شؤون العرب والخليج
الثبات السعودي: فلسطين في قمة الأولويات التاريخية
"أرشيفية"
لم يشهد موقف المملكة العربية السعودية تغييرًا فيما يخص "قضية فلسطين" منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. تعتبر السعودية قضية فلسطين أولويّة، وقد دافعت عنها بإصرار منذ البداية، حين رفضت تقسيم دولة فلسطين واحتلالها مرورًا بإعلان مبادراتها لتحرير الأراضي الفلسطينية
ومواجهة القوى العالمية، بل والمشاركة العسكرية وتقديم الشهداء من السعوديين في سبيل تحقيق هذا الهدف. وسار على نهج المؤسس مَن حمل الراية بعده من الملوك والقادة، حتى ظلت القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية ويتجلى هذا في خطبها الرسمية ومواقفها الدبلوماسية على الساحتين الإقليمية والدولية.
ثبات الموقف
ثوابت السعودية لم تتغير عبر تاريخها المشرق حيث شاركت في مؤتمر لندن عام 1935م، المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية، وقامت السعودية بمناصرة ودعم الشعب الفلسطيني ومساندة فلسطين في المحافل الدولية.
كان الملك المؤسس في مقدمة الرافضين لخطة توطين اليهود بالأراضي الفلسطينية عام 1945م، وأمد المقاومة الفلسطينية بالمال والمتطوعين السعوديين، كما أوفد إلى فلسطين ابنه الملك سعود بن عبد العزيز طيب الله ثراه، وكان ولي العهد آنذاك في مهمة دعم وتأييد، حيث زار مدن عديدة من بينها يافا، ونابلس، وبيت لحم، ورام الله، والقدس.
مواقف تاريخية ورعاية
وبتوجيه المؤسس الملك عبد العزيز، أسست المملكة العربية السعودية في عام 1947 م قنصلية عامة لها في مدينة القدس ورعى الأميرعبد العزيز بن أحمد السديري، افتتاح القنصلية العامة في حي الشيخ جراح بمدينة القدس للوقوف عن قرب على احتياجات الشعب الفلسطيني.
بالأفعال لا الأقوال، دعمت المملكة العربية السعودية قضية فلسطين على مدى التاريخ. ففي حرب عام 1948، قدمت السعودية الشهداء وأظهرت تضامنها مع القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما قدمت السعودية دعمًا ماليًا للشعب الفلسطيني بمبالغ تجاوزت 29 مليار ريال سعودي.
كانت تقديمات الدعم تشمل أيضًا منحًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بأكثر من 4 مليارات ريال. بالإضافة إلى ذلك، قامت السعودية من خلال صندوق التنمية السعودي بتقديم دعم إضافي بقيمة 18 مليار ريال سعودي. وبهذه الجهود المتواصلة، بلغ مجموع الدعم السعودي للقضية الفلسطينية حوالي 51 مليار ريال سعودي. ولا يقتصر هذا الدعم على الجوانب المالية فقط، بل يشمل أيضًا جهود مستمرة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات.
القضية الفلسطينية في المحافل الدولية
شاركت المملكة العربية السعودية في العديد من المؤتمرات والاجتماعات العربية والدولية لحل وإنصاف القضية الفلسطينية ابتداء من مؤتمر مدريد وانتهاء بخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية وتبنتها الدول العربية كمشروع عربي موحّد في قمة بيروت في آذار/مارس 2002 م لحل النزاع العربي الإسرائيلي والضغط على إسرائيل لتنفيذ القرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي تنص على الانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م.
بدأ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله بمناصرة القضية الفلسطينية عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، حيث ترأس اللجان الشعبية لمساعدة المقاتلين وأسر شهداء فلسطين عقب نكسة 1967 م، كما شهد عهده دعمًا ملحوظًا للقضية الفلسطينية متبنيًا مبادرة السلام العربية كحل عادل وشامل للقضية.
