معرض استعادي لتجربة رسام ..
احتفاء إماراتي بتجربة المغربي محمد المليحي التشكيلية

تجديد في الفضاء التشكيلي المغربي والعربي عامة
عبر معرض استعادي من تنظيم القيّمين مراد منتظمي ومادلين دي كولنيت، يحتفي مركز السركال أفنيو بدبي، حاليا، بتجربة الفنان التشكيلي المغربي محمد المليحي، الذي يوصّفه نقاد الفن برسام الأمواج اللونية والأشكال التجريدية والرموز التراثية الغنية بالإضاءة الناصعة في جمع فريد بين الصنعة والجمال.
ويعتبر المليحي المولود في أصيلة عام 1939، من أهم رواد الفن التشكيلي العربي، درس الفن في كلية الفنون الجميلة في تطوان، في الخمسينات، وغادر لمتابعة دراسته في إسبانيا ثم إيطاليا فالولايات المتحدة.
وإثر عودته إلى المغرب من رحلته المعرفية، بدأ العمل معلما في مدرسة الدار البيضاء التي كان يديرها التشكيلي فريد بلكاهية سنة 1962، وبعد بضع سنوات بدأ في إصدار مجلة تشكيلية مخصّصة بعنوان “انتكرال”.
وسعى المليحي منذ استقراره بالمغرب إلى إقناع طلبة مدرسة الفنون الجميلة في الدار البيضاء بأهمية الموروث البصري المغربي، علاوة على جهوده لتقريب التشكيل من المواطن العادي في الفضاءات المفتوحة، بعيدا عن قاعات المعارض، بمعية بعض أصدقائه الرسامين؛ فريد بلكاهية ومحمد شبعة ومحمد حميدي ومحمد أطاع الله، الذين أقاموا معرضا تشكيليا في ساحة جامع الفناء بمراكش صيف سنة 1969؛ لتحقيق التواصل المباشر بين الفنان والجمهور من دون حواجز، في أول سابقة من نوعها. وهي التجربة التي تكرّرت أكثر من مرة بعد ذلك.
وفي سياق انشغاله بإشكالية البيئة، ومن أجل إضفاء لمسات من الجمال على بعض الساحات العمومية والحدائق والفضاءات الخضراء، حرص المليحي على تأثيثها بمنحوتات مشرئبة نحو السماء، في شموخ وعنفوان، إضافة إلى إعطائه بعدا تزيينيا لأرضية ممرات مدينة أصيلة، التي رأى فيها النور سنة 1936، وظل مرتبطا بها وجدانيا وروحانيا أيام تنقلاته في إسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، سعيا وراء الدراسة، قبل أن يعود إليها من رحلة الاغتراب.
وتأثّرت أعمال المليحي بالهندسة المعمارية، والتراث الإسلامي بشكل كبير، لكن هذا لا يمنع حضور الأثر الأوروبي، أما الألوان فليست بعيدة عن حرارة المغرب وألوان بيوته وعمارته وثيابه التقليدية الحارة التي تتراوح بين الأزرق والأصفر بشكل أساسي.
ويقول الناقد المغربي فريد الزاهي عن تجربة الفنان محمد المليحي إن “التركيبة التي يقدّمها لنا المليحي عصارة تجربته الفريدة، البسيطة والمركبة، التجريدية والتشخيصية، الرمزية والواقعية في الآن نفسه. إنها جغرافيا تاريخية تمنحنا جُماع الوهج الذي به اخترق عقودا طويلة من تاريخ الفن الحديث والمعاصر بالمغرب”.
وخلال فترة التسعينات انقطع الفنان تقريبا عن الرسم، ثم عاد حيويا ومتجددا أكثر من ذي قبل، وقام في عودته الجديدة بالتركيز على رسم الجسد المؤنث.
وفي مارس الماضي حطمت لوحة للمليحي الأرقام القياسية في مزاد لندني، بعدما بيعت بما يعادل تقريبا سبعة أضعاف السعر الذي كان محدّدا لها.
ومن أصل 71 عملا لـ48 فنانا عرضت للبيع في مزاد سوثبيز، برز عمل المليحي الذي ظفر بأكبر سعر خلال عملية البيع.
وقد رسمت هذه اللوحة التي تحمل عنوان “ذي بلاكس”، سنة 1963 بنيويورك خلال الفترة التي كان فيها الفنان المغربي يقيم بالولايات المتحدة.
وتم شراء هذا العمل الفني الذي قدّرت قيمته بمبلغ يتراوح ما بين 55 و65 ألف جنيه إسترليني بمبلغ 399 ألف جنيه إسترليني (حوالي 495 ألف دولار أميركي)، أي ما يعادل سبع مرات سعره الأصلي، ما يجعل منها أكبر عملية بيع لهذا المزاد، لكن أيضا أكبر رقم قياسي، اعتبارا لتقييم السعر المبدئي الذي منح للعمل.
واستلهم المليحي هذا العمل الفني من المشهد الحضري الرمزي لنيويورك، لكن بلمسة مستوحاة من الغنى الثقافي للمغرب.
وشارك إلى جانب الفنان المغربي في المزاد الذي نظم إلكترونيا كإجراء وقائي من فايروس كورونا، خلال الفترة ما بين 27 و31 مارس الماضي، مجموعة من التشكيليين المعروفين عالميا، من بينهم، المغربي فريد بلكاهية الذي جاء في المركز الثالث، والعراقي محمود صبري الذي حقّقت لوحته “عائلة من المزارعين” ثاني أكبر مبيعات في المزاد بمبلغ 300 ألف جنيه إسترليني (حوالي 386 ألف دولار أميركي)، وكذلك أنطوان مليراكيز مايو، وكامروز آرام، وحميد ندى، وفرهاد مشيري، ويوسف نبيل وفخر النساء زيد.
وفي أبريل 2019 أقام رواق الفن “فضاء التعبيرات” بالرباط معرضا استعاديا ضخما لأعمال الفنان المغربي حمل شعار “60 سنة من الإبداع.. 60 سنة من الابتكار”، في احتفاء بمرور 60 عاما على انطلاق تجربة محمد المليحي المجدّدة في الفضاء التشكيلي المغربي والعربي عامة، وهو الذي تناول العديد من نقاد الفن تجربته الإبداعية في أكثر من كتاب.