شؤون العرب والخليج

الحسكة... مدينة سورية منهكة تئن تحت وطأة حرب مياه الشرب

سوريا

لا مكان يشبه مدينة الحسكة السورية اليوم، سوى المدن المنكوبة الخارجة للتو من حرب عالمية.

مشهد الآلاف من البشر وهم يلاحقون صهاريج مياه الشرب والخزانات الميدانية أملا بالحصول على ما يحتاجه أطفالهم وشيوخهم منها، يكاد يجسد لقطة من فيلم، أكثر منه واقعا يعيشه سكان محافظة لطالما احتضنتها الأنهار التي نشأت على ضفافها أعظم حضارات التاريخ.

اليوم بات الحال مختلفا، ففي ظل تجاذب بين مسلحين سوريين موالين للجيش الأمريكي من جهة، وأنداد لهم موالين للجيش التركي، وصلت سيوف العطش إلى بطون أطفال ونساء وشيوخ مواطنيهم من سكان المدينة التي بات التمرس بالنكبات التي يكرسها أبناء جلدتهم خدمة لآجندات جيوش "محتلة"، أبرز سماتها.

في شوارع المدينة، ومنذ قرابة 50 يوماً، ينهمك سكان مدينة الحسكة رجالاً وأطفالاً ونساء وكبارا في السن في عمليات الجري وراء الصهاريج الخاصة لنقل المياه والخزانات الميدانية القليلة التي يتم ملؤها من قبل المنظمات الدولية في شوارع وأحياء المدينة، علهم يتمكنون من تأمين مياه الشرب.

وتتفاقم مشكلة انقطاع المياه في مدينة الحسكة دون حلول في ظل المساعي الروسية والسورية الحثيثة لإنهاء هذه المأساة وإعادة المياه إلى مجاريها بأسرع وقت، ولا يزال البحث عن حلول بديلة إسعافية من قبل الجهات الحكومية السورية بالتعاون مع المنظمات الدولية لتوفير مياه من خارج الشبكة الطريقة الأمثل رغم أنه أمر صعب، ما يجعل المواطنين أمام خيار وحيد يتمثل في الصبر على الظروف القاسية التي يعيشونها.

وتدفع السيدة فاطمة (50 عاماً) وهي من سكان حي الناصرة في مدينة الحسكة، كل عشرة أيام ما يقارب 20 ألف ليرة سورية لتأمين المياه من الصهاريج الجوالة، وهذا يشكل عبئاً مادياً على العائلة التي باتت تستهلك كميات أكثر من المياه مع ارتفاع درجات الحرارة.

وتشرح فاطمة لــ "سبوتنيك" بأن عائلتها تتألف من عشرة أشخاص، تعتمد كلياً على شراء المياه من الصهاريج، ورغم تأكيدها وسكان آخرين أن مياه الصهاريج غير صحية أو صالحة للاستهلاك البشري، إلا أن فاطمة تجد نفسها مجبرة على استخدامها وشربها، في ظل عجزها عن شراء المياه المعدنية.

الحسكة تموت عطشا

تحت هذا العنوان اختصر الصيدلاني عبيد الشعلان أحد سكان مدينة وهو يعمل جاهداً بنقل المياه من إحدى الخزانات المنتشرة خلال حديثه لمراسل"سبوتنيك" شرقي سوريا، قائلاً بأنه "فاقد الشيء لا يعطيه وأي شيء لا تملكه لا تستطيع التحكم به أبداً، لذلك ما زالت محطة آبار علوك خارج سيطرة الدولة السورية لا نستطيع حل المشكلة التي عمرها أكثر من ثلاثة سنوات".

متابعاً أن "البدائل الحالية هي مياه الصهاريج الحل والخزانات التي ترهق كاهل المواطن السوري مالياً ومعنوياً، دون وجود أمل حقيقي لحل المعظلة التي أرهقتنا جميعاً في ظل ظروف صحية حياتية صعبة" لذلك الحسكة بالفعل تموت عطشاً لأن الأنسان يستطيع تحمل الجوع لكنه يموت إذا فقد الماء، بحسب الشعلان.

