تصاعد الإعدامات في إيران و حملة "ثلاثاء لا للإعدام"
نظام مير محمدي
تُعدّ حملة "ثلاثاء لا للإعدام" واحدة من أهمّ الحركات الاحتجاجية الحقوقية التي نشأت من داخل...
تُعدّ حملة "ثلاثاء لا للإعدام" واحدة من أهمّ الحركات الاحتجاجية الحقوقية التي نشأت من داخل السجون الإيرانية في مواجهة سياسة الإعدام المنهجي التي يستخدمها نظام ولاية الفقيه كأداة للبقاء السياسي وقمع المعارضين. وقد شهد الأسبوع الأخير تصعيداً لافتاً في وتيرة المشاركة داخل السجون، في الوقت الذي سجّلت فيه البلاد واحدة من أعلى موجات الإعدام خلال هذا العام، الأمر الذي أعطى للحملة بُعداً حقوقياً وسياسياً أعمق من أي وقت مضى.
فبحسب بيانات السجناء وتقارير منظمات حقوقية، نفّذت السلطات الإيرانية خلال أيام قليلة عشرات الإعدامات في مختلف السجون، في حين أعلنت مجموعات من السجناء في أكثر من خمسين سجناً مشاركتها في "ثلاثاء لا للإعدام" عبر الإضراب عن الطعام، والبيانات المكتوبة، والتجمعات الرمزية داخل الأجنحة. هذه المشاركة الواسعة تؤكد أنّ الحملة لم تعد فعلاً فردياً أو موسميّاً، بل تحوّلت إلى حركة مقاومة حقوقية منظمة داخل بنية السجون نفسها.
من منظور القانون الدولي، ترتبط الحملة مباشرةً بجوهر الحق في الحياة المنصوص عليه في المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تُلزم الدول باحترام هذا الحق وتمنع الحرمان التعسفي منه. غير أنّ النظام الإيراني، من خلال محاكم ثورية تفتقر إلى الاستقلالية، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، ومحاكمات مغلقة تُصدر خلالها الأحكام خلال دقائق، ينتهك بصورة منهجية ليس فقط المادة السادسة، بل أيضاً المواد 9 و14 و15 المتعلقة بالاعتقال التعسفي والمحاكمة العادلة والضمانات الإجرائية.
وتشير شهادات عديدة إلى أنّ الإضراب عن الطعام وإصدار البيانات في إطار "ثلاثاء لا للإعدام" يُقابلان غالباً بإجراءات عقابية، منها النقل القسري إلى زنازين انفرادية، قطع الاتصالات الهاتفية، حرمان السجناء من الزيارة، أو تعرضهم للتهديد من قبل مسؤولي السجون. هذه الردود تمثل انتهاكاً واضحاً لحرية التعبير حتى داخل السجن، كما تخالف القواعد الدولية المتعلقة بمعاملة السجناء، ولا سيما قواعد نيلسون مانديلا التي تشدد على حظر العقاب التعسفي واحترام كرامة السجين وحقه في التواصل مع أسرته.
كما أن هذه الحملة ترتبط بتوثيق متواصل لضحايا الإعدام، حيث ينشر السجناء أسبوعياً أسماء المحكومين، ظروف اعتقالهم، وما يواجهونه من تعذيب أو غياب محاكمة عادلة. وبذلك تصبح البيانات الأسبوعية بمثابة سجل حقوقي حي يقوّض رواية النظام ويكشف الطبيعة السياسية والانتقامية لكثير من الإعدامات، خصوصاً تلك المرتبطة بالاحتجاجات الشعبية أو النشاط المدني.
من الناحية الاجتماعية، يُظهر اتساع المشاركة أنّ السجون الإيرانية لم تعد أماكن خاملة؛ بل أصبحت فضاءً للمقاومة المنظمة. فالسجناء الذين يشاركون في "ثلاثاء لا للإعدام" يخاطرون بسلامتهم الشخصية، ومع ذلك يختارون الاحتجاج لأن الإعدام بات يهدد الجميع، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والقومية والاجتماعية. إنّ تحوّل هذه الحملة إلى نشاط أسبوعي ثابت يكشف عمق الانقسام بين المجتمع والنظام، ويعكس مستوى غير مسبوق من الوعي الحقوقي داخل السجون.
أما على المستوى الدولي، فإن استمرار تنفيذ الإعدامات بمعدلات مرتفعة—رغم الانتقادات الواسعة من الأمم المتحدة ومقررها الخاص المعني بإيران—يشكل تحدياً صارخاً للمعايير الدولية. وتمثل حملة "ثلاثاء لا للإعدام" شهادة مباشرة من داخل أماكن الاحتجاز على طبيعة الانتهاكات، ما يجعلها مصدراً أساسياً لأي آلية تحقيق دولية مستقبلية، سواء كانت لجنة تقصي حقائق أو آلية مساءلة أممية.
تجدر الإشارة إلى أن إحصاءات الإعدامات التي نفذت في إيران قد شهدت اتجاهاً غير مسبوق في شهر نوفمبر ٢٠٢٥. فوفقاً لبيان أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بلغ عدد السجناء الذين أُعدموا خلال هذا الشهر ٣٣٥ سجيناً. وقد أشار البيان إلى شهر نوفمبر تحت عنوان "نوفمبر ٢٠٢٥، الشهر الأكثر دموية في ٣٧ عاماً، بتنفيذ ٣٣٥ عملية إعدام، من ضمنهم ٧ نساء وعمليتا إعدام وحشيتان في الأماكن العامة". وقد طالبت المقاومة الإيرانية في ختام البيان المذكور، بضرورة طرد نظام الإعدام والإرهاب من المجتمع الدولي ومحاكمة الخامنئي وغيره من مسؤولي النظام بسبب ٤٦ عاماً من الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
ختاماً، تُظهر هذه الحملة أنّ السجناء في إيران لا يدافعون عن حقهم الفردي فحسب، بل يكشفون عبر مقاومتهم أحد أكبر ملفات الانتهاكات في البلاد: استخدام الإعدام كأداة سياسية. ومن هنا، فإن مسؤولية المجتمع الدولي ليست مجرد الإدانة، بل العمل على دعم هذا الحراك الحقوقي، والمطالبة بوقف فوري لتنفيذ جميع أحكام الإعدام، وتأمين حماية عاجلة للسجناء الذين يخاطرون بحياتهم ليقولوا كلمة واحدة: لا للإعدام.
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني