الإعلام الرسمي في إيران: مؤسسة يدفع الشعب ثمنها دون أن يختارها.. 96 مليار تومان يومياً لإعلام بلا جمهور
الإعلام الرسمي في إيران: مؤسسة يدفع الشعب ثمنها دون أن يختارها.. 96 مليار تومان يومياً لإعلام بلا جمهور
في عصر التحولات السريعة في المشهد الإعلامي وأنماط استهلاك الأخبار، لا تزال هناك مؤسسة في إيران تتحدى كل منطق، حيث تُحدد ميزانيتها الفلكية ليس بناءً على حجم الجمهور أو جودة المحتوى أو الرضا العام، بل وفقاً لهياكل سلطوية ثابتة وغير شفافة.
الإعلام الرسمي في إيران: مؤسسة يدفع الشعب ثمنها دون أن يختارها.. 96 مليار تومان يومياً لإعلام بلا جمهور
في عصر التحولات السريعة في المشهد الإعلامي وأنماط استهلاك الأخبار، لا تزال هناك مؤسسة في إيران تتحدى كل منطق، حيث تُحدد ميزانيتها الفلكية ليس بناءً على حجم الجمهور أو جودة المحتوى أو الرضا العام، بل وفقاً لهياكل سلطوية ثابتة وغير شفافة. إنها “مؤسسة الإذاعة والتلفزيون” ، التي كشفت تقارير حديثة عن أبعاد مالية صادمة تثير تساؤلات جدية حول استنزاف الموارد العامة وانعدام المسؤولية لدى هذا الجهاز التابع للنظام.

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على هيئة الإذاعة والتلفزيون لنظام الملالي وستة من مسؤوليه
أضافت الخزانة الأمريكية إذاعة وتلفزيون النظام والعديد من مسؤولي وقادة هذه المؤسسة إلى قائمة العقوبات الخاصة به.
وأعلنت الوزارة يوم الأربعاء، 16 نوفمبر / تشرين الثاني: تم إضافة الأفراد التالية أسماؤهم إلى قائمة SDN الخاصة بـ OFEC
تكلفة إجبارية: كل إيراني يدفع الثمن
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “آرمان ملي” الحكومية في عددها الصادر يوم 23 نوفمبر 2025، واستناداً إلى بيانات رسمية، فإن نصيب كل فرد إيراني من التكاليف السنوية لهذه المؤسسة يقدر بأكثر من مليون تومان يومياً، وحوالي 385 مليون تومان سنوياً. وهذا يعني، بحسب التقرير، أن “المواطنين، بغض النظر عما إذا كانوا يشاهدون التلفزيون أم لا، يؤمنون برسالة هذه المؤسسة أم لا، أو هجروها منذ سنوات، مضطرون لدفع ثمن وسيلة إعلامية لم يختاروها”. في هذا الهيكل المشوه، المواطن ليس عميلاً ولا ناقداً مؤثراً؛ بل هو مجرد مصدر دخل إجباري سُلبت منه حرية الاختيار.
فاتورة يومية باهظة واعتراف رسمي بالهدر
وفي تصريح نادر وصريح يعكس حجم الإنفاق الهائل، كشف سيد شهاب الدين طباطبائي، عضو مجلس الإعلام الحكومي، عن الرقم الصادم: “في كل صباح تُرفع فيه ستائر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، يدخل 96 مليار تومان من أموال الناس إلى هذه المنظمة”.
لكن ما هو العائد من هذا الحجم الهائل من الموارد؟ هل تمكنت هذه المؤسسة من تمثيل التنوع الثقافي والاجتماعي للشعب الإيراني؟ أم أنها تستمر في إنتاج محتوى مكرر ومنغلق، متجاهلة الاستياء المتزايد في المجتمع؟
يجيب طباطبائي بنفسه، مؤكداً أنه إذا لم تنعكس اهتمامات وأذواق الناس في هذا الإعلام، فإن هذه النفقات “لم تُصرف في مكانها الصحيح”. هذا التصريح، الذي يبدو في ظاهره نقداً بسيطاً، هو في عمقه وثيقة إدانة للفجوة الهائلة بين الإعلام الرسمي والمجتمع. الإعلام الذي يقتات على أموال الناس ولكنه غير مسؤول أمامهم، يتحول عملياً إلى مؤسسة تستمد شرعيتها من الآليات الإدارية والسياسية لمصالح السلطة الحاكمة، وليس من الثقة العامة.

اعتراف باستمرار الارتباك والصمت بعد خمسة أيام من توقف شبكات الإذاعة والتلفزيون التابعة للنظام
كتب الموقع الإلكتروني الحكومي “اقتصاد أونلاين”: بعد الهجوم الإلكتروني على الإذاعة والتلفزيون، كان من المتوقع أن تقوم المراكز الأمنية المعنية بالرد كما حدث في السابق وإبلاغ مصدر الهجوم وشكله بنشر التفاصيل. أحد هذه المراكز هو مركز إفتا للإدارة الإستراتيجية التابع للمؤسسة الرئاسية، وهو المسؤول عن تحديد مصادر الهجوم والمعلومات في هذا المجال.
نمو ميزانية “مذهل” مقابل انحدار في الجمهور
الأكثر إثارة للدهشة هو ما كشفه التقرير الحكومي عن أن “ميزانية الإذاعة والتلفزيون شهدت نمواً مذهلاً بنسبة 3400% خلال السنوات الـ13 الماضية”. حدث هذا النمو المتسارع في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي المستقلة إلى أن عدد جمهور هذه المؤسسة في انحدار مستمر منذ سنوات، حيث اختار جزء كبير من المجتمع مصادر بديلة للمعلومات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، الإعلام الخارجي، ومنتجي المحتوى المستقلين، بعيداً عن رواية النظام الرسمية.
مؤسسة فوق المحاسبة
في حين يتم تخصيص ميزانيات الإعلام العام في العديد من الدول بناءً على مزيج من الكفاءة والثقة العامة، تظل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في إيران فوق المحاسبة، مصنفة ضمن “أكثر المؤسسات تكلفة وأقلها جمهوراً”. إنها مؤسسة لا تخضع للمنافسة، ولا تقدم أي تفسير لتكاليفها الباهظة التي يتحملها المواطن.
أزمة شرعية عميقة
الحقيقة هي أن القضية اليوم ليست فقط في النفقات الفلكية أو إحصاءات الميزانية المروعة – التي تأتي على حساب إفقار 60% من المجتمع – بل القضية الأساسية هي حق الناس في الاختيار. إن اعتراف الإعلام الحكومي نفسه بأن الناس “لم يختاروا” هذه المؤسسة يعكس انعدام المصداقية الشامل للنظام الإيراني في المجالين السياسي والإعلامي. هذا التقرير هو مرآة للواقع المستقطب في إيران، وصورة لصراع يحتدم باستمرار نحو حسم نهائي بين المجتمع والسلطة.