تقارير وتحليلات
أردوغان لا يراهن على قوة تركيا بل على ضعف جيرانها
تركيا تستثمر ارتباك إيران لبسط نفوذها في العراق
تكشف تركيا عن طموحات متزايدة للدخول كلاعب رئيسي إلى حلبة المنافسة على النفوذ في العراق، متوقّعة وجود فرصة مواتية لذلك مع احتمال تراجع الدور الإيراني هناك بسبب الظروف الداخلية شديدة التعقيد التي تشهدها إيران، وأيضا بسبب ضعف حلفاء طهران العراقيين وتخلخل أسس النظام السياسي الذي يقودونه، إثر موجة الاحتجاج الشعبي غير المسبوقة التي يشهدها البلد منذ أكتوبر الماضي.
وقال السفير التركي لدى بغداد، فاتح يلدز، إنّ التوازنات السياسية التي تأسست في العراق عام 2003 قد تغيرت، وإن أنقرة تعمل على تحسين التعاون الثنائي التركي العراقي، وخاصة في مجالي الأمن والاقتصاد.
وسلكت تركيا تحت حكم زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان مسلكا جديدا في سياستها الخارجية يحاكي سياسة التدخّل الإيرانية في شؤون بلدان الإقليم، كاشفة عن مطامع حقيقية في بلدان عربية ضعيفة الممانعة للتدخلات الخارجية مثل سوريا وليبيا وقطر والسودان، وموسّعة طموحاتها لتشمل التدخّل في اليمن، وتأسيس نفوذ حقيقي لها سياسي وعسكري واقتصادي في العراق.
وعلى غرار طهران تعمل أنقرة على استخدام الوكلاء المحلّيين في العراق باستمالة عناصر من الطبقة السياسية التي أظهرت دائما مطواعية للعمل لمصلحة الجهات الخارجية طالما ضمنت لها تلك الجهات مصالحها المادية والسياسية.
وتعتمد تركيا في العراق على زعماء وشخصيات سياسية سنّية مستاءة في الغالب من الهيمنة الشيعية على مقاليد الحكم، وتركّز بشكل خاص على ذوي الانتماءات الإخوانية مثل عناصر وقيادات الحزب الإسلامي، كما تعتمد على قيادات تركمانية كثيرا ما تجاهر بولائها لتركيا.
وقال أرشد الصالحي رئيس الجبهة التركمانية العراقية “إن تركيا لم تترك الشعب العراقي وتركمان العراق لوحدهم أبدا”. وجاء ذلك في معرض شكره لأنقرة لتمويلها عملية ترميم سوق قيصرية وسط مدينة كركوك شمالي البلاد بعد أن أتى عليه حريق هائل سنة 2018.
وجاء الاهتمام التركي بهذا المعلم كونه يعود إلى الحقبة العثمانية التي يُظهر الرئيس التركي اهتماما شديدا بها محاولا أن يستمدّ منها مشروعية تاريخية لتدخّله في شؤون البلدان العربية خصوصا تلك التي خضعت لحكم العثمانيين.
وفي مقابلة مع وكالة الأناضول التركية بمناسبة افتتاح مقر جديد لسفارة بلاده في المنطقة الخضراء عالية التحصين وسط العاصمة بغداد، قال السفير يلدز إنّ نقل السفارة من المقر السابق في منطقة الوزيرية إلى المنطقة الخضراء سيساهم في “كسر الوجه البارد للسياسة”، وسيمنح المزيد من الوقت للأنشطة الدبلوماسية العامة القريبة من “نبض الشارع”.
وأضاف أن السفارة تعمل من داخل المنطقة الخضراء وفق مبدأ يضمن التواصل الفعّال مع أبناء الشعب العراقي، انطلاقا من هذه المنطقة.
وتعوّل تركيا على إمكانية تراجع النفوذ الإيراني في العراق بسبب اهتراء النظام العراقي الذي شاركت إيران بفعالية إلى جانب الولايات المتحدة في إنشائه قبل سبعة عشر عاما، وواصلت منذ ذلك الحين التحكّم فيه عبر كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لها. لكنّ ذلك النظام وصل إلى طريق مسدود بعد فشله الذريع في قيادة الدولة العراقية التي سجلت تراجعات كبيرة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ويخضع النظام العراقي منذ مطلع أكتوبر الماضي لضغط شعبي شديد أجبر حكومة عادل عبدالمهدي على الاستقالة، في الأول من ديسمبر الماضي، فيما بدا النظام عاجزا عن ملء الفراغ بتشكيل حكومة جديدة بسبب صراعات فرقاء العملية السياسية على المناصب والامتيازات.
