إقالة وزير اقتصاد بزشكيان تُفاقم أزمات إيران

إقالة وزير اقتصاد بزشكيان تُفاقم أزمات إيران

الخليج بوست

 

نظام مير محمدي

كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

في يوم الأحد، 2 آذار (مارس) 2025، شهدت الساحة السياسية في إيران تطوراً دراماتيكياً حين صوت البرلمان التابع للنظام لعزل وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، في خطوة كشفت عن انقسامات حادة تهز أركان الحكم. وبعد جلسة صاخبة حاول خلالها الرئيس مسعود بزشكيان والوزير همتي الدفاع عن مسيرته، أقر النواب قرار الاستيضاح بأغلبية ساحقة بلغت 182 صوتاً مقابل 89 ضده وامتناع واحد، ما أنهى فترة همتي التي لم تتجاوز سبعة أشهر في حكومة بزشكيان الهشة. لكن هذا القرار لم يكن مجرد نزاع حول الأداء الاقتصادي، بل عكس صراعاً داخلياً عميقاً تسعى من خلاله الفصائل المتشددة إلى إيجاد كبش فداء يحمي المرشد الأعلى علي خامنئي من اللوم، في محاولة لتسوية الحسابات وخداع شعب على وشك الانفجار.

استعراض سياسي لإخفاء دور خامنئي
اتهم النواب المتشددون، الموالون لخامنئي، همتي بالفشل في كبح التضخم واستقرار العملة، لكن بزشكيان حاول تبرئته بالقول إن إيران تواجه "حرباً اقتصادية شاملة"، مشيراً إلى أنَّ دولاً مثل قطر والعراق وتركيا ترفض إعادة الأموال الإيرانية. هذا التصريح كشف عن حقيقة يحاول النظام طمسها، وهي أنَّ القرارات الاقتصادية الكبرى لا يتحكم فيها الوزراء أو حتى الرئيس، بل تُملى من مكتب خامنئي مباشرة، سواء أكانت تتعلق بالسياسات النقدية أو التجارة الخارجية أو الالتفاف على العقوبات.

كما عيّن خامنئي، بموجب مرسوم صادر في 23 أيلول (سبتمبر) 2024، محمد مخبر، نائب الرئيس الأول لإبراهيم رئيسي خلال فترة رئاسته، في منصب المستشار الأعلى له، وفي مرتبة أعلى من بزشكيان داخل مكتبه، وذلك ليتمكن من الإشراف المباشر على إدارة شؤون البلاد والتحكم فيها. وكتب خامنئي في مرسوم تعيين مخبر: "نظراً للخدمات الملتزمة والمؤثرة التي قدّمتها جنابكم في مجالات الإدارة والاقتصاد، لا سيما في حكومة الشهيد رئيسي، والسياسة الحكيمة والرشيدة المتمثلة في الاستعانة بالنخب والشباب المتحمسين والمجتهدين في تنفيذ المشاريع المتنوعة، فإنني أعينكم مستشاراً ومساعداً للقائد".

ورغم هذا، يبدو أنَّ الفصيل الداعي للإطاحة بهمتي استغل الفرصة لتعزيز نفوذه سياسياً، موهماً الشعب أن المشكلة تكمن في سوء إدارة الحكومة وليس في الفساد الهيكلي للنظام.

همتي: كبش فداء في أزمة أكبر
دافع همتي عن نفسه بالإشارة إلى مشكلات بنيوية خارجة عن سيطرته، مؤكداً أن سعر الصرف – الذي يقترب من 91 ألف تومان للدولار – سيتحسن، وأرجع الأزمة إلى عوامل مثل الأحداث في سوريا ولبنان وفقدان قادة المقاومة وضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية. لكن عزله لم يكن مرتبطاً بكفاءته، بل كان قراراً سياسياً من الفصائل المتطرفة لتصفية حسابات مع شخصيات مرتبطة بالإدارات السابقة، مع حماية خامنئي من المسؤولية. هذا التركيز على وزير واحد يهدف إلى خلق وهم بأن الفشل يقتصر على الحكومة، وليس النظام بأكمله.

صراع داخلي وفساد في البرلمان
كشفت عملية الاستيضاح أيضاً عن جانب مظلم من الفساد الداخلي، حيث ترددت أنباء عن رشاوى دفعت للنواب لدعم أو سحب توقيعاتهم من العريضة. انتقد بزشكيان هذا المشهد قائلاً: "لو كان تغيير الأفراد يحل مشاكلنا، لماذا لم ينجح ذلك سابقاً؟"، فيما حذر النائب محمد قاسم عثماني من أنَّ عزل همتي سيفاقم الاضطراب، مضيفاً: "هذه الحكومة تواجه ظروفاً استثنائية، وعلينا دعمها لا هدمها".

وضع متفجر وقرار الكونغرس الأميركي
خلف هذا العرض السياسي، تكمن أزمة أعمق تهدد النظام: غضب شعبي متصاعد بسبب التضخم المذهل والفقر المدقع والفساد المتفشي. في هذا السياق، أصدر الكونغرس الأميركي القرار رقم 166 مؤخراً، داعماً نضال الشعب الإيراني ضد النظام، ومسلطاً الضوء على الوضع المتفجر الناتج عن سياسات الحكم التي أغرقت البلاد في الفقر والغلاء. همتي نفسه أقر بأن "10 ملايين شخص سقطوا تحت خط الفقر خلال سبع سنوات"، لكنَّ النظام يواصل القمع والإعدامات لإخماد الاحتجاجات، محاولاً تشتيت الانتباه عن جذور الأزمة.

في النهاية، يظل استيضاح همتي محاولة يائسة من النظام لامتصاص غضب الشعب عبر تقديم كبش فداء، لكن الإيرانيين يدركون جيداً أن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق خامنئي ودائرته المقربة. وبينما تتفاقم الأزمات الاقتصادية وتتعمق الانقسامات، يبدو أن هذه المناورات لن توقف مسار التدهور، بل قد تسرّع من اقتراب النظام من نقطة الانهيار تحت ضغط شعب لم يعد يطيق الصبر.

مقالات الكاتب