ماذا بعد سقوط الأسد؟
كريم فرمان
ما كان أفضل وصف للحالة الجديدة في سوريا ما قاله الناطق باسم الأمن القومي الأمريكي بان اي وضع جديد في...
تصحيح الخطأ
هناك شعور سائد بين الإسرائيليين بأن اتفاقيات إبراهيم تشير إلى أن الدول العربية، بجميع النوايا والأغراض، تخلت عن القضية الفلسطينية. وبالنسبة للإسرائيليين، من المفترض أن تلك الدول العربية قد خلصت إلى أنها يمكن أن تستفيد بشكل كبير في عدد من المجالات من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتي تتجاوز مخاوفهم بشأن مصير الفلسطينيين. هذه مجرد مغالطة أخرى يحب الإسرائيليون تبنيها. وهذا يتناسب مع زعمهم الذي لا أساس له من أن الإحتلال لم يعد يشكل عقبة أمام تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وأن مقاومة إسرائيل الطويلة الأمد لإقامة دولة فلسطينية أصبحت الآن مقبولة كأمر واقع.
ومع ذلك، لا يزال القادة الإسرائيليون ينظرون إلى اتفاقيات إبراهيم على أنها اختراق تاريخي سيكون له تداعيات إيجابية إقليمية ووطنية كبيرة. إنهم ينسون حقيقة أن هذه الاتفاقات ستبقى رهينة للرياح الجيوسياسية التي تجتاح المنطقة وكذلك ما قد يفعله أو لا يفعله الفلسطينيون في الأشهر والسنوات المقبلة.
خلفية تاريخية موجزة
منذ تقديم مبادرة السلام العربية في عام 2002، اعترفت الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية بحكم الأمر الواقع بحق إسرائيل في الوجود ولكنها اشترطت تطبيع العلاقات مع إسرائيل “بقبول إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 4 حزيران/يونيو 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية “. بمجرد استيفاء إسرائيل لهذه الشروط، تشير المبادرة إلى أن الدول العربية “ستدخل في اتفاقية سلام مع إسرائيل وتوفر الأمن لجميع دول المنطقة … وستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل في سياق هذا السلام الشامل”.
ومنذ أن تم طرح مبادرة السلام العربية قبل 20 عامًا تغيرت البيئة الجيوسياسية في الشرق الأوسط بشكل كبير. فعلى الجانب الإسرائيلي أدى اندلاع الإنتفاضة الثانية عام 2002 في أعقاب مبادرة السلام الفلسطينية إلى تدمير ما تبقى من ثقة إسرائيل بالفلسطينيين، وانتهت مفاوضات السلام بين الجانبين في 2008-2009 و2013-2014 بالفشل. وفي غضون ذلك، وسعت إسرائيل بشكل كبير مشروعها الاستيطاني وضمت المزيد من الأراضي الفلسطينية، بينما كان الجمهور الإسرائيلي يتجه بثبات إلى يمين الوسط، مما يجعل احتمال إقامة دولة فلسطينية بعيدًا أكثر من أي وقت مضى.
وعلى الجانب الفلسطيني، كان التطرف في تصاعد، وخاصة من قبل حماس والجهاد الإسلامي. وابتليت السلطة الفلسطينية بالتنافس الداخلي والفساد والاستقطاب الصارخ، لا سيما بين حماس والسلطة الفلسطينية. وزاد الإحتلال الإسرائيلي القاسي من حدة المقاومة الفلسطينية، وتزايد العنف بين الجانبين. وزاد الموقف التفاوضي للسلطة الفلسطينية تشددا خوفا من أن يُنظر إليه على أنه خيانة للقضية الفلسطينية. وبالتالي، لم يُترك مجال كبير لتنازلات ذات مغزى للتوصل إلى أي اتفاق مع إسرائيل، لا سيما في ظل 13 عامًا متتاليًا من رئاسة رئيس الوزراء السابق نتنياهو الذي تعهد بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية في عهده.
