الاكتتابات..
أرامكو تشعل سباق إدراج الشركات الخليجية
أكد محللون أن نجاح اكتتاب شركة النفط السعودية أرامكو في البورصة المحلية سيلهم شركات خليجية أخرى مملوكة للحكومات الخليجية للإقدام على مثل هكذا خطوة.
ويعتقد البعض أن الأمر أبعد من مجرد سد العجز بالموازنة، إنما هو توجه استراتيجي للاقتصادات بما يدعم خطط التنمية المستدامة لدول المنطقة، كما تشكل زخما قويا للأسواق المالية.
وكان وزير النفط العماني محمد الرمحي قد كشف مطلع هذا الشهر خلال منتدى بأبوظبي أن شركة النفط العمانية المملوكة للدولة تتوقع إدراج ما بين 20 و25 بالمئة في طرح عام أوّلي بحلول نهاية العام المقبل.
وفي حال إتمام الخطوة، ستصبح الشركة العمانية ثاني شركة نفط محلية بمنطقة الخليج، تطرح أسهمها للاكتتاب العام، بعد الإدراج العام الأوّلي لأرامكو.
وبعد التأجيل أكثر من مرة منذ الإعلان في 2016، طرحت الرياض 1.5 بالمئة من أسهم ذراعها النفطي، بما يعادل 3 مليارات سهم في سوق الأسهم المحلية. ويتوزع الطرح بين 0.5 بالمئة للأفراد و1 بالمئة للمؤسسات.
وبلغت حصيلة اكتتاب أكبر شركة نفط في العالم 25.6 مليار دولار، وهي الأعلى تاريخيا حول العالم متفوقة على شركة علي بابا الصينية، وأقل من هذا المبلغ بنحو 600 مليون دولار قبل خمس سنوات.
وارتبكت أسواق الاكتتابات والطروحات في منطقة الخليج خلال السنوات الخمس الماضية؛ بفعل هبوط أسعار النفط الخام منذ منتصف 2014، ما دفع عديد الشركات إلى تأجيل إدراج جزء من أسهمها.
وبحسب تقارير رسمية، تراجعت قيمة صفقات الاكتتابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بنسبة 45.3 بالمئة إلى 190 مليون دولار خلال الربع الثالث من هذا العام، مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي حيث بلغت آنذاك 347.3 مليون دولار.
ليس بالضرورة أن تكون الشركات المستهدفة نفطية، هناك شركات خليجية ناجحة بقطاعات مثل الطيران والألومنيوم
وعانت البورصات الخليجية من شح الطروحات الأولية خلال العامين الحالي والماضي وسط التوترات العالمية والمخاوف بشأن الركود الاقتصادي، رغم استعداد العديد من الشركات الخليجية لإدراج حصص من أسهمها.
ويقول الخبير الاقتصادي وضاح ألطه إن الأمر أبعد من مجرد سد عجز الموازنات، ويجب النظر إليه على اعتباره توجها استراتيجيا للاقتصادات الناشئة يدعم خطط التنمية المستدامة. ومع ذلك يرى ألطه، وهو عضو الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة، في تصريح لوكالة الأناضول أن الاكتتابات الحكومية لا تخلو من المخاطر، لذا يجب طرح حصص محدودة ربما لا تتجاوز 5 بالمئة وقد تصل لنحو 40 بالمئة كحد أقصى، وتطرح تدريجيا على عدة مراحل.
وأضاف “ليس بالضرورة أن تكون الشركات المستهدفة نفطية، هناك شركات خليجية ناجحة بقطاعات أخرى لاسيما في قطاع الطيران وصناعة الألومنيوم”.
وأشار إلى أن البعد الأساسي للاكتتابات، اقتصادي، ويعتمد على جمع تمويل سريع وهو أسلوب مناسب يسرّع من خطط التنمية، إذا كان بمجال الاستثمار أو بالبنية التحتية أو مجالات اجتماعية هامة بالموازنة كالصحة والتعليم.
وطرح الشركات الحكومية الناجحة أمر مرغوب فيه لتنويع العملية الاقتصادية، ولزيادة الرقابة المطلوبة على تلك الشركات، ويدعم أداءها التشغيلي، من ناحية أخرى يسرّع من عملية نضج الأسواق المالية في دول المنطقة.
