محجوب في الفقه والشريعة بتصلب وعناد قل مثيلهما. لا يتردد في إلقاء الفتاوى الغريبة، ودون أن يصغي إلى محاوريه أو حتى يرد عليهم مكتفيا بعبارته الاستعلائية، وبلكنة سودانية مشوّهة “أنت إيش بيعرفك يا زول”.
أغلب الظن أن محجوب لا يستمع إلى شخيره حين ينزع العمامة الثقيلة عن أذنيه ويخلد للنوم.. ومنهم من يقول إنه ينام معتما فاقدا للسمع والاستماع مثل ميت.
تلك العمامة الثقيلة التي سدت أذنيه أفقدته القدرة إذن، على الاستماع والحوار، وزادته عنادا وتقوقعا وصل حد العنجهية والتصلب.
نعم، ثمة أسباب غير عضوية ولا بيولوجية تفقد المرء القدرة على الاستماع، وتزيد من تطرفه وعناده، منها الموقع الإداري أو السياسي أو الكهنوتي.
ولعل أفضل ما يشهد على ذلك هو تلك القصة الإيطالية التي تدور أحداثها زمن الإقطاع، وتتحدث عن خادم كنيسة بسيط وفقير يسكن غرفة متواضعة ويهتم بحديقة الدير هو وزوجته التي تخونه مع رئيس الكهنة.
دأب هذا الخادم المؤمن البسيط أن يجلس كل أحد إلى كرسي الاعتراف ليقر لرئيس الكهنة بكل أخطائه الصغيرة، لكن الأخير فاجأه هذه المرة بأمر تعمد الخادم عدم ذكره، وشاهده هو نفسه من أعلى شرفته، وهو سرقته للخضروات من حديقة الدير.
ارتبك الخادم البسيط لهول خطيئته فادعى أنه لا يسمع داخل مقصورته الصغيرة فوق كرسي الاعتراف. رفع الكاهن من صوته، لكن الخادم يصر أنه لا يسمع، قائلا: يخف سمعي عند الجلوس إلى المقعد وإن أردت التأكد فتفضل يا أبانا واجلس محلي.
وبالفعل، جلس الكاهن محل الخادم الذي أخذ دوره وفاجأه بالسؤال: اعترف أن لديك علاقة مشبوهة مع زوجتي.
وهنا قال له الكاهن: معك حق أيها الخادم إن من يجلس على هذا الكرسي يخف سمعه.
يبقى أن الفارق بين خفة سمع جارنا مـحجوب وبين خادم الكنيسة، سارق الخضروات من حديقة الدير الكاثوليكي، هو أن الأول ساعدته العمامة على سد أذنيه فانبرى إلى ركوب رأسه وإطلاق الفتاوى، أما الثاني فكان ادعاء عدم السمع بالنسبة إليه طريقة للنجاة وأنشوطة يلقي بها في رقبة الكاهن ضمن اتفاق غير معلن يبرئ فيه أحدهما الآخر.