الاعتراف بقوة اسرائيل العسكرية
إن التهديد الإيراني المتزايد ضد إسرائيل والدول العربية، وطموح طهران في أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة، قد وفر قضية أمنية وطنية مشتركة بين إسرائيل ودول الخليج العربي على وجه الخصوص للوقوف ضد التهديدات الإيرانية، وعزل طهران عن طموحاتها الإقليمية. ولتحقيق هذه الغاية، وبالعودة إلى ما يقرب من عقدين من الزمن، بدأت إسرائيل في تبادل المعلومات الاستخباراتية وتوفير التكنولوجيا المتقدمة ذات الصلة بالجيش مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص التي شعرت بالتهديد المباشر من إيران.
ومن ثم، بدأت دول الخليج في النظر إلى إسرائيل كشريك استراتيجي بسبب أربعة عوامل حاسمة: أ) القوة العسكرية لإسرائيل لا يعلى عليها في المنطقة وتنافس حتى إيران الشيعية وتركيا السنية. ب) قدرة إسرائيل الإستخباراتية التي لا مثيل لها والتي تمتلكها دول الخليج ولا تزال تسعى إليها بشغف. ج) تكنولوجيا إسرائيل المتقدمة ذات الشهرة العالمية والتي كانوا في أمس الحاجة إليها لتعزيز آلتهم العسكرية وقدراتهم القتالية من بين العديد من الاستخدامات المدنية الأخرى. وأخيراً، د) إسرائيل قوة نووية يمكن لدول الخليج الاعتماد عليها، حتى أكثر من الولايات المتحدة لأن إسرائيل نفسها مهددة وجودياً من قبل إيران وهي في الجبهة الأمامية لردع إيران.
أعطت العوامل الأربعة المذكورة أعلاه لإسرائيل نفوذاً سياسياً هائلاً، وعلى الرغم من استمرار إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية، إلا أن الظروف الجيوسياسية الإقليمية ورغبة دول الخليج في التعاون مع إسرائيل قدمت لهم تحديًا وخيارًا: تطبيع العلاقات مع إسرائيل الآن أو التمسك بـمبادرة السلام العربية التي اشترطت التطبيع مع إسرائيل بتسوية الصراع مع الفلسطينيين. اختار الموقعون على اتفاقيات إبراهيم الخيار الأول لأن ما لدى إسرائيل وما زالت تقدمه لهم مهم للغاية ومطلوب بشكل عاجل لخدمة أمنهم القومي. علاوة على ذلك، فإن اتفاقيات إبراهيم وضعت إيران على علم بأن المنطقة أصبحت أكثر اتحادًا في معارضتها لطهران.
تطور موقف الدول العربية
ومع ذلك، فإن اتخاذ هذا الخيار لا يترجم، كما يعتقد الكثير من الإسرائيليين، إلى تخلي الدول العربية عن القضية الفلسطينية. بل على العكس من ذلك، فهم ينظرون إلى اتفاقيات إبراهيم على أنها وسيلة لخدمة مصلحتهم الوطنية من ناحية، مع تغيير ديناميكية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من ناحية أخرى، وبذلك كسر الجمود بينهما الذي ساد بشكل خاص في ظل هذا الصراع خلال فترة حكم نتنياهو.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقيات إبراهيم تنص بوضوح على أن الطرفين “… [يلتزمان] بمواصلة جهودهما للتوصل إلى حلّ عادل وشامل وواقعي ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. وفي مقابلة، أكد سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة على هذا البند بالذات، مشيراً إلى أن اتفاق التطبيع جاء نتيجة لجهود الإمارات لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للضفة الغربية. في الواقع، منذ توقيع الإتفاقات، لم تقم إسرائيل بضم شبر آخر من الأراضي الفلسطينية، وإن كانت تواصل التخطيط لتوسيع المستوطنات القائمة في المستقبل.
هذا ليس مجرد كلام. الدول العربية، مثل إسرائيل، عالقة مع الفلسطينيين. قد يختلفون معهم في مجموعة من القضايا، خاصة مع تطرف حماس، لكنهم لا يستطيعون ولن يقبلوا أو يتسامحوا مع الإحتلال الإسرائيلي الوحشي إلى الأبد. يجب أن يكون الصدام العنيف والهائل الأخير بين الجنود والشرطة الإسرائيليين والشباب الفلسطيني في الحرم القدسي بمثابة تذكير للإسرائيليين بالموقف الفعلي للعالم العربي.