وقد تأخذ الاكتتابات أشكالا أخرى ضمن إصلاحات اقتصادية، وخلق موارد إضافية وتقليل اعتماد النفط كمصدر أساسي للناتج المحلي الإجمالي، مقابل زيادة مساهمة الاقتصاد غير النفطي.
ويرى ألطه أن هناك بعدا اجتماعيا يجب مراعاته عند عمليات الاكتتابات، يتمثل في إتاحة حصة جيدة للمواطنين أو شمول فئات أخرى أكثر تخصيصا كذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها.
وحول المخاوف التي تلاحق مثل هذه الاكتتابات، يقول ألطه إنه يمكن صياغة النظام الأساسي بالنسبة إلى الأصول النفطية بحيث تكون مملوكة للدولة، ولا تترك أي ثغرة تخترق في أيّ دعوى قانونية لأنها أصول وطنية سيادية يجب المحافظة عليها للأجيا
ولفت إلى أن طرح 1.5 بالمئة من أرامكو كان موفقا بالمرحلة الأولى، متوقعا أن تكون هناك مرحلتان قادمتان في سوقين مختلفين أحدهما آسيوي ومرشح أن يكون في اليابان والآخر سوق بالولايات المتحدة.
والطرح العام الأوّلي هو عملية تعرض فيها أسهم شركة ما للبيع على العامة للمرة الأولى في سوق الأوراق المالية، بحيث تتحول الشركة إلى مساهمة عامة.
وتستعمل الشركات هذا الأسلوب لرفع رأس مالها الحالي، وقد يكون ذلك لوضع استثمارات مستثمرين سابقين ضمن أطر قانونية، أو لكي تصبح الشركة رائجة في سوق الأسهم.
ويقترح الخبير محمد رمضان ضرورة تقسيم دول الخليج إلى فئات ثلاث حسب وضعها المالي لتحديد توجهات طرح حصص بشركات النفط العملاقة في المنطقة.
وقال إن “الفئة الأولى تتضمن الكويت والإمارات وقطر، وهذه الدول ليست في حاجة إلى تخصيص القطاع النفطي أو طرح الشركات العملاقة لديها لأن الملاءة المالية عالية جدا”.
أما على صعيد السعودية، فالوضع المالي فيها أقل من الدول الثلاثة السابقة، وسط توجه الحكومة لتغيير سياستها المالية بشكل عام لأنها مقبلة على خطط تنموية ضخمة وبحاجة إلى جمع أكبر قدر ممكن من الأموال بشتى الطرق مما دفعها إلى طرح حصة بشركة أرامكو.
وتتضمن الفئة الثالثة سلطنة عُمان والبحرين بملاءة مالية ضعيفة، ومن المرجح بقوة أن يتم طرح الذراع النفطية لتوفير السيولة لتمويل الموازنة العامة، بحسب رمضان.
ويقول الخبير النفطي أحمد حسن كرم، إن هناك عوائق دستورية تمنع تكرار الاكتتابات الأولية بشركات النفط ببعض الدول كالكويت والبحرين، لذا يجب أخذ موافقة من البرلمانات المحلية.
ويؤكد أن الدستور الكويتي، على سبيل المثال، ينص على أن المصادر الطبيعية هي ملك للدولة، ولا يحق إعطاء جزء منها للاستثمار.
ويوضح أنه في المقابل، باستطاعة الإمارات وقطر اللجوء إلى طرح الشركات النفطية للاكتتاب، إذ اقتضت الحاجة لذلك في ظل قوانين مرنة بخصوص هذا الأمر.
وقال إن “حصيلة هذه الاكتتابات توفر فرصة جيدة لتمويل عجز الموازنة العامة، وجذب الاستثمارات الأجنبية على نطاق واسع”.
ولكنه أشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط قد يبطئ عمليات الاكتتابات مع تحسن الإيرادات العامة، إلا أنه داعم قوى من ناحية الحصيلة المرتفعة المحققة إضافة لتحسن قيمة الشركات والتي ستنعكس على حاملي الأسهم.