شؤون العرب والخليج
مساعي مالي لفتح باب التفاوض مع المتطرفين تصطدم بمعارضة فرنسية
الحل قد لا يكون أمنيا فقط
تسعى السلطات الانتقالية في مالي إلى فتح قنوات اتصال جديدة مع الجماعات المسلحة لتخفيض حجم العنف وسط معارضة فرنسية.
وتتشكل خطة السلطات الانتقالية المالية المنبثقة عن انقلاب 18 أغسطس الماضي من مسارين، الأول رسمي والثاني شعبي.
ففي 6 أبريل الجاري أطلق الإمام محمود ديكو الذي قاد المظاهرات التي انتهت بانقلاب أطاح بحكم الرئيس إبراهيم كيتا مركزا لتعزيز السلم والتعايش المشترك في البلاد بإشراف من الحكومة الانتقالية.
وعلق الوزير الأول في الحكومة الانتقالية مختار وان على إطلاق هذا المركز بأنه سيساهم “في تعزيز حركية الحوار بين مختلف الفاعلين بمنطقة الساحل”.
وسبق إطلاق مركز “محمود ديكو” تشكيل الحكومة الانتقالية هيئة للدخول في مفاوضات مع المتشددين المرتبطين بتنظيم القاعدة في 20 فبراير الماضي.
ويمثل القاعدة في مالي والساحل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تشكلت في 2017 من اتحاد 4 جماعات متشددة بقيادة إياد آغ غالي زعيم جماعة أنصار الدين (من قبائل الطوارق شمالي مالي)، وضمت أيضا جماعة تحرير ماسينا بقيادة أمادو كوفا من قبيلة الفولاني المنتشرة في مدينة بونتي ومحيطها (وسط).
كما ضم هذا الاتحاد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وكتيبة المرابطين، وغالبية عناصرهما أجانب من خارج مالي.
بينما اختارت “جماعة التوحيد والجهاد” الانضمام إلى تنظيم داعش وأصبحت تلقب بـ”داعش الصحراء الكبرى”، وتتمركز بشكل أساسي في منطقة الحدود الثلاثة بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وتحاول السلطات المالية عبر الحوار مع المتشددين فصل الجماعات المحلية ممثلة في أنصار الدين وجماعة ماسينا عن المسلحين الأجانب في القاعدة ببلاد المغرب وكتيبة المرابطين بهدف إعادة إدماج المسلحين المحليين والتفرغ لقتال المسلحين الأجانب الأكثر تطرفا والأقل عددا.
وسبق للرئيس المطاح به إبراهيم كيتا أن اعترف في 2019 وبشكل علني بأن الحكومة على اتصال مباشر مع آغ غالي وكوفا.
ويدعم هذا التوجه الاتحاد الأفريقي الذي دعا على لسان مفوضه للسلم والأمن إسماعيل شرقي إلى “استكشاف الحوار مع المتطرفين” في منطقة الساحل و”تشجيعهم على إلقاء السلاح”.
ويتقاطع هذا الموقف مع رؤية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للحل في مالي والذي قال في أكتوبر الماضي “هناك الكثير من الجماعات التي يمكن أن نتحدث معها ويمكن أن تكون لديها مصلحة في عقد هذا الحوار كي تصبح جهات سياسية فاعلة في المستقبل”.
كما تؤيد الجزائر الجارة الشمالية لمالي إجراء مصالحة مع آغ غالي الذي كان قنصلا سابقا لمالي في مدينة جدة السعودية، وقاد في 1990 تمردا للطوارق ساهمت الوساطة الجزائرية في إنهائه.
وتسوق الجزائر لتجربتها في المصالحة الوطنية التي أنهت أزمتها الأمنية (1992 – 2000) كنموذج لحل النزاعات المسلحة، خاصة وأنها سمحت بتسليم 15 ألف مسلح لأسلحتهم مقابل استفادتهم من العفو، مع استثناء بعض الفئات التي تورطت في المجازر والتفجيرات.
