صحف..

المعارضة الداخلية لبوتين تأتي من صقور الحرب

"أرشيفية"

واشنطن

تواجه روسيا في حربها على أوكرانيا رفضا واستنكارا داخليا من قبل مختلف مكونات المجتمع، فرغم القمع والرقابة استطاع الكثير من الروس توظيف وسائل التواصل الاجتماعي للتنديد بسياسات الرئيس فلاديمير بوتين.

وعلى عكس عملية ضم شبه جزيرة القرم التي نالت تأييدا جماهيريا روسيا واسعا في عام 2014، فإن الاستياء من حرب الكرملين في أوكرانيا يتزايد داخل روسيا منذ بدئها الحرب فبراير الماضي.

وتقول إيمي ماكينون مراسلة الأمن القومي والاستخبارات في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إن الاستياء يأتي هذه المرة من المنشقين العسكريين الذين سُجنوا أو أُجبروا على العيش في المنفى، حيث تنبع المعارضة عن مجموعات المحاربين القدامى المتشددة والمدونين العسكريين في روسيا الذين ارتفع سخطهم مع وتيرة الحرب البطيئة، ودعا البعض منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بدء التعبئة الوطنية.

وتقدّم هذه الشخصيات القومية القوية صورة عن الزاوية التي حشر بوتين نفسه فيها بينما يتصارع مع الجمهور المتعطش للنصر الموعود به والجيش مرهق.


إيمي ماكينون: العسكريون والمحاربون يعارضون الحرب على أوكرانيا

وأفادت الاستخبارات العسكرية البريطانية هذا الأسبوع بأن روسيا خسرت من قواتها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب في أوكرانيا عددا أكبر مما خسرته خلال حرب الاتحاد السوفييتي التي استمرت تسع سنوات في أفغانستان.

وجعلت حملة القمع السريعة في بداية الحرب من المستحيل على وسائل الإعلام المستقلة وشخصيات المعارضة أن تنتقد الحرب علانية، بينما قُبض على الآلاف من المتظاهرين في الشوارع بسرعة. لكنّ المدونين العسكريين الروس عبّروا عن آرائهم عبر تطبيق التواصل الاجتماعي تلغرام الذي وفّر وسيلة نادرة للمعارضة.

وبينما تبقى هذه المجموعات بعيدة عن الحرم الداخلي لسياسات الكرملين، يؤكد تحرّكها حقيقة أنه إذا كان بوتين سيواجه أي تحدّ حقيقي بشأن الحرب في أوكرانيا، فمن المحتمل أن يأتي من الصقور الذين يشعرون بأنها لم تسر كما يجب.

وقالت كاترينا ستيبانينكو المحللة في معهد دراسات الحرب “لا يطالب هؤلاء روسيا بوقف الحرب. بل تقول كل القنوات العسكرية التي أتابعها صراحة إنها تنتقد الحكومة الروسية والقيادة العسكرية لغرض وحيد هو انتصار روسيا”.

وفي رسالة مفتوحة أرسلت الأسبوع الماضي إلى بوتين ومسؤولين كبار آخرين، وصفت مجموعة قدامى المحاربين الروس عدم القدرة على الاستيلاء على كييف بأنه “فشل” وأدانت نقص الطائرات المسيّرة والذخيرة والتصوير الحراري.

وكانت الرسالة الواردة من جمعية الضباط لعموم روسيا مليئة باللغة الإثنية القومية ونظريات المؤامرة، واصفة المعركة بأنها معركة من أجل “الحفاظ على أوروبا البيضاء والمسيحية”.

من أرفع منتقدي الحرب صوتا هو ضابط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي السابق إيغور جيركين، المعروف باسمه الحركي ستريلكوف، الذي ساعد في بدء الحرب في دونباس في ربيع 2014 عندما قاد مجموعة من المسلحين للاستيلاء على مدينة سلوفيانسك قبل أن يرتقي ليصبح وزير دفاع جمهورية دونيتسك الشعبية المنشقة لفترة وجيزة.

