من أين نأتي بشعب جديد إلى لبنان؟

غالبا ما تكون الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي قاسية على الفقراء. الدول التي تضع نفسها تحت رحمة الصندوق لا تملك سوى أن تستسلم لمطالبه وتضحي بالوضع المعيشي لطبقة، قد يصل بها الحال إلى ما يمكن أن أسميه بـ"استحالة العيش". ذلك لأن الصندوق قد يطالب برفع الدعم الحكومي عن الخبز والدواء. وهو ما حدث مرات عديدة.

 

فالصندوق مؤسسة مالية دولية ليست لديها مشاعر وهي لا ترى إلا مصالحها وتعتبر الإصلاحات ضمانة لإسترداد أموالها. ناهيك أن خبراءها يعرفون جيدا أن الحكومات التي تتقدم لطلب القروض منها هي حكومات فاسدة. وليس في الإمكان التحكم بنسب الفساد من الخارج. ما لم تشرع الدول المقترضة بالقيام بإجراءات تحد من نفقاتها فإن كل شيء سيبقى على حاله وستذهب الأموال إلى ثقب أسود ولن يكون لها أي دور في انقاذ الوضع الاقتصادي.

 

لقد اقترنت الإصلاحات بالفساد المالي. غير أن المكلفين بإجراء تلك الإصلاحات وتطبيقها على أرض الواقع هم الفاسدون أنفسهم. ليست لدى المؤسسة المالية الدولية أية قوة للضغط من أجل تغيير تلك المعادلة. لا أحد في إمكانه أن يزيح الطبقة السياسية التي تحوم عليها شبهات الفساد في العراق ولبنان على سبيل المثال.  

 

وإذا ما كان الصندوق يطالب لبنان بالإسراع في القيام بإصلاحات اقتصادية فإنه يضع الطبقة السياسية في موقف محرج. ذلك لأنها لا تملك ما تفعله في وضع اقتصادي وصل إلى مرحلة الصفر بالنسبة لفئات كثيرة من المجتمع اللبناني قبل القيام بأي إصلاح امتثالا لمطالب صندوق النقد. أيتم رفع الدعم عن الخبز وتلك الفئات لا تحصل على الخبز إلا بصعوبة؟

 

وإذا ما عرفنا أن المعلومات المتوفرة لدى صندوق النقد تؤكد أن لبنان ليس بلدا فقيرا وأن كل الفقر الذي تعرضت له فئات كثيرة هو نوع من الإفقار، فقر مصنوع قامت الطبقة السياسية بتصنيعه لكي يستمر ثراؤها الذي لم يعد في الإمكان إخفاؤه أو التستر عليه فإن ذلك يعني أن كل الجهات الدولية بضمنها الصندوق لن تمد يد المساعدة للبنان. لن تجرؤ على القيام بذلك لأنها إن فعلت تكون كمَن يعرض أموالا مكشوفة على اللصوص للقيام بسرقتها. ستضيع المليارات في وقت قياسي من غير أن يستفيد منها الشعب في مشاريع إنمائية تحسن من أوضاعه المعيشية في المستقبل.

 

مشكلة لبنان لا تكمن في موارده المالية، بل في طبقته السياسية الفاسدة التي تستند إلى وضع سياسي لا يمكن أن يحافظ على ديمومته إلا في ظل فساد يموله ويغطي عليه. ولأن الشعب المنكوب يدرك أن التشابك بين الفساد والسياسة في بلاده لا يمكن أن تنفصم عراه إلا بقيام دولة لبنانية جديدة لا تخضع لمعايير النظام الطائفي الذي أقامه الفرنسيون فإنهم يحلمون بتغيير يقع فوق قدرتهم.  

 

لن تتم الإطاحة بالفساد إلا بإنقلاب سياسي. إنقلاب تتعرض من خلاله الثوابت الطائفية للإزالة. حينها يكون على لبنان أن يولد من جديد بشعب جديد. وهنا تكمن العلة. من أين يتم جلب ذلك الشعب الجديد وما الذي نفعله بالشعب القديم الذي كرس الطائفية وطبع فسادها وصار لا يفكر ولا يعمل ولا يعيش ولا يتنفس إلا من خلالها؟ سؤال لن يمر في أذهان صناع القرار في الدول والمؤسسات التي ترغب في دعم لبنان غير أنها تمتنع عن القيام بذلك ما دام خاضعا لهيمنة حزب الله.

 

وليس حزب الله المشكلة كلها. إنه جزء من تلك المشكلة العصية على الحل.

 

الظاهرة الطائفية هي التي صنعت حزب الله وصنعت قبله حزب الكتائب وقد تصنع في المستقبل أحزابا مسلحة أخرى ما لم يتمكن حزب الله من إلحاق لبنان بإيران بشكل نهائي. ذلك ما يعمل عليه الحزب ببراعة من ينسج سجادة. أليس المعلم إيرانيا؟ لم يتمكن الحزب من تعطيل الحياة السياسية إلا لأنها ملغومة بالفساد. لا يمانع الفاسدون في أن يذهب البلد إلى أية جهة ما دامت مصالحهم مضمونة. تلك محنة لا يمكن أن تنهيها شروط صندوق النقد الدولي أما الإصلاحات التي يطالب بها فهي تتطلب وجو د حكومة قوية وهو ما لا يمكن أن يراه لبنان في وقت قريب.

 

مستقبل لبنان رهين بخلاصه من النظام الطائفي. ولا إصلاحات صادقة إلا بعد أن يتخلص من الطبقة السياسية.

مقالات الكاتب