ووصف يلدز المرحلة التي يمر بها العراق بأنها “فترة خاصة جدا”، مشيرا إلى تغير التوازنات السياسية التي تأسست في العراق بعد سقوط نظام حزب البعث.
وأضاف أن تغير تلك التوازنات تزامن مع طرح الشارع العراقي تساؤلات حول جدواها، في ظل أجواء يصعب التكهن بنتائجها.
وأردف “العراق اليوم يسعى إلى الخروج من عنق الزجاجة، ونقف على أعتاب مرحلة استقالت فيها الحكومة، ولم يتم حتى الآن تشكيل حكومة جديدة تدير شؤون البلاد”. ولمّح السفير إلى رغبة بلاده في استثمار تلك الأوضاع، قائلا إنّ أنقرة تعمل على تحسين آفاق التعاون مع بغداد، خاصة في مجالي الأمن والاقتصاد، موضحا أن مكافحة تنظيم داعش وحزب العمّال الكردستاني الذي تصنّفه تركيا تنظيما إرهابيا، تتصدر العلاقات الثنائية. وتابع “من الناحية السياسية، لدينا شبكة من العلاقات تعمل على زيادة فرص التعاون مع الجانب العراقي، لاسيما في مكافحة الإرهاب”.
وخلال السنوات الأخيرة كثّفت تركيا من تدخّلها العسكري داخل الأراضي العراقية بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني ووسّعت من عملياتها ضدّ الحزب لتشمل مناطق جديدة مثل منطقة سنجار بشمال غرب محافظة نينوى، بعد أن كانت مقتصرة على مناطق بعينها داخل إقليم كردستان العراق.
ولم تستثن أنقرة الطموح إلى تركيز وجود عسكري دائم لها على الأراضي العراقية، حيث أنشأت لها قاعدة عسكرية في منطقة بعشيقة بشمال شرق مدينة الموصل، ولا تزال تصر على عدم إخلائها رغم مطالبات بغداد المتكرّرة بذلك.
كذلك تأمل تركيا في استثمار الأزمة الاقتصادية الحادّة في العراق خصوصا وأنّ إيران التي يقيم معها علاقات تجارية واسعة في عدّة مجالات على رأسها قطاع الطاقة تخضع لعقوبات أميركية شديدة.
وتأمل تركيا في الوصول إلى قطاع النفط العراقي وهو ما عبّر عنه السفير يلدز بالقول إنّ العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق في مجال الطاقة “واعدة”، لاسيما في مجال تصدير النفط العراقي إلى تركيا.
كما شدّد السفير على أهمية التعاون التجاري بين البلدين، مضيفا أن أنقرة تعمل على الاستفادة من هذا التعاون، لتحويل العراق إلى قاعدة للاستثمار.
وشهد العراق بين سنتي 2014 و2017 حربا ضروسا ضدّ تنظيم داعش خلّفت دمارا كبيرا في البنى التحتية بمناطق شمال وغرب البلاد حيث دارت الحرب.
وتدخل عملية إعادة إعمار تلك المناطق المقدّرة تكلفتها بحوالي 88 مليار دولار ضمن الحسابات التركية. وقال يلدز إنّ بلاده تتابع عن كثب عملية إعادة إعمار العراق، وتنظر في تقديم الدعم له في مجال البنى التحتية وتقاسم الثروات المائية بين البلدين.
ويحيل حديث السفير عن قضية المياه على المعضلة التي يتوقّع أن يواجهها العراق خلال السنوات القادمة جرّاء إقامة تركيا سدّ أليسو الضخم على نهر دجلة والذي ستؤثّر عملية ملئه على الحصّة المائية للعراق، فيما تتجه تركيا إلى استخدام تلك القضية ورقة لمساومة بغداد على ملفات أخرى تشمل الطاقة والأمن.