تقارير وتحليلات
احتلال ثقافي وديني
أذرع طهران للسيطرة على السودان في عهد البشير
مع اندلاع الثورة الإيرانية 1979، حاولت طهران نشر أفكار حركتها في الدول المحيطة كخطوة احترازية، ومع الوقت، زادت من انتشارها في المحيط الإقليمي، إما عن طريق الأدوات العسكرية مثل حزب الله في لبنان، أو عبر أدوات ثقافية، كما هو الحال في السودان، التي فتحت أبوابها عبر نظام عمر البشير لصالح نظام الملالي.
أدوات إيران في السودان
هناك عدة خطوات يمكن من خلالها الاستدلال على أهمية السودان لدى قادة إيران، ورغبتهم في نشر أذرع لهم بداخلها، ومنها تصريح وزير الدفاع الإيراني السابق مصطفى نجار، والذي وصف السودان بأنها «حجر الزاوية في الإستراتيجية الإيرانية بالقارة الأفريقية».
وارتبطت سودان عمر البشير بنظام الملالي منذ شهوره الأولى، فبعد عامين من إطاحته بحكومة الصادق المهدي، زار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، السودان في عام 1991، على الرغم من حالة العزلة التي مرت بها جراء حصار المجتمع الدولي للخرطوم.
واعتمدت إيران على عدة أذرع، ومنها:
1- الذراع الديني: على الرغم من الاختلاف المذهبي ما بين إيران الشيعية والسودان السنية، فإن نموذج الثورة الإيرانية كان ملهمًا لحركات الإسلام السياسي في الوطن العربي، وعلى رأسها حركة الإخوان الإرهابية.
وفطن النظام الإيراني إلى هذه الخطوة، لذا حاول أن ينشر المذهب الشيعي مع مبادئه الثورية، لذا شهدت السودان إقامة حسينيات في الخرطوم، بالإضافة إلى نشر المئات من الكتب الشيعية عبر المراكز الثقافية الإيرانية بالخرطوم.
2- الذراع الثقافي: ركزت إيران على البعد الثقافي بصورة أساسية خلال محاولتها الانتشار داخل السودان، مستغلة في ذلك سماح حكومة عمر البشير لها بإنشاء مراكز ثقافية بالبلاد.
وأبرز الأذرع الثقافية الإيرانية في السودان هي «المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم» وهو مركز نشر الفكر الإيراني سياسيًّا وعسكريًّا ودينيًّا داخل البلاد، لاعبًا بذلك دورًا خطيرًا في الداخل السوداني.
ويحتوى المركز على كتب فكرية إيرانية سواء على المستوى الديني أو الفكري، وهي الكتب التي تم إهداء الكثير منها إلى المدارس والجامعات الحكومية السودانية.
بالإضافة إلى إعلانه عن العديد من المنح الدراسية للطلاب السودانيين في الجامعات الإيرانية، بهدف إشباعهم بالفكر الإيراني، وكي يكونوا نواة يمكن الاعتماد عليها مستقبلًا في السودان.
وتعاون المركز الثقافي مع المستشارية الإيرانية في الخرطوم، وذلك عن طريق تقديم دورات لتعلم اللغة الفارسية بمبالغ زهيدة للغاية للشباب السوداني، وكلها خطوات تهدف لإحداث تغيير ثقافي لدى المواطنين السودانيين عمومًا، والشباب خصوصًا.
3- أذرع عسكرية: لعبت طهران على نقطة العزلة الدولية التي مر بها السودان نتيجة للسياسات الخاطئة لنظام الرئيس عمر البشير، وحاولت أن تجد لنفسها موطئ قدم عبر ذلك.
ويظهر ذلك في تقديمها دعمًا عسكريًّا كبيرًا إلى الخرطوم، وذلك منذ فترات طويلة، حيث مولت شراء 20 طائرة هجومية صينية في عام 1993، كما قدمت 17 مليون دولار كمساعدات في العام التالي، وفي 1995، زار وفد عسكري إيراني الخرطوم وقدم 300 مليون دولار وسيارات مدرعة ومعدات رادار.
وفي عام 2008، وقعت البلدان اتفاقية عسكرية، وذلك بحضور وزيري الدفاع الإيراني والسوداني مصطفى نجار وعبدالرحيم حسين، ونصت الاتفاقية على التعاون في مجال الاستخبارات والإنتاج الصناعي العسكري.
علاقات المصلحة
لم يتجه نظام الملالي إلى السودان كخطوة عبثية، ولكنه خطط لذلك، مستغلًا سيطرة جماعة الإخوان عليه، بالإضافة إلى تمتعه بموقع جيو-سياسي متميز داخل القارة الأفريقية.
لذا سعت طهران إلى إحداث تطور كبير في علاقتها مع السودان، مستغلة في ذلك وصول عمر البشير، القيادي بالجبهة الإسلامية القومية المنشقة عن جماعة الإخوان الإرهابية، واستمرت العلاقة بين الطرفين حتى سقوط نظام البشير.
ومع سودان الثورة، سعت الخرطوم إلى فض أي ارتباط يجمعها بإيران، لذا سارعت إلى المشاركة في عاصفة الحزم، والتي تستهدف بصورة أساسية ذراع إيران في اليمن ممثلًا في ميليشيات الحوثي.