وضاعف جيركين هذا الأسبوع التقارير التي تفيد بأن مقاتلين من منطقة دونيتسك أُجبروا على التعبئة في بداية الحرب ودُفعوا إلى معركة سيئة التجهيز مع القليل من التدريب، مما تسبب بخسائر فادحة. وفي حين لم يتمكن معهد دراسة الحرب من التحقق من المزاعم بشكل مستقل، أشار في تقريره اليومي الأربعاء الماضي إلى أن مثل هذه الانتقادات للحرب لم تكن لتكتسب مثل هذه الزخم في وقت سابق من الحملة، “مما يدل على الصدى القوي المناهض للكرملين الآن”.

وقدمت قنوات تلغرام منصة جديدة وفريدة من نوعها للتحليل والمناقشة حول الجيش الروسي شديد السرية. وكتب الصحفيان الروسيان أندريه سولداتوف وإيرينا بوروغان في منشور مدونة لمركز دراسات السياسات الأوروبية “ظهر شيء غير مسبوق تماما في غضون ثلاثة أشهر من الحرب: مساحة للجدل داخل الجيش الروسي، غير خاضعة للرقابة، وخارجة عن سيطرة وزارة الدفاع. لكن لا تنخدعوا. فليس هؤلاء من دعاة السلام في طور التكوين. لأنهم عندما ينتقدون الجيش والكرملين، فإنهم يفعلون ذلك من مواقف أكثر راديكالية”.

وتقول ماكينون إن القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى الكثيرين كانت محاولات روسيا الكارثية عبور نهر سيفرسكي دونيتس في أوائل مايو، والتي يُعتقد أنها واحدة من أكثر الحلقات دموية في الحرب حتى الآن.


وتشير التقديرات إلى أن روسيا خسرت ما يقرب من 500 جندي وحوالي 80 قطعة من المعدات. وقالت ستيبانينكو، التي تراقب الحسابات، إن أحد مستخدمي تلغرام الذي يحمل اسم رايبار نشر نقدا لاذعا للقادة الروس، والذي بدأ يكتسب زخما بين المدونين العسكريين الآخرين على المنصة، والذين كانوا حتى ذلك الحين يدافعون عن المجهود الحربي. وفتحت الأبواب على مصراعيها عندما بدأ المستخدمون في التساؤل عن وتيرة الحرب، ومقارنة العمليات العسكرية الروسية والأوكرانية، وإعادة نشر الصور من المصادر الغربية والتشكيك في الدعاية الروسية.

وقال فريد كاغان من معهد أميركان إنتربرايز “يبدو لي أنه مؤشر واضح على أنهم بحاجة إلى القلق بشأن هذا الأمر. فهم منخرطون في عملية كاملة لمحاولة نيل رضا هؤلاء المدونين”، مشيرا إلى أن المدونين يمكن أن يكون لهم تأثير قوي على روح القوات الروسية المعنوية المتدهورة بالفعل.

وأقر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو هذا الأسبوع لأول مرة بأن الحرب كانت متأخرة عن موعدها، وهو ما فسّره المحللون على أنه محاولة لإدارة التوقعات العامة بشأن الحرب.

وكان محللون آخرون أكثر تشككا في تأثير المدونين العسكريين. وقالت تاتيانا ستانوفايا وهي باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي “ليس لديهم تأثير سياسي مهم”. واعتبرت أن الخطر الحقيقي يأتي من التوقعات المحبطة حيث تبدو الوعود التي قطعها المسؤولون الروس والتلفزيون الحكومي بتحقيق نصر سريع بعيدة المنال.

وأضافت “يمكننا التحدث بهذه الطريقة عن نوع من الخطر السياسي، لأنهم يؤججون المجتمع، ويسلّطون ضغوطا سياسية على بوتين لدفعه إلى إنهاء هذه الحرب، والانتصار فيها، والمضيّ حتّى النهاية”.