لا شيء مجانيا في سوريا حتى الإفراج عن المعتقلين

المال مقابل الحرية

دير الزور

 أطلق النظام السوري مؤخرا سراح المئات من المعتقلين الذين صادر أموالهم وممتلكاتهم العقارية بموجب قانون الإرهاب، لكن البعض من المحرَرين أكدوا أن النظام لا يكتفي بذلك فحسب وإنما يستغلّ مسؤولو النظام ملف المعتقلين للحصول على أموال من العائلات، مقابل الإفراج عن أبنائها أو جعل أسمائهم ضمن قوائم المعتقلين المزمع الإفراج عنهم.

ويصف العديد من الحقوقيين السوريين هذه الممارسات بأنها نوع من السمسرة والتجارة المحلية التي يستفيد منها النظام حيث يديرها مسؤولون في أجهزة الأمن. كما يقول البعض إن علاقة النظام بالسماسرة ازدادت تزامنا مع إصدار مراسيم "العفو العام" أو أنباء عن إفراج عن المعتقلين.

ويقول المعتقل السابق محمد شاليش إنه خرج من السجن مؤخرا بعد أن دفع مبلغا كبيرا رغم مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد. والمعتقل شاليش (26 عاما) من مدينة صور بريف محافظة دير الزور شرقي سوريا، الذي قضى 3 سنوات في سجون النظام، حكى في تصريحات صحافية قصته مع الاعتقال.

وأوضح أنه ومع تدهور الوضع الاقتصادي قرر في عام 2019 الذهاب إلى لبنان للعمل، ولكي لا يقع في قبضة قوات النظام اتفق هو وأصدقاؤه مع مهرب لكي يعبر بهم الحدود إلى لبنان، لكن قوات النظام ألقت القبض عليهم خلال لقائهم مع المهرب في دمشق، وزجوا بهم في السجن 3 سنوات.

وفي الثلاثين من أبريل الماضي أصدر النظام مرسوما للعفو عن معتقلين، بعد نشر صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تسجيلا مصورا لمجزرة ارتكبتها قوات النظام في حي التضامن بالعاصمة دمشق، راح ضحيتها 41 شخصا على الأقل.

وبعد ذلك، ظهرت صور لتجمّع المئات من الأشخاص في منطقة "جسر الرئيس" بدمشق، بانتظار وصول حافلات تحمل المعتقلين قادمين من سجن صيدنايا سيء السمعة.

وتفيد تقارير بأنه منذ بدء حملات الاعتقال في سوريا عام 2011، نشط المئات من السماسرة وعصابات الاحتيال التي تستغل عجز الأهالي المستعدين دائما لخسارة أي شيء مقابل الحصول على معلومة واحدة تطمئن بها قلوبهم على أحبائهم في ظل تحويل معظم الاعتقالات في سوريا إلى حالات اختفاء قسري.

وقال شاليش إنه اعتقد في البداية أنه سيتم إطلاق سراحه ورفاقه خلال يومين إلا أنهم نقلوا من مكان احتجازهم إلى مكان آخر، حيث عصبت عيونهم وألقوا في زنازين انفرادية وحينها أدركوا أنهم وقعوا في يد المخابرات.

وذكر أنه حينما خرج من بيته حمل معه بطاقة هوية قريبه الذي يصغره بالعمر بكثير لكي لا يتم سوقه إلى الخدمة العسكرية في حال تم القبض عليه، لكنه ومن شدة خوفه اعترف بكل شيء ومن بين ما اعترف به بأن بطاقة الهوية ليست له. وأوضح أنه بعد افتضاح أمر الهوية اتهموه بأنه عراقي وبقي تحت الضرب والتعذيب مدة شهر ونصف شهر، ووجهت إليه شتى أنواع السباب والشتائم.

وأضاف المعتقل السابق "بعد شهر ونصف شهر من التعذيب المضني نقلت إلى سجن صيدنايا سيء الصيت وألقي بي في حجرة لا يتجاوز عرضها 3 أمتار مليئة بكثير من المساجين، ولا مكان للجلوس".

وأردف "نقلنا بعدها إلى زنزانات منفردة، حيث تعرضنا للتعذيب دون تحقيق، وعلقونا في أسقف الزنازين، وكان مؤلما جدا، وهو أقسى ما تعرضنا له إلى جانب وسائل التعذيب الأخرى، حيث كانوا يسكبون الماء علينا ونحن معلقون بالسقف ويضربوننا".

وتابع "كانت جلسات التعذيب تحدث بعد منتصف الليل، ووصلنا إلى مرحلة أنه تعودنا عليها، لم نكن نتمكن من الذهاب إلى الحمامات، فنضطر لقضاء حاجاتنا في مكاننا، وكانوا يجوعوننا ولا يعطونا سوى 3 زيتونات ورغيف خبز يوميا".

وحسب شهادة شاليش، فإن الكثير من المعتقلين كانوا يمرضون بسبب الوضع المتردي في السجن الذي مكث به، ونتيجة عدم توفر الخدمات الصحية توفي عشرات منهم. كما تبقى جثث الموتى لفترات طويلة قبل حملها، وكثير من تلك الجثث يتم التخلص منها عبر الحرق.

ولم يتمكن المعتقل من التواصل مع عائلته بشكل مباشر طوال فترة وجوده في سجن صيدنايا، إلا أنه تمكن من إرسال معلومات عن مكان وجوده عن طريق أشخاص خرجوا من المعتقل.

وقال إن أهله قاموا بدفع رشاوى بمبالغ كبيرة حتى تمكنوا من نقله إلى سجن عدرا في ريف دمشق، وهو أقل قساوة من سجن صيدنايا، ودفعوا مبالغ أكبر لإطلاق سراحه.

وذكر أنه "بالرغم من مرسوم العفو المزعوم فإن عائلات المعتقلين تدفع أموالا طائلة من أجل أبنائها”، مبينا أن "المسؤولين عن السجون يحصلون على أموال كبيرة من عائلات المساجين، حيث تحول الأمر بالنسبة إليهم إلى تجارة".

وكان شاليش اتهم بالإرهاب وواجه التعذيب ولم يعرض لأي محكمة خلال فترة مكوثه في السجن، ويقول إنه مازال يعيش حالة صدمة مما عاناه، لافتا إلى أنه يشعر وكأنه في حلم بعد خروجه من السجن.

وأوضح "بعد أن دفعت عائلتي المبلغ المطلوب خرجت وعدت إلى بيتي بريف دير الزور، وأشعر بالسعادة لأني نلت حريتي، وأتمنى لزملائي الذين بقوا هناك أن يخرجوا في أقرب وقت".

ومنذ 2011، تشهد سوريا حربا أهلية بدأت إثر تعامل نظام الأسد بقوة مع احتجاجات شعبية مناهضة له بدأت في الخامس عشر من مارس من العام ذاته، ما دفع الملايين من الأشخاص للنزوح واللجوء إلى دول مجاورة فيما وقع آلاف آخرون في قبضة النظام السوري وتم اعتقالهم.

وقالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير مؤخرا إن النظام أفرج عن 476 معتقلا وفق مرسوم العفو الأخير، ومازال لديه قرابة 132 ألف معتقل على خلفية الحراك الشعبي منذ مارس 2011. وأضافت أن مرسوم العفو هو المرسوم التاسع عشر منذ مارس 2011 و"مازال لدى النظام السوري 87 ألف مختف قسريا، كما أنه لم يتوقف عن عمليات الاعتقال التعسفي".