وعلى عكس توجه السلطات المالية الجديدة نحو التفاوض مع زعيمي “أنصار الدين” و”ماسينا” لا يبدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قناعة بإمكانية التوصل إلى أي اتفاق مع تنظيم القاعدة.
فخلال قمة لزعماء دول الساحل عُقدت في العاصمة التشادية نجامينا منتصف فبراير الماضي زعم ماكرون في كلمة له عبر الفيديو أنهم اتفقوا على أنه “لا يمكنهم التفاوض مع قادة اثنتين من أكبر الجماعات المسلحة في المنطقة” في إشارة إلى آغ غالي وكوفا.
لكن بعد أيام جاء إعلان السلطات المالية تشكيل هيئة للتفاوض مع المتشددين وعلى رأسهم آغ غالي وكوفا مما شكل إحراجا لماكرون، كما أن بوركينا فاسو تتجه نحو فتح حوار مع جماعات محلية مرتبطة بالقاعدة، بينما تعارض النيجر أي حوار مع الجماعات الإرهابية.
وتعتقد “مجموعة الأزمات الدولية” أن السبب الحقيقي لمعارضة فرنسا للحوار مع المتشددين يتعلق بالطابع “العلماني للدولة”، وأيضاً خشية إعطاء طابع شرعي لجماعة “يداها ملطختان بالدماء”.
لكن القيادات السياسية على اختلاف توجهاتها في مالي تدعم فكرة الحوار مع المسلحين المحليين للخروج من دوامة العنف، خصوصا وأن الرأي العام المحلي يعتقد أن القوات الفرنسية فشلت خلال فترة تواجدها بالبلاد في القضاء على الإرهابيين، وتستغل هذا الوضع لتثبيت نفوذها في المنطقة.
وسبق لمؤتمرين للوفاق بمالي جمعا شخصيات محلية بارزة بينها معارضون في 2017 و2019 أن اقترحا التحاور مع آغ غالي وكوفا.
وتعارض باريس بشدة أي مفاوضات مع الرجلين، إذ اعتبرت الرئاسة الفرنسية أن قيادة هذه الجماعة “خاضعة للقيادة المركزية للقاعدة وهي جزء لا يتجزأ من هيكلها التنظيمي”، وأنه “لم ينجح أحد في التفاوض مع القاعدة ولن تقوم فرنسا بذلك”.
لكنها تراجعت خطوة إلى الوراء في ديسمبر الماضي عندما أعلنت أنه “يمكن إجراء مفاوضات في منطقة الساحل مع عناصر في جماعات جهادية”، دون أن تشمل المفاوضات قادة القاعدة وداعش.
ووقعت فرنسا في تناقض عندما “وافقت” على مفاوضات مع آغ غالي لإطلاق سراح سياسي مالي وثلاثة رهائن غربيين مقابل دفع فدية وإطلاق سراح 200 متهم بالإرهاب من السجون المالية، وحتى إن نفت ذلك رسميا، إلا أنه جرت العادة أن تدفع دول غربية فدية عبر وسطاء لإطلاق سراح رهائنها لدى المنظمات المتطرفة.
ووقع الكثير من القتلى في مالي خلال الأسابيع الأخيرة خلال مواجهات عنيفة بين الجيش المالي والقوات الأممية من جهة والجماعات المسلحة الموالية لداعش والقاعدة.
غير أن أعنف هذه المواجهات وقع في منطقة غاو (شمال شرق) بالقرب من منطقة الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو، والتي قتل فيها 33 جنديا ماليا و20 من عناصر داعش الصحراء الكبرى في 15 مارس الماضي.
ويستنتج المتابعون أن الحل قد لا يكون أمنيا فقط، حيث أن المصالحات القبلية من شأنها المساهمة في سحب أبنائها من التنظيمات المسلحة التي تستثمر في الخلافات الإثنية والعرقية بين القبائل المالية.