جريمة كبرى

من جانبه خضر خليل رئيس جمعية "سنابل الأمل" الخيرية في الحسكة اعتبر في حديثه لـ "سبوتنيك" أن "قطع المياه من قبل الاحتلال التركي وتحكم قوات "قسد" بالكهرباء المغذية لمحطة علوك بريف رأس العين هي جريمة كبرى بحق مليون مواطن سوري في مدينة الحسكة وضواحيها" وأنهم يجب أن يحاسبوا حساباً كبيراً عليها.

مضيفاً أن قضية توزيع الخزانات والصواريخ هي قضية غير مهمة وليست الحل للمشكلة إنما الحل النهائي والحازم هو إعادة سيطرة محطة علوك إلى سيادة وسلطة الدولة السورية بأسرع وقت ممكن.

المياه من حقي

في حين أكد عبد الغني أسيود لوكالة "سبوتنيك" حقه في الحصول على مياه الشرب النقية والصالحة للشرب، وأن "أزمة انقطاع مياه الشرب تتفاقم يومياً في مدينة الحسكة في ظل تعنت الاحتلال التركي وعدم احترامه للقوانين الدولي"، على حد قوله.

مضيفاً أن الحل يكمن في إعادة سيطرة مؤسسة مياه الشرب الحكومية على المحطة وصياتنها والإشراف عليها، كما يتم إشراف المؤسسة على توزيع المياه إلى الأحياء وتؤكد من وصولها إلى المنازل.

حلول اسعافية

من جانبه، حدد المهندس عارف طعيمة الشيخ علي الخبير في مجال المياه في تصريحه لمراسل "سبوتنيك" مجموعة من الأمور التي تعتبر حلولا إسعافية لحل مشكلة المياه المغذية لمليون سوري في الحسكة هي تشغيل واستثمار جميع آبار محطة علوك البالغ 30 بئراً مع تركيب ألواح للطاقة الشمسية بدل الكهرباء النظامية إضافة لإزالة التعديات على خطوط نقل المياه والكهرباء على طول خط جر الرئيسي.

وأوضح الشيخ علي أنه يجب استثمار خط جر مياه نهر الفرات الواصل إلى مدينة الحسكة من خلال صيانة الخطوط والمحطات على طول الخط من بلدة الصور بريف دير الزور إلى محطة العزيزية بمدينة الحسكة بالسرعة القصوى.

وكان محافظ الحسكة بحث مع قائد القوات الروسية العاملة في المحافظة، مشكلة استمرار انقطاع مياه الشرب عن مليون مواطن سوري في مدينة الحسكة وريفها، لليوم 40 على التوالي، نتيجة خروج مصدر المياه الوحيد وخطوط نقل الكهرباء والمياه عن سيطرة الدولة السورية.

ويعتبر المواطنون أن ما يحدث هو جريمة بحق الإنسانية ويجب على كل المنظمات الدولية التحرك لحل هذه المشكلة حيث يتحمل الأهالي أعباء مادية كبيرة لقاء شراء المياه من الصهاريج لأن المياه التي تؤمنها الجهات الحكومية مخصصة للشرب فقط.

وتكرّرت مشكلة انقطاع المياه من محطة علوك، والتعديات على خطوط الجر والكهرباء الواصلة من المحطة، نحو 30 مرة منذ سيطرة الجيش التركي والفصائل "التركمانية" الخاضعة له على مدينة رأس العين وأريافها في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019.

ونجحت في كل مرة الجهود الحكومية الروسية المشتركة خلال السنوات الماضية في إزالة التعديات عن المحطة وإعادتها إلى الخدمة من خلال حماية دوريات الشرطة العسكرية الروسية للورش الفنية للكهرباء والمياه الحكومية السورية.

الإفلات من العقاب بعد انتفاضة 2022: دعوة للعدالة تتردد أصداؤها في نيويورك


وكيل الأمين العام للأمم المتحدة تحصد جائزة المرأة العربية المتميزة


صفعة مدوية للنظام الإيراني في نيويورك: استمرار العزلة الدولية وعودة العقوبات الحاسمة


سقوط الديكتاتورية يفتح فصلاً جديدًا في العلاقات الدولية