شؤون العرب والخليج
دول أوروبية واقعة جنوب الألب ستتأثر بنقص المياه
المعركة المناخية في جبال الألب والتأثيرات في الشرق الأوسط
قضية المياه المتجمدة في الجبال تزداد أهمية
ستشهد أوروبا معركة حول أثمن مورد على كوكب الأرض، فقد تصبح المياه النقية المنبعثة من جبال الألب، التي كانت وفيرة لقرون، محل نزاع متزايد، حيث يؤثر تغير المناخ وذوبان الأنهار الجليدية على حياة عشرات الملايين في السنوات القادمة. وتحتاجها إيطاليا لري المحاصيل في الربيع والصيف بينما تريد السلطات السويسرية وقف التدفقات لضمان زيادة سرعة محطات الطاقة الكهرومائية عند الحاجة.
واجتمع مبعوثون حكوميون من ثماني دول لأول مرة منذ أربع سنوات، بعد فترة اتسمت بالهدوء، في بريغ بجنوب سويسرا في إطار تجمع يعرف باسم اتفاقية جبال الألب. وقد تأسس قبل 30 سنة للمساعدة في تنسيق الحياة والترفيه والموارد المحدودة من قمم أوروبا الأكثر شهرة.
وأولت البلدان، بدءا من إمارة موناكو الصغيرة وسلوفينيا الصغيرة إلى القوى الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، اهتماما كبيرا لما يُعرف باسم “تحالف سيمبلون”. وجاءت تسميته من اسم ممر جبال الألب بين إيطاليا وسويسرا، ويهدف إلى جعل النقل أكثر صداقة للبيئة، بما في ذلك من خلال تفضيل السكك الحديدية ووسائل النقل العام على السيارات الخاصة في الجبال.
ويشير خبراء في البيئة إلى أنه مع تسبب الاحتباس الحراري في تراجع مقلق في الأنهار الجليدية في جبال الألب هذا العام، وخاصة في سويسرا، تزداد أهمية قضية المياه المتجمدة في الجبال. ويقول المدافعون عن البيئة إن التعامل مع المناورة من أجل المياه لا يتم بإلحاح كافٍ، ويريدون أن تتحدث دول جبال الألب أكثر عن مستقبل المورد.
ويرى مراقبون للوضع البيئي وخبراء أن هذا ليس جديدا، حيث أن تركيا والعراق وإسرائيل وفلسطين هي من بين العديد من البلدان التي تشعر بضغوط مشاكل المياه. لكن أوروبا المروية جيدا والغنية نسبيا كانت بعيدة عن هذه المشاكل إلى حد كبير، حيث جنت موارد مائية وفيرة للزراعة والطاقة الكهرومائية ومنتجعات التزلج والاستهلاك البشري.
ويشير "التقرير التاسع عن حالة جبال الألب” الذي صاغه المضيفون السويسريون إلى أن إمدادات المياه “قضية ملحة بشكل خاص" لأن جبال الألب هي خزان ضخم للمياه يستفيد منه حوالي 170 مليون شخص على طول بعض أنهار أوروبا الأكثر شهرة، بما في ذلك نهر الدانوب وبو والراين ورون.
وحسب المسودة شبه النهائية للتقرير، "تتطلب إمدادات مياه الشرب، والإنتاج الصناعي والإنتاجية الزراعية والطاقة الكهرومائية والاستخدامات الأخرى توفّرا ثابتا لمياه جبال الألب". ويضع تغير المناخ هذه الوظائف تحت الضغط، حيث تنحسر الأنهار الجليدية وتتغير أنظمة هطول الأمطار باستمرار. وبالتالي، سيكون انخفاض كميات المياه ومحدودية الموثوقية في إمدادات المياه قضية رئيسية في العقود المقبلة.
وقال كاسبار شولر، مدير "سيبرا أنترناشونال"، وهي لجنة مكرسة لحماية جبال الألب ومقرها في ليختنشتاين، إن الحكومات توقفت بشكل مقلق عن اتخاذ خطوات لمعالجة المشكلة كما ينبغي (إنشاء مجموعات عمل أو توسيع البحث أو التوصل إلى طرق يمكن من خلالها مشاركة المياه بشكل أفضل في المستقبل).
وصرّح في مقابلة "نحن (المنظمات المراقبة) سعداء بوجود هذا على جدول الأعمال، لكننا مندهشون حقا من ضبابيته. هم يدركون حقيقة أن هذه ستكون القضية الكبرى في المستقبل لكنهم يتصرفون كما لو أنها ليست مهمة جدا حتى الآن. وصف السويسريون الصعوبات بشكل جيد، لكنهم ما زالوا يفتقرون إلى الشجاعة ليكونوا مباشرين".
وبينما تعتمد القرى والمنتجعات في جبال الألب على المياه، فإن مستخدمي المنبع الرئيسيين هم محطات الطاقة الكهرومائية في سويسرا التي ترغب في التمسك بالمياه حتى تشتد الحاجة إليها لتشغيل التوربينات التي توفر حوالي 60 في المئة من الكهرباء في البلاد.
ويرى مختصون أن أكبر مستهلكي المياه هي المناطق الصناعية مثل غرونوبل وآنسي في فرنسا، والعاصمة النمساوية فيينا، والمناطق المحيطة ببلسانة في جنوب تيرول الإيطالية ستشعر بالتأثير.
وقال التقرير إن المدن الواقعة في جنوب جبال الألب، وخاصة في فرنسا وإيطاليا بمناخها الأكثر جفافا، من المرجح أن تعاني من نقص في المياه بحدة أكبر مقارنة بالمدن الشمالية. "هذا ينطبق بشكل خاص على الوديان الجافة في جبال الألب الداخلية مثل وادي أوستا في شمال غرب إيطاليا، وقد تأثرت بالفعل بإجهاد مائي كبير".
وقالت وزيرة الدولة بيتينا هوفمان، التي تمثل وزارة البيئة الألمانية في بريغ، إن بلادها تعمل على "تجميع" قضايا المياه المستدامة في السياق الأوسع لمحاربة أزمة المناخ التي ستكون محور مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في شرم الشيخ ابتداء من 6 نوفمبر.
وتابعت “يتعين على بلدان جبال الألب العمل على مستويين: العمل المناخي الحازم الذي يوقف الاحترار العالمي بما يمكنه الحفاظ على الأنهار الجليدية المتبقية، والتكيف مع التغيرات في توازن المياه في جبال الألب وفي الأنهار التي تغذيها المياه القادمة منها".
ودعت إلى "تبادلات متعمقة حول كيفية حماية دورة المياه في جبال الألب" واقترحت على الدول في المنطقة تبادل أفضل الممارسات والأفكار قائلة “نحن بحاجة إلى إشراك جميع أصحاب المصلحة، من السياحة إلى الزراعة وصولا إلى قطاع إمدادات المياه".
وقال شولر "إن الكثيرين أصبحوا راضين جدا عن المياه الوفيرة لجبال الألب، وقد تنتهي تلك الأيام قريبا". وأضاف "حتى الآن، كانت البلدان سعيدة لأن جبال الألب توفر الكثير: المناظر الطبيعية للترفيه والرياضة، ومنتجعات التزلج، والمياه بقدر ما يحتاجه الجميع. كما توفرت الكهرباء والطاقة الكهرومائية عند الطلب. لكن ستقوم في المستقبل معركة حول هذه الموارد لأن نقص المياه يمكن أن يضر الكثير من الناس".