المفاوضات الأمريكية الايرانية وميزان القوة

المفاوضات الأمريكية الايرانية وميزان القوة

الخليج بوست


بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي  
رئيس تحرير وكالة أخبار العرب 

بات جلياً ان ادارة الرئيس ترامب والنظام الايراني لايحبذان استخدام لغة البارود لحل الخلافات بينهما رغم الفارق الكبير الذي تتميز به واشنطن من حيث رجاحة ترسانتها العسكرية المتطورة في كافة مجالات التسليح ما يجعلها صاحبة التفوق الاكبر ان حصلت المواجهة بينهما ولهذا انساق الطرفان نحو مرحلة التفاوض رغم وجود انعدام الثقة لدى الطرفين ، خصوصاً من طرف ايران التي تلعب بطريقة “البيضة والحجر” ولعل التقرير الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2015 بانحراف برنامج ايران النووي من خلال اكتشافهم لاثار اليورانيوم عالية التخصيب في أجهزة الطرد المركزية التي لم تجيب عنها طهران وتجارب الملح الاخضر المستخدم في التجارب النووية في الوقت نفسه كانت ايران تؤسس لمنشأه نووية للتخصيب تكون موازية لمنشأة نطنز في حال تعرضها لضربة عسكرية ، يؤكد بما لايقبل الشك ان سياسة التضليل التي تنتهجها طهران لم تعد تنطلي على سياسة الرئيس ترامب الجديدة.

حقبة الرؤساء الثلاث

وبالعودة الى موضوع المفاوضات بين الجانبين التي كانت باكورتها في عهد فريق الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وإيران والتي حملت الطابع السري وتمخضت عنه ما عرف بـ«الاتفاق النووي الشامل»، الذي اصبح تطبيق العمل به لمدة ثلاث سنوات تطبيقه ، وتلتها  حقبة الرئيس دونالد ترمب في ولايته الأولى التي اسفرت عن تمزيقه لتلك الاتفاقية  رغم تصديقها رسمياً في أروقة الأمم المتحدة والتي اعتبرها المراقبون بالسابقة الخطيرة والتي سار عليها من بعده الرئيس جو بايدن، الذي قرر عدم استئنافها مع الجانب الايراني واخرها شروط ترامب التفاوضية مع ايران اثناء عودته لرئاسة البيت الابيض من جديد وتلويحه باستخدام القوة في حال لم تستجب طهران لشروط الطاعة .

العودة المشروطة للتفاوض

 حرصت الولايات المتحدة الامريكية ان تكون اولوية التفاوض مع ايران هو لمصلحة مدللتها اسرائيل في المقام الاول ، اضافة الى الشروط المسبقة التي وضعتها للشروع في مفاوضاتها تجاه ملف ايران النووي يضاف الى ذلك ، ان الرئيس ترامب هيَّأ الرئيس المسرح السياسي استباقاً لمفاوضات مسقط ، من خلال أرسال المزيد من قواته إلى المنطقة، وشروعه بعمليات التدمير لقدرات مليشيا الحوثي في اليمن التي تتحكم بخط الملاحة البحري للتجارة ، وتكلَّيف مبعوثه ستيف ويتكوف بمهمة التواصل مع طهران، وبعث برسالة مباشرة للمرشد الأعلى، وفرض عقوبات جديدة على تصدير إيران لبترولها، واستقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، والحديث عن الخيار العسكري.

هذا بحد ذاته دفع الجانب الايراني على الموافقة المشروطة التي وضعتها امامه تل ابيب وواشنطن المتمثلة بتصفير المعادلة النووية لبرنامجها الغير سلمي وكذلك انصياعها لعرابها الروسي الذي دخل على خط  المفاوضات بشكل سري ، وهذا دفع الرئيس ترمب بتصريحه المقتضب ، أن خياره الأول الحل عبر التفاوض، وإن فشل فخياره الثاني الحرب.  

هنا شعرت طهران بضعف موقفها وتجرعت السم مرة اخرى بعد ان خسرت طوق نجاتها وحنينها الى عهد اوباما الذي تعمَّد إبعاد الأطراف المعنية عن المفاوضات وتحديداً الدول الخليجية وإسرائيل ومنح طهران الضوء الاخضر في استخدام ملفها النووي للمحافظة على أنشطتها العسكرية الإقليمية والدولية والتوسع والهيمنة على العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة وتهديد حلفاء واشنطن في الشرق الاوسط ، يضاف الى ذلك ان طهران لم تعد تملك اي ورقة ضغط لاستخدامها في مرحلة التفاوض بعد ان خسرت اذرعها في منطقة الشرق الاوسط.


خداع ايران المستمر

بعد التقارير ال 13 التي رفعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية امام مجلس الامن والمتعلقة بنشاط ايران الغير سلمي لبرنامجها النووي ، خصوصا بعد رفع انتاجها من اليورانيوم الى 43% اضافة لوضعها اجهزة طرد مركزية من نوع IR6  و IR9 وكذلك وصول انتاج 300 كغم من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60% وانتاجها 839 كغم من اليورانيوم منخفض التخصيب بنسبة 20% وكذلك حجب 26 كاميرة مراقبة من اصل 72 كاميرة وضعتها الوكالة الدولية لمراقبة نشاطها النووي ، ناهيك عن موضوع برنامج ايران الصاروخي وانتاج الطائرات المسيرة التي يستخدمها جيشها الموازي في لبنان واليمن والعراق عبر وكلائها .


رهان ترامب

 أهم ما ورد في رسالة ترمب لخامنئي التي تم تسريبها، أنه أكَّد رغبته في التفاوض، لكنه اشترط شهرين فقط للتوصل الى الاتفاق، ومن المرجح أن يمددها إن كانت البداية التفاوضية مشجعة ، ثم عاد متوعداً إيران باستهداف منشآتها النووية ما لم يتم الاتفاق، وان «إسرائيل هي مَن ستقوم بالمهمة»، وقد أعلنها وهو يجلس مع نتنياهو.

هذا المشهد مختلف تماماً عن مناخ مفاوضات أوباما، وصورة أوباما التصالحية على عكس ترمب الذي سبقته سمعته المريبة بأنه لا يهاب مواجهة نصف العالم ، بغية دعم فريقه التفاوضي، بينما إيران باتت في أسوأ وضع بعد أن دمرت إسرائيل أذرعها الخارجية المتمثلة بـ «حزب الله» و«حماس» وسقوط نظام حليفها الأسد ولهذا ستكون الغلبة لفريق ترامب التفاوضي كبيرة في الحصول على اتفاق «جيد» غير مسبوق مع إيران ، إن واصل إصراره على مطالبه، وتمكَّن فريقه من تطويق تكتيكات فريق طهران الماكرة. فميزان القوة مال لصالح إسرائيل بعد تدميرها قوى إيران الخارجية، الأمر الذي يُجردها في مفاوضات مسقط من ورقة «الوكلاء» التي كانت تُهدد بها العالم وتستخدمها في التفاوض. يضاف إليها، أن ترمب باشر تنفيذ وعده بحرمان طهران من بيع نفطها، ما يجعلها في وضع مالي صعب ان فقدت فرصة التوصل إلى اتفاق مع فريق ترامب.

واخيراً نرى أن خيارات إيران باتت محدودة، ما يجعلنا أمام احتمال حقيقي بالتوصل إلى سلام وانهاء ملفها النووي وبرنامج صواريخها وطائراتها المسيرة ، اضافة الى انهاء دورها التخريبي في المنطقة وتجريد مليشاتها في العراق ولبنان واليمن من السلاح.

مقالات الكاتب