الإحتلال لا يذلّ الفلسطينيين فقط بل الدول العربية كذلك. يمكنهم فقط ابتلاع الكثير من انتهاكات إسرائيل الجسيمة لحقوق الإنسان وعنف المستوطنين غير المبرر ضد الفلسطينيين الأبرياء وقتل مئات الفلسطينيين كل عام، غالبًا دون أي مبرر. وإذا حدث اندلاع عنيف كبير بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي مسألة وقت فقط، فإن الدول العربية دون استثناء ستقف إلى جانب الفلسطينيين بغض النظر عمّن حرض على العنف.
رؤية إسرائيل المفقودة
يجب على كل إسرائيلي لا يسعى إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن يسأل نفسه أين ستكون إسرائيل بعد 15-20 سنة. هل يعتقدون حقاً أن الدول العربية ستنسى الفلسطينيين تدريجياً؟ هل يعتقدون أن مؤسسي إسرائيل تصوروا قيام دولة يهودية تحتل بشكل دائم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وتفرض حصارًا غير محدد على غزة في الشرق وتميّز بشكل منهجي وعلني ضد المواطنين العرب الإسرائيليين؟ كم عدد الأجيال من المحاربين التي تريد إسرائيل تربيتها وتدريبها، فقط لتدمير الفلسطينيين؟ أنظر حجم الضرر الذي أحدثه هذا بالفعل وماذا سيفعله بالطابع اليهودي الإسرائيلي؟ الدولة اليهودية الوحيدة ستصبح دولة منبوذة وتصل إلى قاع أخلاقي جديد، مهددة باستمرار وتعيش والبندقية باستمرار في يدها.
وعد اتفاقات إبراهيم
تعتبر اتفاقية التجارة الحرة الأخيرة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ومدى التجارة الثنائية بينهما مهمة للغاية، لأن مثل هذه الاتفاقية من شأنها تعزيز العلاقات بينهما. علاوة على ذلك، تناقش الإمارات مع البحرين ودول الخليج الأخرى احتمالية تحالف أمني تدعمه إدارة بايدن بالكامل. من المؤكد أن العلاقات في العديد من المجالات بين إسرائيل ودول الخليج ستستمر في النمو طالما لم يندلع حريق كبير بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى الحاجة الماسة لدول الخليج إلى التكنولوجيا والإستخبارات والتجارة والمعرفة الإسرائيلية، فإن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية يظل بالنسبة لهم شرطًا لا غنى عنه لتحقيق سلام عربي-إسرائيلي شامل. فمن المؤكد أنه طالما لا يوجد سلام إسرائيلي – فلسطيني قائم على حل الدولتين، فإن عملية التطبيع الحالية ستظل هشة في أحسن الأحوال، خاضعة للبيئة الجيوسياسية المتغيرة، هذا علاوة لشدة ومخاطر الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
والآن بعد أن تقرر إجراء انتخابات جديدة في تشرين الأول/أكتوبر، يجب على كل إسرائيلي أن يتذكر أن الأمن القومي الإسرائيلي النهائي يعتمد على السلام مع الفلسطينيين. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي أن ينتخبوا قادة يلتزمون بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يجب أن يُنظر إلى اتفاقيات إبراهيم في ذلك الوقت على أنها لبنة البناء التي سيتم عليها بناء سلام عربي – إسرائيلي شامل يشمل الفلسطينيين، وليس على أنها اتفاقيات تقضي على مطلب الفلسطينيين المشروع بإقامة دولة مستقلة خاصة بهم.
تقدم اتفاقيات إبراهيم لإسرائيل فرصة فريدة للتحرك في هذا الاتجاه، وأي زعيم إسرائيلي لا يدرك ذلك، ينكر على مؤسسي إسرائيل وعدهم وكذلك الفرضية التي أقيمت عليها الدولة.