أول سفير للمملكة لدى فلسطين
في الآونة الخيرة، تعرضت الدبلوماسية السعودية إلى تشويش إعلامي وبث معلومات غير موثقة من قبل جهات ذات أجندات معادية هدفها الإضرار بالعلاقات الأخوية المتنية بين السعودية والسلطة الفلسطينية، والحديث عن محادثات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل برعاية أميركية. إلا أن ذلك لم يؤثر على ثوابت السعودية من فلسطين وعلى الموقف السعودي والتزامها بالقضية وحرص السعودية على قوة التكتل العربي، وتهيئة الأجواء لإيجاد حلول عربية ودولية لأزمات المنطقة والعالم.
حكمة السعودية وقيادتها
بدأت الجهود السعودية المبذولة تؤتي ثمارها في المنطقة، إذ بعد سنوات من الحروب والتشرذم، نجحت السعودية بحكمتها إلى تصفير المشاكل وإنهاء النزاعات بين الدول العربية وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وأقدمت على تعيين السفير نايف بن بندر السديري سفيرأ فوق العادة غير مقيم لدى فلسطين، وقنصلاً عامًا في مدينة القدس الشريف، بالإضافة إلى مهامة سفيرًا لدى الأردن، في خطوة تهدف لإعطاء العلاقات مع فلسطين الطابع الرسمي بكل المجالات سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الوقت نفسه تعيين سفيرًا سعوديًا فوق العادة غير مقيم لدى فلسطين وافتتاح قنصلية عامة، رسالة سعودية مدوية بأن لا تنازلات ولا تطبيع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وعلى رأسها الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967م وفق المبادرة العربية.
قُوبل قرار السعودية تعيين سفير فوق العادة لدى فلسطين بردودٍ متباينة، إذ رحّبت السلطة الفلسطينية بهذا القرار التاريخي، فيما عبّرت إسرائيل عن تحفّظها عليه، وسط تساؤلات حول دوافع هذا القرار ودلالات توقيته.
دعم سعودي تاريخي غير مسبوق
علّق المحلّل السياسي المقدسي المستشار زيد الأيوبي في تصريح لـ "جسور" معتبرًا أن تعيين سفير لها لدى دولة فلسطين، هو تجسيد للموقف التاريخي الشجاع للمملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية.
وأكد المستشار الأيوبي أن مواقف المملكة العربية السعودية التاريخية، التي تعود إلى عهد جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، لم تتغير أبدًا فيما يخص القدس. ورغم جميع التغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة، إلا أن هذا الموقف الكبير للمملكة لاقى تقديرًا واحترامًا من قبل جميع أحرار الشعب الفلسطيني.
قرار سعودي تاريخي
وأشار الأيوبي، إلى أن توقيت هذا القرار الكبير بتعيين سفير للمملكة العربية السعودية لدى دولة فلسطين يحمل دلالات كبيرة أهمها انه في الوقت الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي فيه لتصفية القضية الفلسطينية قامت المملكة بهذه الخطوة الجليلة لدعم الموقف الوطني الفلسطيني وتحصين المنجزات الوطنية للفلسطينيين.
ونوّه الأيوبي، إلى أن هناك بعض الجهات المعادية للأمة العربية تسعى للتشويش على الموقف العربي السعودي تجاه تضحيات الشعب الفلسطيني لكن المملكة بقيادتها الحكيمة وشعبها المقدام أثبت في كل محطة وكل مرحلة أنها الوفية والأمينة على كل قضايا العرب والمسلمين ومواقفها العظيمة تشهد لها بعظمتها وتصميمها وإصرارها على دعم الشعب الفلسطيني وقضيته في كل الميادين لذلك فإن الشعب الفلسطيني سيبقى وفيا للمملكة وقيادتها الشجاعة وسنبقى نحن وأهلنا السعوديين على قلب رجل واحد حتى تحقيق كل تطلعات شعبنا بالنصر والحرية واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.