ماذا بعد سقوط الأسد؟
كريم فرمان
ما كان أفضل وصف للحالة الجديدة في سوريا ما قاله الناطق باسم الأمن القومي الأمريكي بان اي وضع جديد في...
سيُقال إنهم حسينيون. كانوا كذلك وسيبقون. لا أمل في خروجهم من ذلك المنعطف التاريخي الذي أبلى أقدامهم من كثرة الركض من غير أن يصلوا. إنهم زمرة بكائيين.
يبكي العراقي فيتصالح مع نفسه. يضحك ليتصالح مع الآخرين. أما حين يدرك أنه صار موقع خديعة فلا ينتفض ويسخر من نفسه لأنه فعلها مرة أخرى. تلك واحدة من بداهات حياته.
لم يتعلم العراقيون فن السياسة. ربما تعلم البعض منهم علومها. ولكن العلم لا ينفع في عصر الخرافة. وليس من باب المديح أو الهجاء إذا ما قلنا إن الخرافة تمكنت من العراقيين في كل عهودهم.
هم شعب في حاجة إلى رمز، إلى بطل، إلى أسطورة. كما لو أن كل رموزهم، كل أبطالهم، كل أساطيرهم في التاريخ لا تكفي لكي تسد ذلك الفراغ. إنهم يبحثون عن ضالتهم تلك حتى في أسوأ الأمكنة.
وإلا كيف يمكن أن يكون المرء صدريا، نسبة إلى مقتدى الصدر؟ يقول لك “نعم أنا صدري” حين تفتش عن مصالحه تجده إنسانا فقيرا، لم ينتسب إلى جوقات الفاسدين التي تحيط بالصدر.
ما السر سوى الحاجة إلى أسطورة. اليتيم الذي يتكرر ذكره في التاريخ الشفاهي وما من أثر له في التاريخ المادي. حكاية شعبية سيضفي عليها تكرارها هالة القداسة. هناك يتيم تحت حجر النبوة.
لقد دحرجت ثقافة الاحتلال مفاهيمها من خلال عباقرة علم الاجتماع الذين أكدوا أن العراقيين من غير هوية وطنية تجمعهم وأن ما يفرقهم أكبر بكثير مما يجعل منهم شعبا واحدا.
الصدريون هم المكون الشعبي الذي لم تهتز قناعاته بالرغم من تقلبات المزاج الصدري الذي لم يربط تحولاته بحقائق سياسية يمكن من خلالها الحكم عليه فكريا. فليس الفكر هو الأساس.
الصدر الذي وصل في تقلباته إلى درجة أنه تخلى لخصومه عن الأصوات التي ربحها في الانتخابات الأخيرة هو رجل دين لا تعترف المؤسسة الدينية بشرعية مكانته الدينية.
أيكون الصدر قد باع مناصريه رغبة منه في الهروب من تعهده في الإصلاح ومحاربة الفاسدين؟ الفاسدون هم من اشترى أصوات مناصريه حين وضعها في المزاد.
رجل دين لا يعترف أحد بأهليته لذلك تحول إلى رجل سياسة فاشل. غير أن السيرك الصدري لا يزال مفتوحا. لن تغضب المؤسسة الدينية ولن يستاء خصوم الصدر الذين استلموا السلة بكل محتوياتها.
هذا رجل ماهر في إدارة فشله في ظل اطمئنانه إلى أن الشعب الصدري سيظل طوع يديه، وفيا له. ما هذا الشعب الذي يقبل أن تُباع أصواته إلى الفاسدين الذين هزمهم في الانتخابات؟
سيكون على ذلك الشعب أن يبكي في مرثيات جماعية. ذلك لن يكون صعبا عليه. لقد صنع الصدر له سببا جديدا للبكاء. لكن الصعب حقا أن يبقي الشعب الصدر في مكانه رقما صعبا في المعادلة السياسية.
لن يستقيم المنطق السياسي في العراق في ظل هيمنة خرافة اليتم. تلك حكاية رمزية لن تتغير بغض النظر عما يفعله مقتدى. والرجل بالرغم من محدودية كفاءته المعرفية يعرف ذلك.
وإذا ما كان خصوم الصدر وفي مقدمتهم نوري المالكي قد استفادوا من حماقته فإنهم يقدرون أنه لا يزال ملكا على جمهرة فقراء تم تغييب عقولهم تحت وطأة الخرافة.
سيتعامل المستفيدون بحذر شديد مع ذلك الجمهور في المرحلة المقبلة ولن يمس أحد منهم شخصية الصدر بل سيتوجه إليه مديحهم كونه الرجل الذي قدم طائفيته على فوزه بالانتخابات.
تلك حقيقة ينبغي ألا ننساها. فبعد أن رفع الصدر شعارات الوطنية وضع أصوات ناخبيه في خدمة الأحزاب التي توالي إيران. خيانة تؤسس لمبدأ سياسي يقع خارج الدستور.
فلأول مرة في التاريخ السياسي يجد المهزومون في الانتخابات الطريق أمامهم سالكة في اتجاه الحكم. إنها فكاهة سوداء لا تنفع كل هذيانات الصدر في تفسيرها.
لا يكفي أن نتهم الصدر بالجنون. وهي الشبهة التي لطالما رددها خصومه. ومن المستبعد أن يكون لإيران دور في ما فعله الصدر. من المؤكد أنه في لحظة ما شعر بالخوف من ألا يكون طائفيا ويخون إرثه العائلي. لقد تخلى الصدر عن أنصاره لأنه تذكر شيعيته ولأن العراق الذي وعد بإصلاحه لا يساوي شيئا أمام حسينية جديدة يبكي فيها العراقيون.
“هل تريدون البكاء أكثر؟”، تلك أمنية لن يحققها سوى الصدر.